رئيس جامعة سوهاج والمتحدث العسكري يشاركان الطلاب ذوي الهمم ماراثون بداية الرياضي    أخبار التوك شو|الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن الطقس.. بشرى سارة عن المدارس اليابانية.. وآخر تطورات الساحة الإقليمية    رئيس جامعة الأزهر ونائبه يتابعان حالة الطالبات بالمدينة الجامعية بطيبة الأقصر    محافظ أسوان يعتمد نتيجة مسابقة الوظائف الإشرافية ل 575 معلمًا    سفير إيطاليا يشارك في افتتاح "سوق اليوم الواحد" بالأسكندرية    رانيا المشاط:الدول النامية تحتاج بشدة لنموذج للنمو الاقتصادي ولتحقيق التنمية    تعرف على أهداف قانون إنهاء المنازعات الضريبية قبل مناقشته بمجلس الشيوخ    «رجال الأعمال المصريين» توقع اتفاقية تعاون مع لجنة مدينة لينيي الصينية لتعزيز التجارة الدولية    وزير الخارجية يبحث فتح مزيد من الأسواق الأوكرانية أمام المنتجات المصرية    قادة الغرب يحثون إيران : لا تردوا على إسرائيل | تفاصيل    «اليماحي» يتعهد بوضع استراتيجية جديدة للبرلمان العربي    فرمان مفاجئ للخطيب في الأهلي بعد الفوز على الزمالك    رسالة من لاعب بالزمالك: ليس لدي مشكلة في فسخ تعاقدي وأنتم غيرمسؤولين    كامل أبو علي يُدلي بصوته على الميزانية في اجتماع الجمعية العمومية للنادي المصري    رسميا.. «كاف» يعتبر منتخب ليبيا خاسرا أمام نيجيريا في تصفيات الأمم الأفريقية    تشكيل الهلال المتوقع ضد التعاون في الدوري السعودي    زامل رونالدو سابقًا.. النصر السعودي يخطط لضم "مشاغب فرنسا"    «محتاجين ولاد النادي».. ميدو يوجه رسالة خاصة بشأن الزمالك بعد خسارة السوبر    أسيوط .. السجن المؤبد ل 4 أشخاص لحيازتهم أسلحة نارية ومواد مخدرة    حالة الطقس اليوم السبت 26-10-2024 في محافظة البحيرة    عاجل.. تأجيل إعادة محاكمة عنصر ب "لجان العمليات النوعية" ل 27 يناير    تامر عاشور يتألق في أضخم حفل غنائي بالقاهرة الجديدة.. صور    كواليس بكيزة وزغلول والأفوكاتو .. 20 صورة من ندوة إسعاد يونس بمهرجان الجونة    ما هي الأبراج التي تنشط ليلًا ولا تستطيع العمل بالنهار؟    هانى شنودة يفاجئ هشام خرما بعزف مقطوعة "شمس الزناتى"    عايدة رياض: «اتجوزت عرفي 10 سنين وكنت زوجة تانية» (فيديو)    سبب غياب ياسمين صبري عن مهرجان الجونة.. ما علاقة ساركوزي؟    برلماني: توجيهات السيسي بتعميم منظومة التأمين الصحي الشامل ثورة في قطاع الصحة    «100 يوم صحة» تقدم 135.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 86 يوما    وزير التعليم العالي يفتتح عددًا من المشروعات التعليمية والصحية بجامعة الإسكندرية    بلينكن يدعو لتسوية دبلوماسية في لبنان    رئيس مجلس النواب يهنئ محمد اليماحي بمناسبة فوزه برئاسة البرلمان العربي    فيديو.. رئيس الأركان يتفقد إجراءات التأمين على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي    اعتماد ترقية 6379 عضواً بهيئة التعليم إلى الوظيفة الأعلى في أسوان    خبير بالشأن الإيراني: الضربة الإسرائيلية على إيران كانت محدودة واستهدفت أهدافًا عسكرية فقط    شهيد فلسطينى برصاص إسرائيلى فى مدينة طولكرم شمال غرب الضفة الغربية    شهيد و3 مصابين جراء قصف الاحتلال منطقة قيزان أبو رشوان فى خان يونس    أستاذ بالأزهر: الزوج لازم يقول كلام طيب لزوجته لهذه الأسباب    مدبولي: نحرص على دفع العمل في القطاعات المُنتجة لخفض فاتورة الاستيراد    76.05 دولار لبرنت.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية    جهاز دمياط الجديدة ينفذ 11 قرار غلق وتشميع وإزالة مبانٍ مخالفة    صحة الدقهلية: تحصين 7500 سجين من النزلاء الجدد باللقاح الكبدي الفيروسي B    جامعة القاهرة: 1627 مواطنًا استفادوا من خدمات قافلة كفر طهرمس    هل صلاة قيام الليل يمكن أن تعوض الصلوات الفائتة؟.. الإفتاء توضح    ألبا وميسي يقودان إنتر ميامي للفوز على أتلانتا يونايتد    خلال 24 ساعة.. تحرير 509 مخالفات لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    وزير الأوقاف: القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي أيد الله عز وجل بها نبيه    إصابة ربة منزل سقطت من الطابق الثاني بالجيزة    فيديو.. خبير سياسات دولية: إسرائيل تهول من نجاح الهجوم على إيران    إعلام لبناني: طيران الاحتلال الإسرائيلي يشن غارة على بلدة طيردبا    بعد غياب 35 عاما.. بطلة مسلسل هند والدكتور نعمان تفكر في العودة للتمثيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 26-10-2024 في المنيا    التنمية المحلية: انطلاق الأسبوع ال 13 من الخطة التدريبية للمحليات بتنفيذ 5 دورات يستفيد منها 166 متدربًا    هل تجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية أم يجوز تركها؟    مصرع عامل بعد إصابته برش خرطوش بالبطن والصدر في سوهاج    موعد بدء التوقيت الشتوي 2024 في مصر: تفاصيل ومواعيد جديدة للقطارات    البيت الأبيض: علمنا بهجوم إسرائيل على إيران قبل ساعات من وقوعه    انتشال جثة شخص من مشروع ناصر بعد 24 ساعة بالبحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد خروب يكتب: المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
نشر في الوفد يوم 14 - 07 - 2013

قبل أقل من عام فقط كان ثمة شعاران يتناوبان ميدان التحرير الذي كانت تملأه القوى المدنية والليبرالية في مصر: «يسقط .. يسقط .. حكم العسكر» و»يسقط .. يسقط .. حكم المرشد». في تلك الأثناء.
قبل وبعيد انفضاض المجلس العسكري وعودة الجيش للثكنات، كانت هناك اتهامات علنية بوجود تحالف وصفقات بين «الاخوان» والجيش نظمت على نحو ما نوعاً من التقاسم الوظيفي في الحكم. الشعاران المدنيان حول إبعاد العسكر وإبعاد «المرشد» عن الحكم والسياسة مثلاً بوصلة دقيقة وجامعة لما كان من المُؤمل ان تتجه إليه الامور، وهو السير في السياسة بعيداً عن الجيش وبعيداً عن إقحام الدين فيها. تواصلت بعد ذلك المعارضة القوية لحكم «الاخوان» بعد فوز محمد مرسي في الرئاسة، ثم تسارع زخمها مع بروز حركة «تمرد» وصولاً إلى اسقاط الرئيس وعزله بعد التحالف مع الجيش نفسه.
«إقحام العسكر في السياسة» و»اقحام الدين في السياسة» آفات فتاكة من النوع الذي يقضي على أي مشروع للدمقرطة ويكلس السياسة ويغذيها بتنويعات فاشية. بيد انه ليس من اليسير تحرير السياسة والحكم من الإثنين في بلدان لا تزال تعيش حالة من السيولة والتفكك انتجتها عقود من الاستبداد والحكم الطائفي والفردي والقبلي، ولم تتأسس أية بنيات مواطنية ودستورية وطبقات وسطى تشتغل كروافع لأي مشروع دمقرطة. بلدان حقبة ما بعد الاستقلال العربية دخلت في حالة من التكلس والجمود السياسي والثقافي والديني الذي اشبه ما يكون ب «المستنقع»، وعندما دهمت بعضها موجات الربيع العربي كشفت عمق العفن المتراكم وهول الواقع الذي نحياه، وصعوبة السير الى المستقبل.
