«ليس عيباً أو خطأ ان تعود من بداية الطريق ما دمت قد مشيت في الطريق الخطأ»، رغم وجاهة هذا النهج الذي يتبعه ساسة العالم لتبرير تراجعهم عن القرارات الانفعالية، إلا أن الرئيس الامريكي «أوباما» يصعب عليه السير في هذا الطريق ويراجع دعمه للعنف في مصر، ليس من باب التعالي ولكن من منطلق البيئة الأمريكية المتطرفة التي نجهل تفاصيلها ومن ثم يتعذر علينا التعامل معها، فوفقا لنتائج الاستطلاع التي أجرتها مؤسسة «جالوب» الشهيرة فان الشعب الأمريكي (عكس ما هو شائع) شعب متدين، وهذه الروح المحافظة التي سادت أمريكا منذ بداية السبعينيات كانت وراء انتخاب رؤساء (محافظين أو متدينين) أمثال جيمي كارتر، ورونالد ريجان، وجورج بوش الأب، والرئيس جورج بوش الابن، وصولاً إلى أوباما أكثر الرؤساء الأمريكان ارتباطاً بالقاعدة وجماعات التطرف الديني. وفي هذا الصدد ينوه الاستطلاع إلى انفجار المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي (1995) والذي أدى إلى مقتل وجرح المئات من الأمريكيين، وتبين بأن المتهم الرئيس هو رجل أبيض ومسيحي «تيمبو ما كفي»، ونفذ فيه حكم الإعدام لاحقاً، وأفادت التحقيقات أنه ينتمي إلى إحدى الميليشيات شبه العسكرية «ميليشيا ميتشجن» وهو ما مثل صدمة للأمريكيين، وجعلهم ينتبهون إلى حقيقة أن التطرف والإرهاب مستوطن لديهم. والواقع الأمريكي يشير إلى انفلات الأمن وتصاعد العنف (الفردي والجماعي) الذي يتمثل في تزايد معدلات الجريمة وإطلاق النار على تجمعات المدنيين من الموظفين والعمال، وطلاب وطالبات المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، غير أن الأخطر هو نشوء وتزايد حضور وتأثير الميليشيات العسكرية وشبه العسكرية والمنظمات المتشددة والمنغلقة، الذي أصبح ظاهرة عامة وملحوظة في الحياة الأمريكية. وهناك أيضا حادثة «واكو – تكساس» المأساوية الشهيرة (1992) حينما مات حرقا زعيم جماعة «الداودين» ديفيد كوريش ومعه نحو ثمانين من أتباعه من بينهم نساء وأطفال بعد حصار قوات الأمن الأمريكي لهم زهاء خمسين يوما، وقبلها بأعوام عدة كانت مأساة جونز تاون (جويانا) في عام 1978 حيث استطاع زعيم جماعة أخرى اسمه جيم جونز من إقناع أكثر من 900 من اتباعه بالانتحار الجماعي بمادة «السيانيد» وهم مجموعة أمريكية وقعت تحت سيطرته وهاجرت معه إلى جويانا (امريكا الجنوبية) حيث شيدوا وسط الغابات «معبد الشعب». المعلومات المتوفرة عن الجماعات الدينية المتطرفة في داخل الولاياتالمتحدة متباينة حيث تقدر أعدادها - طبقا لدراسة الكاتب والمفكر العربي نجيب الخنيزي - بين ألفين وخمسة آلاف جماعة، ويتراوح العدد الإجمالي لأعضائها بين عشرة وعشرين مليون شخص، وتقدير متوسط عدد الأعضاء في كل منها يتراوح بين العشرات والآلاف، وبذلك تمكنوا من تعزيز مواقع ونفوذ وحظوظ الحزب الجمهوري مقارنة بالعهود السابقة، فخلال العقود الخمسة التي سبقت السبعينيات فاز الجمهوريون بالرئاسة في أربع جولات انتخابية فقط مقابل ثماني جولات فاز فيها الحزب الديمقراطي، ولم يتحكم الجمهوريون في الكونجرس بمجلسيه سوى في دورتين خلال الدورات الأربع والعشرين له وبدأ التغيير أثناء ترشيح رونالد ريجان للانتخابات الرئاسية، من خلال دعم المنظمات اليمينية المسيحية مثل «الأغلبية الأخلاقية» و«التحالف المسيحي» و«مجلس السياسة العامة» ورموز التطرف المسيحي من أمثال جيري فولويل وبات، وذلك من خلال الترويج لأجندة سياسية يمينية، عن طريق شبكات الصحف والإذاعة والتليفزيون المسيحية المؤثرة، وعبر منابر الوعظ في الكنائس، ومن خلال استغلال الدين تمكن الحزب الجمهوري منذ 1980 من الفوز بخمسة انتخابات رئاسية من سبعة سباقات للرئاسة، وتمكن الأعضاء الجمهوريون من السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي ثماني دورات من اثنتي عشرة دورة، كما تحكم الجمهوريون في مجلس النواب خلال السنوات الاثنتي عشرة اللاحقة. وبعيداً عن كل هذا وذاك، علينا ألا نتجاهل علاقة الادارة الامريكية بالقاعدة وما جرى في أفغانستان وباكستان ضد النفوذ الروسي ومن بعده المد الإسلامي، وألا ننسى أيضا أن الولاياتالمتحدة ولدت من رحم أكبر حرب إبادة في التاريخ حيث نشأت أمريكا على أشلاء سكان المنطقة الأصليين من الهنود الحمر.