مانراه الآن علي الساحتين السياسية والإعلامية يدعو إلي الأسي والأسف في آن واحد، شجار وصراخ وعويل في الندوات وعلي شاشات الفضائيات في عراك مستمر بين القوي السياسية المختلفة وبالتحديد بين مايسمون أنفسهم الليبراليون الجدد والتيار الأسلامي، الطبيعي والمنطقي أن يكون بينهم اختلاف وتباين في الرؤي نظراً لمرجعية كليهما لكن غير الطبيعي وغير المنطقي أن يتحول هذا الاختلاف الي خلاف وصراع وتتحول ساحات الحوار الي مشاحنات، كليهما يكيل للآخرولايريد أن يسمعه، فلغة الحوار بينهما معدومة برغم الأرضية المشتركة بينهما والتي أراها أوسع بكثير من تلك الاختلافات الضيقة التي تراعي المصالح الشخصية أكثر من مصلحة الوطن وكثيرا ما اتهمت القوي الاسلامية بأنها تحاول فرض رأيها علي الآخرين وكأنها تملك الحقيقة وحدها ولكن الجديد هذه المرة والمستغرب والمستهجن أيضا أن يحاول هؤلاء الليبراليون الجدد الذين يدعون الحرية ويتشدقون بالديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان أن يفرضوا رأيهم بالقوة مستخدمين الإرهاب الفكري وعبارات عنصرية كتلك التي أطلقتها المستشارة تهاني الجبالي بأن يمنع المصري غير المتعلم من الإدلاء بصوته في الانتخابات! وهي التي كانت في السابق من الناصريين، ولسنا هنا بوارد أن نذكر كيف انحاز عبد الناصر لهذه الطبقة المهمشة ودافع عنها وانتصر لها ولكننا فقط نرصد حالة من حالات الهزل السياسي التي مُلئت بها الساحة السياسية مؤخراً حتي أن د.سعد الدين إبراهيم قال "أنا عارف طلعولنا منين السلفيين دول" وكأنهم كائنات غريبة عن البشروليسوا من تراب هذا الوطن! وآخر يؤكد أن مصر ستتحول الي جزائر أخري إذا فاز الإسلاميون في الانتخابات وانقلب القوميون عليهم وانحاز الجيش إليهم وحدثت المجازر المعروفة علي امتداد عقد من الزمن فما بالك في مصروالتي قد تمتد عقود!! هل هذا يعقل؟! وهل هذا الحوار يليق بالنخب المفترض فيها الوعي والثقافة والحكمة فكل كلمة محسوبة عليها فهي تشكل وعي المجتمع وضميره ولكن مانراه هذه الأيام هو محاولة لتزييف هذا الوعي وتغييب لضميره ومصادرة لإرادته الحرة وكأننا نعيد عقارب الساعة إلي الوراء لنعيد أدبيات الزمن البائد من تخويف وتخوين وإقصاء واستعلاء ومن مَن؟ مَن الليبراليين الجدد وأُصر علي الجدد لأن مصر عرفت الأحزاب الليبرالية منذ عشرينيات القرن الماضي وكان أهمها علي الإطلاق حزب الوفد أوحزب الأمة كما كان يطلق عليه والذي كان يضم أطياف المجتمع كلها تحت راية الأمة من إقطاعيين وفلاحين ورأسماليين وعمال ومسلمين وأقباط ولم يقص أحداً كما يفعل هؤلاء الليبراليون الجدد المتحولون من اليسارية أصحاب الفكر الشمولي واللغة الخشبية إلي العلمانية التي تحيد الدين وتفصله عن الدولة وهاهم بقدرة قادر يطلقون علي أنفسهم ليبراليين! ماعلينا هؤلاء الليبراليون الجدد يقومون حاليا بانقلاب علي الديمقراطية ويريدون الانقضاض علي إرادة الشعب والقفز علي نتيجة الاسفتاء والذي قال فيه الشعب كلمته بنعم للتعديلات الدستورية بنسبة 78٪ ولأنهم حصلوا علي 22٪ في أول انتخابات حرة ونزيهة علي الرغم من التجييش الإعلامي غير المسبوق لدفع الناس علي رفض التعديلات ،إذن لعبة الديمقراطية لم تأت علي هواهم فأرادوا قلب الطاولة وإعادة المباراة بقواعد جديدة وبطريقة جديدة لم تعرفها أعتق الديمقراطية وأعرقها علي الاطلاق وفيها تتحكم الأقلية بالأغلبية فيما يعرف بديكتاتورية الأقلية بحجة أن مَن قال نعم فاقد الأهلية ولايحق أن يعتد برأيه ! لقد آسفت لكلام الفقيه الدستوري إبراهيم درويش في أحد البرامج حينما قال إن أغلب الذين قالوا نعم من المحافظات ولكن كل الناس في القاهرة