وكان وصول الرئيس الإخوانى لسدة الحكم وما أبداه من تصلب فى الشرايين وإخفاق فى القيادة ولم شمل المصريين وانحيازه غير المقبول وغيرالمعقول لجماعته.. كان له أكبر الأثر فى المزيد من الاحتقان.. كافة المواقع المفصلية فى الدولة.. فى المحليات.. فى الوزارات.. فى الهيئات وحتى السلك الدبلوماسى تم إحلالها لحساب أفراد كل كفاءتهم أنهم ينتمون للإخوان.. أساتذة الجامعة المنتمون للإخوان تم تعيينهم مستشارين للوزراء..كل هذا شعر به المواطن من أسوان للإسكندرية.. وأصبح الجميع ينظر بأسى لدولة التوريث التى انتقلت من عائلة محدودة الى جماعة كاملة بأفرادها مما أحدث شعوراً عميقاً بالغضب وأن الثورة لم تقم لحساب تلك الجماعة...!! الرغبة العارمة فى تسييد أفكار الإخوان العقيمة والمتصلبة من منظور قيمى ينظر باستعلاء للمصريين على اعتبارهم الأدنى دينياً وقيمياً فجر إحساساً مريراً بالقهر والقمع والتدخل القسرى فى صناعة شكل الحياة بل وصل الأمر إلى شعور حاد بالاغتراب فى الوطن وهو شعور لم يداهم المصريين قط فى مواجهة كل الغزاه الذين مروا عليه. وكانت كارثة الإعلان الدستورى غير الدستورى وما فجرته من غضب تجاه فكرة صناعة الحاكم الإله الذى يحصن قراراته ويحصن جماعته ويستصدر دستوراً انقسامياً بفجور غير مسبوق فكانت تظاهرات الشعب التى لاتخطئها العين مؤشراًعلى الموجة الثورية القادمة... فقد خرجت الملايين تحتج على هذا الإعلان وسالت الدماء على قصر الرئاسة وتم التعامل مع المحتجين بقسوة بالغة واستخدم النائب العام الملاكى لمحاصرة ومطاردة المعارضين...ورد الإخوان على تلك التظاهرات بتظاهرة أمام تمثال النهضةوحديقة الحيوان أخذوا يصفونها بالملايين فى استخفاف بعقول الناس ولعل تظاهرات نوفمبر ديسمبر 2012 كانت المسمار الأول فى نعش النظام الإخوانى لم ينتهبوا لها وبدأت معها مرحلة الفصام والإنكار والابتعاد عن الإحساس بالأزمة وحجم الكارثة... لم يقف الأمر عند هذا بل كان سوء الإدارة والجهل والفشل سبيلاً لانفجار أزمات المحروقات والكهرباء وفشل مباحثات صندوق النقد والتخبط فى معالجة أزمات الانفجار الشعبى فى بورسعيد ومدن القنال والاعتداءواختطاف المعارضين فى معسكرات الأمن المركزى بالجبل الأحمر والهجمة الشرسة على القضاء وهكذا أصبح الطريق معبداً لانفجار الموجة الثالثة لثورة يناير فى 30 6 فجاءت كحدث غير مسبوق فى التاريخ العالمى.. فكان الخروج الكبير للشعب المصرى محتجاً ومطالباً بالرحيل للرئيس الإخوانى فى كافة محافظات الوطن وخرجت الجماهير والحشود فى مشهد غير مسبوق تعلن إسقاط هذا النظام وأن مصروشعبها بحاجة لما هوأفضل وأكثر إنسانية وتعبيراً عن حلم الثورة التى قامت ولم تزل مستمرة. فى تعقيبه على تاريخ مصر يقول جال بيرى «بلد يناضل لإعادة صنع نفسه بعد ماض من الجهود المحبطة» فالشعوب لا تثور إلا لإعادة صنع واقعها على ما هو أفضل والثورة لا تتكرر إلا لأن الثورات من قبلها لم تحقق أهدافها.. والنظام الإخوانى لم يقدم إلا شكلاً استحواذياً على السلطة ونموذجاً تابعاً بامتياز لمطالبات القوى الكبرى العالمية وانصياعاً لأهداف التنظيم الدولى بعيداً عن روح الثورة ومطالبها التى خفقت فى يناير 2011.. سارع الإخوان ومن لف لفهم لإطلاق كلمة انقلاب علىأحداث موجة «30 يونية» وفى هذا فإن علينا العودة الى تاريخنا الحديث وما مر به من ثورات وانتفاضات لنضع الحادثة موضعها الصحيح. 