فى الأزمات تتعدد المقترحات، وفى ظل الانكماش الجارى تتنوع أطروحات الاقتصاديين لتشجيع الاستثمار وتحقيق قفزات سريعة فى النمو وتوليد الوظائف. وقبل أيام طرح محمد جنيدى نقيب المستثمرين الصناعيين فكرة جديدة لإحداث قفزة واسعة فى الاستثمار، وتوفير فرص عمل هى الضرائب التناقصية. الفكرة جديدة، وصادمة، ومثيرة لبحار الجدل خاصة أن الطرح الذى كان متكررا فيما يخص الضرائب هو تطبيق الضرائب التصاعدي. كان بعض الاقتصاديين يرون ضرورة زيادة نسب الضريبة على الأرباح إلى 30% إذا ما تجاوزت الأرباح السنوية للمنشأة مليار جنيه. وكانوا يعتبرون ذلك أقرب للعدالة الاجتماعية التى تعطى الدولة حقا أكبر لدى الأثرياء والأعلى دخلا لصالح الفئات المحدودة. فى الطرح الجديد الذى يتبناه محمد جنيدى باسم نقابة المستثمرين الصناعيين فإن زيادة الربح لدى أى منشأة يجب أن تقابلها زيادة مكافأة، بما يشجع كافة المنشآت على عمل توسعات أكبر وزيادة أرباحها وما يستتبع ذلك من توليد فرص عمل جديدة. «توليد الوظائف هو أكبر أزمة فى الوقت الحالى، ولابد من التفكير بشكل جديد لحلها». هكذا يقول «جنيدى» وهو يشرح فكرة الضرائب التناقصية. ويؤكد أن أفضل ما يشجع المستثمرين على زيادة استثماراتهم هو تخيض الضرائب. ويقول إن عملية ربط الربح بنسبة الضريبة يدفع المنشآت الصناعية إلى العمل على تعظيم أرباحها عن طريق زيادة الإنتاج وهو ما يجبرها على تعيين عمال جدد والاستعانة بموظفين إضافيين. وفى رأيه فإن تحديد التخفيض بشرائح بحيث يدفع مثلا الذى يحقق أرباح أكثر من مائتى مليون جنيه أقل من سعر الضريبة بنسبة 2 % ثم يتوالى التخفيض فيدفع من تزيد أرباحه علي 300 مليون جنيه أقل بنسبة 4% وهكذا حتى يدفع من تزيد أرباحه علي مليار جنيه نسبة 5% ضريبة. ويضيف مؤكدا ضرورة النص على استثمار الأرباح المتحققة فى توسعات جديدة والالتزام بتوفير فرص عمل إضافية مع كل توسع للحصول على التخفيض المقترح. وفى تصوره أن ذلك سيحقق زيادة كبيرة فى أرباح الشركات ونموا مذهل فى الناتج الصناعى وزيادة كبيرة فى معدلات التشغيل والتصدير. كما سيساهم فى حل مشكلة اجتماعية خطيرة هى البطالة. «الوفد» طرحت المقترح على عدد من رجال الصناعة الذى أبدى كثير منهم تحفظا على مضمون الفكرة ومشكلة تطبيقها. يرى محمد البهى رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات أن طرح نقابة الصناعيين ضد ما يسمى بالعدالة الضريبية لأنه لا يمكن إعفاء من هم أكثر غنى تحت أى مسمى أو غاية. ويقول إننا لا نعيد اختراع العربة لأن هناك تجارب ونظما أثبتت نجاحها وقابليتها للتطبيق فى مختلف دول العالم. وفى تصوره فإنه كلما زادت الأرباح فإن الأعباء الجديدة تقل ومن هنا فإن الأوفق هو زيادة الضريبة إن لم يكن تثبيتها. ويؤكد «أن من يكسب كثيرا عليه أن يدفع كثيرا بدلا من تخفيض الضرائب عليه أو إعفائه». ويشير «البهى» غلى أن الضرائب ليست هى العامل الطارد للاستثمار فى مصر، خاصة أن سعرها مناسب تماما، لكن أبرز عوامل طرد الاستثمار هى البيروقراطية والفساد وطول التقاضى. ويرى المهندس حمدى عبدالعزيز رئيس غرفة الصناعات الهندسية أن ازدياد الربح ليس مقياسا أو مبررا لتخفيض ضريبة. ويشير إلى أنه ليس شرطا ايضا أن ارتفاع الربح يصاحبه زيادة فى فرص العمل المولدة خاصة فى القطاع التجارى . «إن أى مستورد حديد يمكنه تحقيق أرباح خيالية لو زادت كميات الحديد المستورد اعتمادا على أنه سيحصل على تخفيض ضريبى أو إعفاء لو زاد مبيعاته وحقق أرباحا أكبر من المعتادة» على حد قوله. ويتصور أن هناك وسائل وأدوات أخرى لجذب الاستثمارات أو تشجيع المستثمرين على التوسعات مثل اعفاء الاستثمارات الاضافية من الضرائب لمدة خمس سنوات بعيدا عن ربط الاعفاء بحجم الربح، خاصة أن هناك شركات مثل شركات الاتصالات يمكنها تحقيق أرباح ضخمة بسبب طبيعة عملها. ويصف الدكتور شريف الجبلى رئيس غرفة الصناعات الكيماوية الفكرة ب «الغريبة» لكنه يرى ضرورة دراستها وبحثها بشكل واضح والعمل على ربط أى ميزة ضريبية بعمليات تشغيل عمالة وإعادة استثمار للأرباح المحققة. كما يرى ضرورة أن تقتصر على الناشط الصناعى لأن إطلاقها بدون ضوابط قد يؤدى إلى استغلالها فى التهرب. أما المهندس صفوان ثابت عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات ورئيس جمعية 6 اكتوبر السابق فيقول إننا لا نخترع جديدا لتحقيق العدالة الضريبية. ففى تصوره «فهناك دول عديدة لديها تجارب متميزة فى الضرائب فى أوروبا وأمريكا اللاتينية يمكن النظر إليها والاستفادة مما حققته». ويضيف متسائلا: «علينا أن نعلم أين طبقت هذه الفكرة من قبل وأين نجحت بدلا من تجربة أمور غريبة فى منظومة الضرائب التى تحتاج إلى عناية واصلاح شامل». إنه يرى أنه يمكن تشجيع الاستثمار من خلال عدة طرق أخرى مثل منح المستثمرين أراضى مجانية فى بعض المناطق، وربط تشغيل العمالة بمميزات فى السداد، لكن مكافأة شركة اتصالات على أرباحها بتخفيض ضرائبها أو إعفائها غير مقبول . «مادامت هناك أرباح فإن الدولة شريكة فيها» على حد تأكيده. وفى تصور المهندس صفوان ثابت فإن أولي خطوات تحقيق العدالة الضريبية فى مصر هي تطبيق قانون القيمة المضافة الذى يجبر كافة الفئات على سداد حق الدولة ما دامت تقوم بالشراء . ويشير إلى أن 36 % من المجتمع الضريبى لا يدفعون ضرائب، فمعظم التجار لا يسددون ضرائب بسبب عشوائية التجارة، وفى قطاع السياحة يتم إعفاء المستثمرين من الضرائب فى أوقات الكساد، أما المستثمرون الزراعيون فلديهم إعفاء وكذلك الحال فى كثير من الخدمات مثل الأطباء والمحامين وإخضاع كل هؤلاء للضريبة ضرورى ومطلوب خاصة وأن الحكومة القادمة عليها عبء كبير لزيادة موارد الدولة.