عقب ثورة 30 يونية، تدق طبول ثورة أخري، داخل الجهاز المركزي للمحاسبات، حيث تسيطر حالة من السخط والغضب علي العاملين بالجهاز نتيجة سوء الإدارة، كما انتشرت دعوات بالبدء في عصيان مدني وإغلاق جميع مكاتب الجهاز، لحين تغيير الإدارة الحالية، وذلك بعد أن تأكد موظفو المحاسبات، أن الجهاز يدار بنفس نهج المخلوع والمعزول، بمنطق إخفاء جميع الحقائق عن الرأي العام، ولذا هدد العاملين بالاعتصام أمام مقر الجهاز احتجاجاً علي سياسة «هشام جنينة» رئيس الجهاز في التعامل مع المعارضين لسياسته. مفاجأة مدوية فجرها محضر تم تحريره بقسم أول مدينة نصر يكشف انتماء رئيس المحاسبات لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك عندما عاقب العضو النقابي الذي جمع توقيعات لحملة «تمرد» ووثق توكيلات للفريق السيسي بوقفه عن العمل لمشاركته في القوي المعارضة للرئيس المعزول محمد مرسي. وهذه المهزلة حدثت داخل الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك في أول رد فعل بعد سقوط نظام جماعة الإخوان المسلمين وعزل الدكتور محمد مرسي من منصب رئيس الجمهورية، حيث قرر المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز إيقاف عضو نقابة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات الذي سخر نفسه لجمع استمارات حملة «تمرد» وساهم في جمع ما يزيد علي 3 آلاف استمارة، كما قام بعمل توكيل للفريق أول عبدالفتاح السياسي لتفويضه بإدارة شئون البلاد. وعاقب المستشار جنينة، نعمان زعيتر عضو نقابة العاملين بالجهاز بإيقافه شهراً عن العمل لمناصرته حملة «تمرد» وهذا ما جاء في البلاغ رقم 14222 بتاريخ 4 يوليو 2013 قسم أول مدينة نصر. وكشف المحضر أن هشام جنينة سخر الجهاز لخدمة الجماعة بعد قيامه بتقديم العديد من المستندات للرئيس المعزول لاستغلالها ضد معارضيه، مثل قيام هشام جنينة بحصر أسماء المستشارين المنتدبين من الجهات القضائية في القطاعات المختلفة بالدولة، وضرورة التركيز علي المرتبات والمكافآت التي يحصلون عليها دون وجه حق، علاوة علي المزايا التي استخدمها المستشارون لأقاربهم وحصر جميع المبالغ المالية التي تقاضاها المستشارون سنوياً، وكل ذلك ليس بهدف حماية المال العام ولكن لكسر شوكة القضاة، وفي الوقت نفسه إرضاء الإخوان المسلمين عقب اتهام الجماعة بأن القضاة معقل الفساد. والمدهش أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قد وافق هو نفسه علي تعيين مستشارين من خارج الجهاز، التي تعتبر الأولي من نوعها في تاريخ المحاسبات، تحت مسمي «مستشار جهاز» عن طريق بطاقة للوظائف الفنية والرقابية العليا، التي شملت أن يتمتع المستشار بالعديد من المزايا وأن يكون حلقة وصل بين تلك القطاعات أو الفروع والإدارات المركزية أو إدارات مراقبة الحسابات المختصة، وكان شرط الحصول علي هذه الصفة «مستشار جهاز» هو أن يكون حاملاً لمؤهل جامعي مناسب أو ما يعادله ومدة خبرة مناسبة يقرها مكتب الجهاز. جمع توقيعات «عزل جنينة» وفي تصعيد خطير قام به العاملون بالجهاز المركزي للمحاسبات، وقع ما يزيد علي 4300 من موظفي الجهاز علي استمارات «عزل» هشام جنينة من رئاسة المحاسبات، ويتم حالياً تجميع أكثر من 50٪ من عدد العاملين بالجهاز، والبالغ 12 ألف عضو وعامل تقريباً، وجار توقيع بقية العاملين بأفرع الجهاز بالمحافظات علي مستوي الجمهورية. ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات، أول جهة حكومية، تمردت علي حكم جماعة الإخوان المسلمين، حيث قام بعض العاملين بالجهاز بتوقيع توكيلات للفريق أول عبدالفتاح السيسي لتفويض القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد ولحين تشكيل حكومة إنقاذ وطني وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كما بدأ أعضاء المحاسبات والعاملون به بحملة منظمة ومستمرة، لنزع شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي، لإنقاذ الجهاز الرقابي من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين حيث قام ما يقرب من 3 آلاف من موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات بالتوقيع علي استمارة «تمرد» للإطاحة ب «مرسي» من السلطة. وفي المقابل قامت إدارة الجهاز المركزي للمحاسبات بخصم الحوافز الشهرية المستحقة، لعدد من أعضاء مجلس النقابة العامة للعاملين بالجهاز، علي الرغم من استيفائهم لجميع شروط الحصول علي الحوافز من حيث أداء العمل والانتظام. وعلمت «الوفد» أن رئيس الجهاز عندما اجتمع مع رؤساء الشعب الذين تم ترقيتهم إلي فئة مدير عام، توعد بمعاقبة معارضي الدكتور محمد مرسي، وأنه أصدر تعليماته للشئون القانونية بمجازاة جميع النقابيين والعاملين بالجهاز، الذين قاموا بتحرير توكيلات للجيش لإدارة شئون البلاد. كما يترصد أعضاء المكتب الفني لرئيس الجهاز النشطاء داخل الجهاز المركزي للمحاسبات، بل وتعاقب كل من يقوم بفتح وكشف ملفات الفساد ضد قيادات سابقة وحالية داخل الجهاز، خاصة أن الإدارة تقوم بحماية المشكو في حقهم، ولم تحرك ساكناً لتحديد المسئولية عن جميع البلاغات رغم أن مهمة الجهاز «حماية المال العام». لا يخفي علي أحد أن اجتياز اللجنة الطبية، شرط جوهري وأساسي للتعيين في أية جهة حكومية أو قطاع خاص، ولا يجوز بدونه، ولكن داخل الجهاز المركزي للمحاسبات، الكل يسير بمنطق: «احترس.. الضمير يرجع للخلف». وتعود تلك الحدوتة الغريبة، عندما أعلن الجهاز عن شغل وظائف رقابية، من خلال الإعلان الذي يحمل رقم «1» لسنة 2010، وبالفعل تقدم أوائل خريجي الكليات من جميع التخصصات إلي الاختبار، وتم إعلان النتيجة علي موقع الجهاز، وصباح هذا الإعلان، تم وضع كشوف تضمنت أسماء الناجحين، وفي واقعة فساد خطيرة، تم تزوير تقارير اللياقة الطبية، وتمت إضافة أسماء علي حساب آخرين، وفجأة - وبقدرة قادر - في تمام الساعة 11 صباحاً، تم سحب هذه الكشوف، واستبدالها، وقد خلت الكشوف الجديدة من أوائل الكليات الذي نجحوا في تلك المسابقة، وقد استند هذا الاستبعاد إلي عدم لياقتهم الطبية، علي الرغم من تخطي المتقدمين للكشف الطبي بنجاح، الأمر الذي جعل هؤلاء المستبعدين يلجأون إلي القيام برفع قضايا أمام المحاكم، وقدموا فيها تقارير تشير إلي نجاحهم في الكشف الطبي، ونظراً لتأكد القائمين علي إدارة الجهاز السابقة من كشف لعبتهم، وضعف موقفهم القانوني، خاصة أن بعضهم مازال موجوداً في مناصبه داخل الجهاز، كانت هناك حيلة ساذجة، في محاولة لإخفاء تلك الواقعة الخطيرة وحماية من قاموا بالتزوير من التابعين لإدارة الجهاز، حيث ابتكر الأمين العام ورئيس الشئون القانونية هذه الحيلة، في تعيين المستبعدين وهي «غض البصر» عن توافر شرط اللياقة الطبية، وهو ما يخالف قوانين الدولة المصرية، لأن جميع العاملين في الدولة سواء حكومة أو قطاع خاص، لابد أن يجتازوا اللياقة الطبية، وبالتالي فإن هذا يعد تستراً علي «فضيحة» التزوير التي ارتكبت بين جنبات الأمانة العامة.