قالوا لا وكأنه ينعتهم بالجهل والتخلف وعلي الرغم أن ماقاله غير صحيح، وعليه أن يرجع إلي نتائج الاستفتاء ليعرف النسب الصحيحة، إلا أنه يدل علي استعلاء وعنصرية مقيتة تفرق بين أبناء الشعب الواحد فأين إذن الدولة المدنية وإعلاء شأن المواطنة التي صدعتم بها رؤوسنا ياسادة ! ولقد كان لافتاً أيضا رجاء" الفقيه الدستوري" للمجلس العسكري البقاء في الحكم لمدة عامين علي الأقل وهو ماذكرني بما فعله سليمان حافظ أبان أزمة 1953 وحثه الجيش علي البقاء في السلطة وزين له الأمور وزيف له الحقيقة فجاءت علي هواه ولكن الحمد لله المجلس العسكري لاتستهويه السلطة ويريد أن يسلم البلاد إلي سلطة مدنية في أقرب وقت رغم حب الشعب له وعرفاناً بجميله عليه إلا أنه عازف عن السلطة وقد قالها صراحة في رسالته (59) أنه لم ولن يقفز علي السلطة وأنه ملتزم بتسليم إدارة شئون البلاد لسلطة منتخبة وفق الجدول الزمني الذي أعلنه في الإعلان الدستوري" كي تخرس كل الألسن سواء تلك التي تطالبه بالبقاء أو تطالبه بتأجيل الانتخابات ووضع الدستور أولاً ومع كل هذا التأكيد إلا أن الليبراليين الجدد مازالوا يحاولون بكل ماأوتوا من قوة متمثلة في مال وفي إعلام مكتوب ومرأي أن يفرضوا رأيهم علي الشعب ويقوموا بانقلاب علي الديمقراطية ليحولها إلي ديمقراطية النخب في الغرف المكيفة والصالونات المذهبة! بدلاً من النزول إلي الناس ،فهم في برجهم العاجي لايرون غير الإخوان الذين ينغصون عليهم نعيمهم الهادئ هذا ويحرمهم من التخطيط والتفكير لهذا الشعب القاصر الذي لم يتعلم الديمقراطية ولايعرف أن يحكم نفسه بنفسه من وجهة نظرهم طبعا كما كان يدعي أسلافهم في العهد البائد! ولقد بات صدر الغرب يضيق من كثرة شكواهم من الإخوان وتأليب الرأي العالمي عليهم، وكما حاولوا في الداخل وفشلوا وانقلب السحر علي الساحروهاهم يلقون نفس المصيرمع الدول الغربية البراجماتية التي لم تعد تلتفت كثيراً لتلك الفزاعة الوهمية التي حاول سلفهم استعماله لاستمراره في الحكم وجاءوا هم ليعيدوا نفس تلك الأسطوانة المشروخةُ فكسرها في وجههم رئيس وفد الاتحاد الأوربي في القاهرة السفير مارك فرانكو قائلاً "أنا تعبت ومللت من النقاش حول الإخوان المسلمين في كل مكان، توقفوا عن الشكوي من أن آخر قوي، ابدأوا في تقوية أنفسكم واخرجوا إلي الشارع وشكلوا أحزاباً واتركوا ميدان التحرير إلي الصعيد والأقاليم اذهبوا إلي الجماهير وإقنعوا الناس بالقضايا التي تناضلون من أجلها وتدافعون عنها وحاولوا أن تكونوا أقوياء بأنفسكم! " هذه ليست نصيحة فرانكو فقط لليبراليين الجدد بل هي نصيحتنا أيضا لشركائنا في الوطن من أجل العيش في سلام ورفعة هذا الوطن وعزته ولا أعتقد أن أحداً من الطرفين اللدودين أوالأخوة الأعداء لايبتغي ذلك فلماذا لاتضع الأيدي معا بدلاً من عراكها أووضع السهام بها لطعن الآخر! أيها الليبراليون الجدد انزلوا من برجكم العاجي واتركوا الكيد والوقيعة بين الإخوان والتيارات السياسية والشعب من جهة والمجلس العسكري من جهة أخري واتجهوا إلي رجل الشارع لتسمعوا منه وليس لتملوا عليه نظرياتكم من وراء حجاب أقصد من برامج الفضائيات ومن الندوات المعلبة ! فأني أجزم أن شعبنا هو صاحب أهم النظريات وأعظم الايديولوجيات وهو المعلم والسيد والقائد ولايحتاج وصايا من أحد بل الكل يحتاج لوصايته ليسير علي هداه وعلي نبراثه فهل وعيتم الدرس أم مازلتم في أوهامكم تعبثون وفي معركتكم الخاسرة ماضين!! اللهم بلغت فاللهم أشهد. ملحوظة: هل الشباب الذي تحرش بالفنانة شيريهان في ميدان التحرير هو َمن كان يطالب بالمجلس الرئاسي أم من كان يطالب بالدستور أولا أو مَن كان يطالب بمحاكمة الفاسدين؟!