مع ذلك لاحت فرصة تاريخية للتخلص من الحالة المُستنقعية والدخول في سيرورة مدنية وتصارعية سلمية تنتقل بالمجتمعات والبلدان الى الامام، وعن طريق الدمقرطة وليس الدم والاقصاء. لكن القوى التي وجدت نفسها في قلب الصراع، سواء كانت اسلامية، ام ليبرالية، ام قومية، ومع اختلافها في كل شيء، كانت تلتقي كلها على ثقافة إقصائية تحتقر التعددية عملياً وموضوعياً، وتضيق ذرعاً بالتعايش مع الخصم السياسي، وفهمها للديموقراطية هش وبدائي إلى أبعد حد. لم تكن هذه مفاجأة كبيرة ذلك ان هذه القوى هي الاخرى من مخلفات ونواتج حالة الاستنقاع الطويل التي أورثت فكراً معوقاً وسياسة معوقة في الحكم والمعارضة على حد سواء. والفرصة التاريخية التي لاحت في تونس ومصر وليبيا واليمن، يتم هدرها الآن بشكل مريع وتتحالف القوى المتصارعة في الإجهاز عليها، تتحكم فيها جميعاً مراهقة سياسية وغرائزية بدائية اكثر من أي شيء آخر.
في مصر تم تفويت الفرصة التاريخية لجهة المضي بصبر وتحقيق انجاز تدريجي وتراكمي في مسار إبعاد الدين عن السياسة، وإبقاء الجيش بعيداً عنها ايضاً. فخلال عام واحد فقط خسر الاسلام السياسي في مصر وفي المنطقة، وعبر السياسة ومن خلال الفشل في الحكم، ما كان قد راكمه من رأسمال سياسي وشعبية انتخابية. كل الشعارات الاسلاموية وضعت على محك الاختبار والقدرة على التنفيذ امام الشعوب والناخبين الذين كانت تجذبهم الوعود الخلاصية في برامج الاسلاميين. لم يكن بإمكان أية قوة سياسية منافسة، او قوة امنية قامعة، او عسكرية مسيطرة، تحقيق الخسارات المتلاحقة والمدهشة التي تجمعت في رصيد الاسلاميين خلال سنة واحدة من وجودهم في الحكم. أهم ما كانت تنجلي عنه تلك السيرورة هو إنكشاف الشعاراتية الاسلاموية امام الناس والناخبين، والتحييد المتسارع لفكرة خلط الدين مع السياسة في وجدانهم، ودفعهم للحكم على أي حزب، بما فيها الاحزاب الاسلامية، من منطلق الاداء والكفاءة وليس من منطلق العاطفة الدينية. لم يكن بالإمكان الوصول إلى ملايين الناس واقناعهم بالفكر والتنظير بضرر استخدام الدين في السياسة، حيث يتشوه الدين وتتعوق السياسة. لكن وجود «الاخوان» في سدة الحكم، وتسيّس السلفيين، حققا من الإنجازات على مستوى كشف الدمار الذي يحمله خلط الدين بالسياسة ما لم تحققه مئات الكتب التي اصدرها كبار المنظرين والمفكرين في المنطقة منذ عبدالرحمن الكواكبي وحتى صادق جلال العظم. هذا الانجاز الديموقراطي الليبرالي الكبير الذي حققه وجود «الاخوان» في الحكم دمره الليبراليون أنفسهم!
صعود الإسلاميين الوئيد والطويل خلال ثمانية عقود ماضية تأسس على عدة اسباب موضوعية. من اهم تلك الاسباب البناء على فشل الافكار السياسية والايديولوجيات الاخرى التي وصلت الى الحكم، أي الوعد بأن ليس هناك من طريق أو حل إلا عبر تسلم الحركات الاسلامية الحكم، وهو ما كان يترجم شعاراتياً إلى «الاسلام هو الحل». ثم هناك زخم «المظلومية التاريخية» وهالة التضحية والبطولة التي تخرجت من رحمها اجيال عديدة من الاسلاميين الجاهزين للموت في اي مكان من اجل الفكرة التي «تحالفت ضدها كل قوى الكفر العالمي». زرعت البذور الاولى لتلك المظلومية في التجربة المريرة التي خاضها «الاخوان» ضد حكم عبد الناصر وما تعرضوا له من اضطهاد وتعذيب في سجونه. ثم تكررت صور من تلك المظلومية في اكثر من بلد عربي على وقع الاستبداد والقمع الذي كان يطاول الجميع. وكان هناك الشعار النضالي والجهادي المعادي لإسرائيل والغرب والذي يطرح نفسه عنواناً للممانعة والوقوف في وجه تعديات الغرب وعنجهيته إزاء المنطقة.
