شهدت مصر في الأيام القليلة الماضية العديد من التطورات السريعة والمتلاحقة على المستويين الداخلي والخارجي، ويمكن القول إن هذه التطورات والتداعيات لا ترتبط بفض الاعتصام في ميداني رابعة والنهضة فقط بل لها جذور وسيناريوهات معدة سلفا، كما أن هناك أخطاء تتسم بجانب كبير من الخطورة وقع فيها النظام الإخواني خلال عام من ممارسة السلطة أدت إلى هذه النتائج والتداعيات، فمحاولة إحراق الوطن ليست نتاجا لفض الاعتصام بالضرورة بقدر ما تعبر عن سيناريو معد سلفا يعود إلى فترة الانتخابات الرئاسية التي انطوت على تهديد بحرق الوطن إذا لم ينجح مرشح الإخوان للرئاسة، ولعل هذا هو السيناريو الذي ينفذ الآن دون أن يحقق النجاح المتوقع من واضعيه نظرا لتلاحم الشعب والشرطة والجيش ،ويمكن الإشارة إلى عدة ملاحظات هامة تتعلق بالتطورات الحالية وتطوراتها المستقبلية وتأثيرها على الوطن وذلك على النحو التالي :- أولا: الأخطاء الخطيرة التي حدثت والمتمثلة في محاولة السيطرة على مفاصل الدولة المختلفة في أقصر فترة زمنية ممكنة من خلال الدفع بالأنصار والمؤيدين أو من يطلق عليهم أهل الثقة على حساب أهل الخبرة وفي كافة المستويات وهو ما يطلق عليه التمكين،وقد أدى الانشغال الشديد بالتمكين إلى عدم القدرة على حل المشكلات اليومية للمواطنين التي تزايدت وتفاقمت وساعدت على حدوث حالة من عدم الرضا والإحباط لدى جموع الشعب والذين شعروا بعدم تحقق أهداف الثورة ومبادئها، بل تزايدت الأوضاع تدهورا على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى الأمن القومي وعلى مستوى الحياة اليومية للمواطن العادي،ولذلك يمكن القول إنه إذا كان التوريث هو العامل الجوهري في اسقاط نظام الحزب الوطني،فإن التمكين هو العامل الجوهري في اسقاط النظام الإخواني ويرتبط بذلك أيضا جملة من الأخطاء الأخرى مثل استعداء أطراف عديدة وفي نفس الوقت مثل القضاء والشرطة والجيش والمثقفين والإعلام والأزهر والكنيسة، فضلا عن نشأة ظاهرة غير مألوفة في النظام المصري وهي الصراع بين السلطات أو بين مؤسسات الدولة المختلفة كالصراع بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية،أو بين السلطتين التشريعية والقضائية والرغبة في إحكام السيطرة على القضاء مما يهدد استقلاليته. ثانيا: عدم الاستفادة من خبرات الماضي ،فجماعة الإخوان المسلمين والتي لها تواجد يرجع إلى أكثر من ثمانية عقود من الزمان منذ نشأتها في عام 1928 خاضت مجابهات وصراعات مع مختلف نظم الحكم في مصر وفي عهود سياسية مختلفة في فترة النظام الملكي وفي العهد الناصري وفي عهد السادات ومبارك وصولا إلى الآونة الراهنة، ولعل الجديد في هذا الشأن أن المجابهة الآن لم تعد مع نظام حكم بل أصبحت مجابهة مع شعب بأكمله في مختلف المحافظات والأقاليم وفي مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهي ظاهرة غير مألوفة من قبل بمثل هذه الحدة أو الشدة وهو ما يثير التساؤل عن مستقبل التنظيم ومستقبل الأحزاب الدينية وهو الأمر الذي سيفصل فيه الدستور الجديد،وقد ظهرت حدة المواقف الشعبية تجاه الإخوان في حالات متعددة أبرزها اعتصام جامع الفتح والذي قامت قوات الأمن بحماية المعتصمين من التنكيل بهم من جانب الشعب وهي أيضا من الظواهر غير المألوفة وربما تجد تفسيرها في أعمال العنف والترويع للمواطنين وقطع الطرق في اليوم السابق لفض اعتصام جامع الفتح. ثالثا: إن مصر لن تحكم إلا بتوافق أهلها، بمعنى أنه لا يستطيع فصيل بمفرده أو اتجاه معين أن يحكم مصر تماما بمفرده،فمصر تعرف التعدد في أقاليمها الجغرافية المختلفة بين مناطق ساحلية وزراعية وصحراوية وحدودية ،كما تعرف التعدد في الأديان والمذاهب وفي الحرف والصناعات وفي مستويات التعليم والثقافة ،ولذلك فإن هذا التنوع والاختلاف قد يكون من المفاتيح الهامة للشخصية المصرية ولذلك يصعب فرض إرادة تيار بعينه أو فصيل بذاته على الشعب المصري بل يحتاج الأمر في جميع الأحيان إلى وجود درجة من الرضا والتوافق الشعبي سواء عبر هذا التوافق عن نفسه في شكل الدستور أو التشريعات أو العلاقات الخارجية والسياسات المتبعة في الداخل والخارج والتي يجب أن تحصل على رضاء وتقبل الشعب وهو ما يضفي الشرعية على النظام ككل، بينما غياب هذا التوافق يؤدي إلى تراجع شرعية النظام ويهدد استقراره السياسي، وإذا كان الشعب المصري قد استطاع في خلال عامين ونصف أن يسقط نظامين هما نظام الحزب الوطني ونظام الإخوان فإنه يكون من المرغوب فيه التوافق على البديل الثالث والذي سيؤدي إلى ارساء الدولة الديمقراطية في مصر. رابعا: التأثير السياسي للمتغير الدولي،حيث شهدت الفترة الماضية محاولات للاستقواء بالخارج ومحاولات لإضفاء الطابع الدولي أو التدويل للأزمة المصرية، وتدخل من بعض الأطراف الدولية والإقليمية وخصوصا الولاياتالمتحدة وتركيا ودعوة البعض لانعقاد مجلس الأمن الدولي لمناقشة الشأن المصري، ولذلك فإن الدور المصري من خلال وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات ووسائل الإعلام يتطلب نقل الصورة الفعلية والحقيقية للأوضاع في مصر، وعدم السماح بالتدخل الخارجي تحت أي شكل أو مسمي وخاصة أن الدول المؤثرة في الموقف الدولي من هذه الزاوية مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا قد لجأت إلى اجراءات عنيفة لفض اعتصامات لديها لم تكن مسلحة ولم تكن تمثل ترويعا لمواطنيها، كذلك قد يكون من المفيد أن تركز الدبلوماسية المصرية على قرارات مجلس الأمن المتعددة والخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي والتي لم تجد مجالا للتنفيذ،ومن المرغوب فيه الحفاظ على استقلالية القرار المصري وألا تكون مصر عرضة للضغط او الابتزاز لأي سبب وتكثيف الجهود لتجفيف منابع الإرهاب والقضاء عليه وخصوصا في سيناء. إن مصر على مفترق طرق من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية، وسوف ينجح الشعب المصري العظيم في اختيار الطريق الصحيح والاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرارها والتغلب على التحديات التي تواجهه لبناء الدولة الديمقراطية المصرية الحديثة التي تحقق ما تستحقه من قدرة ومكانة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي.