كان الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديجول يحمل في نفسه الكثير من المرارة التي لا يذهب بها الزمن فيزيلها رغم ما يمر عليها من الحقب!، وكان السبب الرئيسي وراءه المرارة التي يشعر بها ديجول من الآثار التي ترتبت علي جلوسه مع الحلفاء لتقسيم غنائم النصر علي ألمانيا النازية الهتلرية التي شنت حرباً شاملة علي أوروبا كلها - وضمنها فرنسا طبعاً - مما نشر الخراب والدمار في كل أوروبا!، في حين بقيت الولاياتالمتحدةالأمريكية بمنأي عن شرور العسكرية الألمانية النازية، ولكنها أخذت علي عاتقها الأخذ بيد أوروبا المخربة وانتشالها من آثار الكارثة بدعمها اقتصادياً من خلال مشروع «مارشال» الذي مولته أمريكا بالكامل، ولأن فرنسا قد وقعت تحت الاحتلال النازي لأراضيها فقد خطط الجنرال دوايت أيزنهاور - الرئيس الأمريكي فيما بعد - لعملية إسقاط قوات الحلفاء خلف خطوط الألمان في «نورماندي» مما أدي الي جلاء النازي عن فرنسا، ولكن بقي للجنرال ديجول قيادته للمقاومة الفرنسية للألمان من خارج فرنسا، وتسديد ضربات موجعة للألمان، وتشكيله لحكومة فرنسية في المنفي تقوم علي العمل علي تحرير فرنسا والإبقاء علي قضية احتلال فرنسا حية في أوروبا والعالم، وعندما جلس ديجول مع غيره من الحلفاء لتقسيم غنائم الحرب لقي ديجول إهانات بالغة من الإنجلير والأمريكيين علي وجه الخصوص!، إذ كانت مقاطعة ديجول في جفاء واستعلاء بإشارة مستمرة إلي أنهم قد «حرروا» فرنسا من الاحتلال، قد شعر ديجول بالمرارة من هذا الموقف الأنجلو أمريكي الذي أنكر جهود الشعب الفرنسي في المقاومة ودور ديجول الرئيسي في هذه المقاومة، ودارت الأيام دورتها وأصبحت فرنسا تحت رئاسة الجنرال المنتصر ديجول، الذي لم يقف فقط عند شعوره بالمرارة ممن أهانوه، بل كان شديد الإيمان باستقلال فرنسا في قراراتها السياسية بمعزل عن التحالف الذي شهدته الحرب قبل اندحار ألمانيا. وقد تعززت مشاعر ديجول كقائد وطني وعسكري عظيم بأن يكون لفرنسا استقلالها العسكري كذلك بعيداً عن وقوع فرنسا تحت الهيمنة الأمريكية والارتباط الوثيق الذي أصبح أبدياً إلي اليوم بين بريطانيا وأمريكا، وفي هذا كانت بريطانيا مجرد تابع للسياسة الأمريكية تحت راية «حلف شمال الأطلنطي»، ومع أن فرنسا كانت أيضاً عضواً في الحلف فإن ديجول كان يؤثر أن تكون لفرنسا سياساتها الدفاعية والعسكرية المستقلة!، وكان هذا سبباً من أسباب توتر الأمريكيين من ناحية ديجول! خاصة أن أمريكا كانت تحتكر سنوات ما بعد الحرب السلاح النووي، الذي كانت أمريكا تعتبره يمثل مظلة نووية للدفاع عنها وردع أعدائها وكذا أعداء أوروبا كلها، وذلك في الوقت الذي عرف فيه الاتحاد السوفيتي إنتاج الأسلحة النووية، ولكن ديجول الوطني الفرنسي قد صمم علي أن تكون لفرنسا قوتها النووية المستقلة التي راح يبنيها في تؤدة وتصميم، وكانت له قولته المشهورة في وجه أمريكا: «انني لا أظن أن الولاياتالمتحدة سوف تحارب بالأسلحة النووية دفاعا عن زرقة عيون بنات باريس»!، وحتي يؤكد ديجول استقلال فرنسا بادر إلي طرد حلف الأطلنطي من باريس ليكون مقره في بروكسل!، ولعل في حكاية حرص ديجول علي استقلال بلاده وأن تكون لها قواتها الدفاعية المستقلة وملكية السلاح النووي ما يؤكد علي أن القادة العظام للشعوب العظيمة لابد أن يكونوا علي ثقة من سلامة عملهم لتحقيق الطموحات التي تتطلع لها شعوبهم، وما لمسناه من ذلك فيما ذكره الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير دفاعنا وقائد جيشنا من أننا لا نتشارك مع أي دولة فيما يختص بشئون بلادنا وجيشها!، ومثل هذه القيادة تطرح أهليتها التي لا حدود لها للثقة التي يوليها الشعب المصري اليوم للسيسي بلا حدود.