في سنة اولى حكم، سواء في مصر او تونس او ليبيا، توافرت الفرصة الذهبية لشعوب هذه البلدان لإنهاء مفاعيل العناصر والاسباب الكبرى التي عززت قوة وشعبية الاسلاميين في المنطقة. صار بالإمكان اختبار الشعار الفعال والذي يستثمر مشاعر الناس وعواطفهم الدينية «الاسلام هو الحل». وصار بالإمكان تحييد مسألة «المظلومية التاريخية» لأن الاسلاميين اصبحوا في قلب إدارة الحكم ولم يعد يُلحق بهم أي ظلم، بل على العكس صاروا في مكان «الظلمة» في اكثر من حادثة وسياسة. وصار بالإمكان تحييد مسألة استثمار الشعارات المعادية لإسرائيل وللغرب والتلاعب بعواطف الناس ايضا في هذا الموضوع، لأن إسلاميي الحكم في مصر وتونس وليبيا معاً ادركوا تعقيدات المعادلات الاقليمية والدولية وتواضعت همتهم «النضالية» ضد الغرب بخاصة مع حاجتهم إليه هنا وهناك، وبالتالي أُبطل المفعول التعبوي للخطاب النضالوي ضد الغرب.
ما كانت تحتاجه مصر والعالم العربي هو ان يستمر الإنكشاف الاسلاموي على مرأى الناس والناخبين الذين يقررون هم، لا الجيش، ان حكم «الاخوان» يجب ان يُستبدل، وان يتم ذلك ديموقراطياً وانتخابياً. تلك هي السيرورة، التي بطؤها قد يستفز الاعصاب، ومخاطرها لا يُستهان بها، لكنها الوحيدة التي كانت تؤسس لمستقبل ديموقراطي حقيقي لمصر. بيد ان استعجال القوى المدنية والديموقراطية واستنجادها بالجيش أجهض تلك السيرورة، وأعاد بضربة واحدة فقط إلى قلب السياسة ألد اعدائها: الجيش والتوظيف الديني لها.
فالجيش المصري، مثل أي جيش آخر، لا يقوم على بنية ديموقراطية، بل على تراتبية صارمة تقوم على قاعدة «نفذ ثم ناقش». وليس من المُستبعد ان ينفد قريباً صبر الجيش على فوضى الشارع وصبيانية ومراهقة السياسيين، بعد انفلات الميادين في مصر، ويعلن آجلا ام عاجلا حالة الطوارىء ويحكم مباشرة مُقاداً بمنطق تحقيق الامن والاستقرار. أما «الاخوان المسلمون»، ومعهم الاحزاب السلفية، والذين كانت سياستهم وشعبيتهم في إنحدار متواصل، فقد جاءت الرياح في صالحهم على المدى الطويل، وإن كانت خسارتهم كبيرة على المدى القصير. لقد خدمتهم نزعة الانتقام والغرائزية وقصر النظر الذي استبد بالقوى الليبرالية والديموقراطية واستعجالها انهاء حكم «الاخوان»، حيث اعادت خطوة اسقاطهم عبر الاستعانة بالجيش الحياة لعناصر الشعبية والقوة التي اعتاش عليها «الاخوان» عقوداً من الزمن. سيقول الاسلاميون بأنهم لم يُمنحوا الفرصة الكاملة كي يطبقوا شعارهم «الاسلام هو الحل»، مبقين على مفعوله في اوساط الناخبين. وسيعيدون تشغيل آلية «المظلومية التاريخية» على اساس جديد هذه المرة وهو ان كل القوى الاخرى تحالفت مع الجيش لإزاحتهم وسرقة حكمهم الشرعي والمنتخب. وسيعيدون بث الحياة في خطاب عداء الغرب لهم بدليل مساندته للجيش والتغير في مصر، وبذلك نعود الى ما قبل المربع الاول. هذا كله من دون ان نتحدث عن سيناريو تسعير الجنون الاسلاموي القاعدي الذي يفرك يديه فرحاً الآن بإنفتاح «جبهة الجهاد في مصر». والفضل الكبير في كل هذا، أي في إعادة شحن طاقة التيار الاسلامي، إخوانياً ام قاعدياً في المنطقة، وفي تحقيق هذه العودة الارتدادية، يعود إلى قصر نظر القوى الليبرالية واستعجالها غير المبرر وانقياد قياداتها للشارع، بدل ان تقوده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.