1 هبت ثورة القاهرة الأولى فى مواجهة الحملة الفرنسية ونابليون الذى أمر بنصب المدافع على المقطم والقلعة وكافة الشوارع الهامة.. من ظهر يوم 29/10/1789 وحتى المساء استمر ضرب الأزهر والأحياء المجاورة له حتى أوشكوا على هدم الأزهر وانهالت القنابل على الغورية والنحاسين وألقت الرعب فى قلوب الناس.. وقدمت مصر قرابة أربعة آلاف شهيد.... ولم يكن للثورة ظهير سوى جماهيرها... 2 ثورة القاهرة الثانية فى مارس 1800 كانت أعنف وأخدكليبر يفاوض زعماء المماليك الذين شاركوا فى الثورة، والتفتت الجماهير لتلك الخدعة التى تأكدت بتوقيع مراد بك الصلح مع كليبر عندما كانت المدفعية تدك أحياء المدينة وأحدثت تخريباً هائلاً ودفنت عائلات بأكملها تحت الانقاض فى كافة الأحياء... 3 تعاقب على حكم مصر الولاة خسرو وطاهر باشا وأحمد باشا والبرديسى ثم خورشيد باشا وقد واجهوا ثورات شعبية وثورات الجند الانكشارية وفى مواجهة خورشيد باشا كانت الحامية الألبانية بقيادة محمد على ظهيراً للجماهير الثائرة فكان اتفاق العلماء وقادة الثورة على اختيار محمد على والياً وفرض على السلطان العثمانى الذى لم يرسل موافقة إلا بعد بضعة أشهر فكانت نجاحاً لثورة شعب وجد ظهيراً خلفه... 4 قامت ثورة 19 من أجل الاستقلال فى مواجهة الانجليز والسراى وكان الجيش المصرى تحت أمره الإنجليز وظلت «19» جادرة حتى 1936 حين وقعت الاتفاقية المعبرة من موازين القوى فى حينه ونجحت 19 فى انتزاع دستور 23 وحياة نيابية عرقلها فؤاد وفاروق من بعده، بمعاونة الإنجليز وأحزاب الأقلية والفاشية بالانقلابات الدستورية فى 28، 30، 38. 5 فى أعقاب الحرب العالمية الثانية دخلت مصر فى موجة من الإرهاب برعاية الإخوان فكان اغتيال ماهر والخازندار والنقراشى حتى جاءت حكومة الوفد التى أطاح بها الملك والإنجليز بحريق القاهرة ومرت مصر بفترة اضطراب واضح تحرك فيها الجيش فى «52» وسميت الحركة المباركة ووصفها الوفد بالانقلاب لانقلابها على الحياة النيابية لمفاهيم الانقلابات السابقة بالإضافة الى القمع والتسلط الذى تم ممارسته تجاه القوى السياسية من حادثة كفر الدوار ووصولاً لأزمة مارس «54» التى تحالف فيها الإخوان مع العسكر. ولا شك أن حركة «52» وقد أحدثت انقلاباً فى نمط الإنتاج وعلاقات الملكية مما يعنى ثورة اجتماعية وكما ظلت وصمة الانقلاب تطاردها سياسياً على اعتبار انها أنهت صيرورة حياة نيابية انتزعتها مصر فى أعقاب ثورة 19. 6 هبت ثورة يناير 2011 واستمرت هادرة في الشوارع تخللها ما تخللها من مفاوضات سرية وعلنية وانتهت بانحياز الجيش الى مطالب الجماهير وأرغم مبارك على التخلى عن الرئاسة.. فهل كانت تلك اللحظة فى حينها انقلاباً وليست ثورة..!! 7 خرجت جماهير 30/6 لتواصل مسيرة ثورة يناير التى تم اغتصابها لحساب الإخوان وكانت وقفة الجيش انتصاراً للمطالب الشعبية تكراراً جديداً لأحداث يناير 2011 وأحداث 1805، و1881.. فهل من جديد فى هذا على تاريخ البلاد.. 8 استعار الإخوان وصف الانقلاب الذى وصمت به حركة «52» لأغراضهم السياسية فى تجاهل مقصود لطبيعة التاريخ المصرى حين كانت الهبات الجماهيرية فى حاجة دائمة لظهير من القوة المسلحة الوطنية لاستكمال مسيرتها... وكذا يصرون على استعمال انقلاب لإخفاء حقيقية الثورة الجماهيرية التى أزاحت عن كاهل الوطن نظاماً فاشياً تابعاً كاد أن يشطر الوطن ويغرقه فى ظلام مملوكى عثمانى. ما حدث فى 30 يونية هو موجة ثورية جديدة من موجات يناير 2011 وقف فى ظهيرها الجيش كما فعل فى مرات سابقة من تاريخ بلادنا.. ذلك هو حال الجيش المصرى الوطنى فى الانتصار لإرادة شعبه الذى هو المكون للجيش.. فالجيش منه وله وليس تركيبة عنصره مستوردة من الخارج أو مغيره عليه..