أكثر ما يؤلم في ثورات الربيع العربي التي أبهرت العالم قبل عامين هو أن يتم اختزال هذه الثورات الشعبية في دعوات «جهاد النكاح» التي انطلقت في تونس وسوريا واستقرت أخيرا في ميدان رابعة العدوية. ولأن مصر أم الدنيا فقد تجاوزت دعوات جهاد النكاح المتداولة في دول الجوار الثائرة وزادت عليها بالخلوة الشرعية للمتظاهرين، حيث نشرت صفحة تابعة لجماعات السلفيين إعلانا على موقع «الفيس بوك» عن تأجير أماكن لقضاء الخلوة الشرعية لمعتصمى رابعة مقابل 20 جنيها فى النصف ساعة! في نفس الوقت علقت إدارة صفحة «أخوات منقبات ضد التبرج والعلمانيات» في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي على ردود الفعل الغاضبة على ما نشرته الصفحة عن جهاد النكاح في ميادين مصر، مؤكدة أن المرأة لا تستطيع ان تقاتل كالرجل وانما كل ما تستطيع فعله هو جهاد النكاح ، لذلك يجب على النساء المساعدة والجهاد فلا يشترط أن يكون قتالا في جهاد المرأة ولكن توفير احتياجات المسلمين وإعانتهم». لم تهدأ هذه الدعوات حتى كشف مصدر أمنى أن فتاتين من معتصمى رابعة العدوية ذهبتا لقسم أول مدينة نصر لإنقاذهما من بعض المعتصمين بالميدان الذين حاولوا الاعتداء عليهما جنسيا بحجة «جهاد النكاح»، وقال المصدر إنه تحرر محضران برقم 1735 و1736 لسنة 2013 جنح قسم أول مدينة نصر للفتاتين اللتين تبلغ إحداهما من العمر 26 سنة «لم يسبق لها الزواج»، والأخرى 29 سنة «مطلقة»، وتنتميان للتيار الإسلامي. يأتي هذا في الوقت الذي روت فيه فتاة تونسية تجربتها الكاملة حول جهاد النكاح، حيث قالت إنها تواصلت مع إحدى النساء التي تحدثت معها عن الدين والنقاب والسفر إلى سوريا من أجل مساعدة المسلحين عن طريق جهاد النكاح وبالفعل سافرت معها. وأضافت الفتاة أنّ السيدة نجحت في جمع 13 فتاة منقبة من ضمنهن فتاة لا تتجاوز 10 سنوات من العمر. وكانت تونس قد شهدت جدلاً في مارس الماضي بعد تداول فتوى مثيرة للجدل تبيح «جهاد النكاح» في سوريا، ليس هذا فحسب، بل تناقلت صحف تونسية قبل أيام خبراً مفاده أن شاباً تونسياً أقدم على تطليق زوجته بعدما تحوّلا إلى سوريا منذ ما يقارب الشهر ل«يسمح لها بالانخراط في جهاد المناكحة مع المجاهدين» هناك. ونشرت عدة مواقع عربية فيديو مصورا يظهر فيه الشيخ العريفي وهو ينفي إصداره هذه الفتوى عن «جهاد النكاح» في سوريا مشيرا إلى أنه كلام لا يصدر عن عاقل. وبينما أبلغت عائلات تونسية عن اختفاء بناتها المراهقات وسط ترجيحات بسفرهن إلى سوريا من أجل «جهاد النكاح»، وصفت قيادية في حزب «حركة نداء تونس» المُعارض، حينها الظاهرة بأنها «عار على تونس»، ودعت إلى ضرورة معالجة ما وصفته بتدفق «الجهاديين التونسيين» للقتال في سوريا. وجهاد المناكحة ينص على إجازة أن يقوم المقاتلون ضد النظام من غير المتزوجين أو المتزوجين الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم ، بإبرام عقود نكاح شرعية مع بنات بكر أو مطلقات لمدد قصيرة قد لا تتجاوز الساعة الواحدة في بعض الأحيان، بعدها يتم الطلاق لإعطاء الفرصة لمقاتلين آخرين بالمناكحة. وأن الهدف منها - حسب الفتوى - هو «تمكين المقاتلين من حقهم الشرعي بالمعاشرة مما يزيد من عزائمهم ويرفع معنوياتهم القتالية». ويبقى السؤال الذي يتردد على ألسنة شباب الثورة في بلدان الربيع العربي : هل جهاد النكاح يعد شكلا جديدا يمكن إدراجه ضمن ما يعرف بالمجهود الحربي؟ أم أننا بتنا في زمن ثورات النكاح وليس ثورات الكفاح من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية لشعوب المنطقة؟!