«إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر». فها هى الإرادة القوية لشعب مصر العظيم، تسوق المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية لثنائية الرئاسة والدستورية فى مهمتين من أصعب المهام، لكنهم يعتبران بمثابة رد اعتبار وتقدير لدور المحكمة الدستورية الهام ومكانتها فى مصر، فقد عانى القضاة وعلى وجه الخصوص قضاة المحكمة الدستورية أشد المعاناة من تعنت الرئيس المعزول محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين، وكلنا نتذكر حصار المحكمة الدستورية العليا الذي دام 18 يوما لمنع القضاة من نظر الطعن المقدم من مواطنين ضد تشكيل الجمعية التأسيسية، وكذلك الطعن المقدم لذات المحكمة ضد إصدار المحكمة حكما يقضي بحل مجلس الشورى، أسوة بحكم حل مجلس الشعب، إلا أن إرادة الله أبت استمرار الظلم وجاءت برئيس المحكمة الدستورية رئيسا للبلاد. «الشعب يريد إسقاط المحكمة الدستورية».. «ادينا الإشارة يا دكتور مرسى.. وإحنا نجبهملك فى شيكارة» فى إشارة لأعضاء المحكمة.. تلك الهتافات وغيرها من السباب والشتائم، حاصر بها أنصار الدكتور محمد مرسى مبنى المحكمة الدستورية بالمعادى، فى مشهد متكرر إبان نظر أى قضية، لتتحول ساحة المحكمة العليا فى مصر بين الحين والآخر إلى ساحة حرب واقتتال بين مؤيدى الرئيس وأعضاء المحكمة الدستورية لإرهابهم وإثنائهم عن الحكم بحيادية لا تتفق مع أهوائهم، مما كان يضطر أعضاء المحكمة إلى تأجيل نظر العديد من القضايا من أبرزها قضية حل مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية للدستور. المحكمة الدستورية كانت الخصم الأول لمؤيدى الرئيس مرسى إبان حكمه اعتقادا منهم أنها تتخذ موقفا سياسيا من الرئيس، وتحاربه فى كل القرارات والقوانين التى يتخذها، وهو ما حدا بالأنصار بعمل عشرات الوقفات الاحتجاجية والصفحات الإلكترونية للمطالبة بحل المحكمة الدستورية وإلغائها، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأعدوا ما أسموه بالتاريخ الأسود للمحكمة الدستورية، وادعوا أنها المحكمة الوحيدة على مستوى الجمهورية التى شكلها رئيس الحزب الوطنى المنحل حسنى مبارك، بينما كل المحاكم المصرية مشكلة من السلطة القضائية، وتمادوا فى ادعاءاتهم مؤكدين أن من أنشأها هو الرئيس جمال عبدالناصر ضمن إجراءات مذبحة القضاء عام 1969، وأنه ابتدع أسلوبا جديدا مخالفا للقواعد القضائية، حيث أعطى لنفسه سلطة تعيين قضاتها من أى جهة، بالمخالفة لقانون السلطة القضائية التى لا يسمح للسلطة التنفيذية سواء رئيس الجمهورية أو غيره بتشكيل أى محكمة، وجعلها تعلو محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا اللتين فصل عبدالناصر العديد من قضاتهما. ومن المعارك التى نالت من هيبة الدستورية الاتهامات بالتزوير الذى وجهها عضو مجلس نقابة المحامين ناصر الحافى، لقضاة المحكمة الدستورية العليا حيث اتهم الدستورية بإرسال حكم حل مجلس الشعب إلى المطابع الأميرية لإصداره بالجريدة الرسمية قبل سماع المرافعة والنطق بالحكم والمداولة، وهو الأمر الذى تسبب فى استياء كافة القضاة. المستشارة تهانى الجبالى عضو الدستورية كانت لها النصيب الأكبر من التهديدات بالقتل، والتعرض لسيل الاتهامات بالخيانة، وتم منعها من الدخول للدستورية عشرات المرات إلا أنه تمت الاطاحة بها بعد وضع قيود وقوانين مفصلة لطردها لإقصائها من الدستورية. الحرب على الدستورية امتدت لآخر يوم فى حكم الرئيس مرسى، فطالب المفكر الإسلامى محمد عباس فى رسالة أخيرة له تحت عنوان نداء أخير للرئيس محمد مرسي بدعوة الشعب للاستفتاء العام على إلغاء المحكمة الدستورية وإبطال أحكامها منذ 25 يناير 2011 والتحقيق فيما نسب لبعض أعضائها السابقين والحاليين، متعللا بما يحيط البلاد من مؤامرات خطيرة تضافرت فيها خيانات الداخل بإجرام الخارج واجتمعا على العداء للإسلام وللأمة وللدولة على حد وصفه وحث عباس فى رسالته الأخيرة مرسى على الإسراع فى إلغاء أحكام المحكمة خاصة بالنسبة لتصويت الجيش والشرطة.. ومنع القيادات العسكرية من الترشح لرئاسة الجمهورية أو الوزراء قبل مرور أربعة أعوام على تقاعدهم، مشددا على ضرورة إحالة 86 قاضيا للصلاحية على الفور وفي المقدمة رأسا المؤامرة أعضاء المحكمة الدستوررية. كما شن القيادى الإخوانى ممدوح إسماعيل هجوما على الدستورية عقب تنصيب المستشار عدلى منصور رئيسا للجمهورية، وقال إسماعيل، في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك: إن الشعب مصدر السلطات، وهو من قام بالثورة، ولابد أن يقول كلمته، متهمًا المحكمة الدستورية ب«توجيه أحكامها ضد الثورة والوطن والشعب». ودعا إسماعيل، إلى أن يشمل الاستفتاء طلب تقييد سن المعاش للقضاة عند سن الستين؛ نظرًا لتعقد الموقف السياسي والقانوني والتشريعي فيما يتعلق بالقضاء وسن المعاش. الآن وبعد أن أصبح رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية للبلاد هو رئيس الجمهورية، فهل هذا إيذان بعودة هيبة واستقلالية تلك المحكمة العريقة، التى تأخذ على عاتقها الرقابة على كافة القوانين بما فيه صالح البلاد. أكد بهجت الحسامى، وزير العدل فى حكومة الوفد الموازية، أن اختيار المستشار عدلى منصور، رئيسا للبلاد هو اعتراف بمكانة تلك المحكمة العريقة وتقدير لقضاتها، مشيرا إلى أن القضاء بصفه عامة تعرض لاعتداء سافر عليه من قبل الرئيس مرسى وجماعته، والمحكمة الدستورية على وجه الخصوص تعرضت لحملة شرسة وحرب من الرئاسة، عقابا لها، على رفضها تمرير قوانين، من شأنها المساس بحقوق المواطنين، موضحا أن الدستورية هيئة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في مصر، ومنوط بها إلغاء القوانين التي تخالف نصوص ومواد الدستور المصرى، ولفت إلى المعركة التى خاضتها الدستورية من أجل حل الجمعية التأسيسية ومجلس النواب، وهو ما اعتبرته الإخوان موقفا سياسيا منها،وبنت عليها معركتها الوهمية، مضيفًا: أن القضاء على مر الزمان كان مستقلا، ولكن فى أقل من عام تم اختراقه، وتغلغل الإسلاميون، فى كل هيئاته، لنفاجأ بإطلاق المستشار حسام الغريانى الذى نصب رئيسا للجمعية التأسيسية للدستور للحيته، واعترافه بهويته الإخوانية، وكذلك المستشار محمود مكى، رغم أنهما كان من تيار الاستقلال فى عهد النظام السابق وتصديا لتزوير الانتخابات وقتها، محذرا من هذا التغلغل الإسلامى فى العمل القضائى، بما يشكك فى أحكام القضاء، ويجعل أى أحكام صادرة عن قاض إسلامى محل شك. وأضاف عضو الهيئة العليا فى حزب الوفد «نحن على يقين أن القضاء ستعود هيبته إليه، وسيرجع قضاءً حياديًا منزهًا عن أى أهواء أو خصوم ولا يدخل فى أى معارك سياسية، ليخدم رئيسًا أو فصيلاً بعينه». إلى ذلك قال الدكتور رأفت فودة رئيس قسم القانون جامعة القاهرة، إن السلطة القضائية والمحكمة الدستورية عموما تعرضت لتصفية حسابات من قبل نظام الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، وذلك منذ لحظة مباشرتها على الانتخابات البرلمانية، إلى أن تم وضع الدستور وتقليص صلاحيتها حيث حدد الدستور الجديد تشكيلها من رئيس وعشرة أعضاء، علي أن يبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التي ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية،كما نصت المادة (177) من دستور 2012 علي تحديد اختصاص المحكمة الدستورية العليا في تقرير مدي مطابقة مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية وللانتخابات التشريعية والمحلية للدستور قبل إصدارها، ولا تخضع القوانين المشار إليها للرقابة اللاحقة. وأشار فودة إلى الحوار والجدل العميق الذى استمر لمدة ستة أشهر عقب انتخابات الرئاسة المصرية في 2012، حول مشروع دستور جديد لمصر «في استفتاء عام علي مرحلتين يومي 15 و22 ديسمبر 2012 علي دستور جديد لمصر وفي 25 ديسمبر 2012 حسم الشعب المصري خياراته مع الدستور وانتهى الأمر بإقراره بموافقة نحو 64% واعتراض 36% من الذين ذهبوا للجان الاقتراع، وبموجب الدستور الجديد استمرت المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة، ولكن بعد أن تمت تصفية 9 أعضاء منها، ولم يعد لها سوى دستورية القانون، وقلص دورها من رقاية دستورية وقضائية على القوانين واللوائح إلى رقابة سياسية وحسب وصف المستشار بهاء أبو شقة، عضو الهيئة العليا للوفد، الفترة الماضية فى عهد المحكمة الدستورية بأنها أعادت فكر ومنهج الدولة البوليسية، لأن الفرق بين الدولة الديمقراطية والديكتاتورية هو احترام أحكام القضاء وإعلاء كلمته، ولكن ما حدث إبان مرسى هو ظاهرة غير مسبوقة حتى فى الدول الديكتاتورية. وأضاف «ما هو معلوم فى الفقه الدستورى أن ما أشد ما تخشاه النظم الديكتاتورية الإعلام والقضاء، لأن الإعلام يسلط الضوء على الفساد والقضاء يتصدى له، وأن من يعادى الاثنين يخشى أن يتم فضح أفعاله وممارساته، ويتذرع بمبدأ تطهير القضاء والإعلام للخروج على الشرعية الدستورية وارتكاب جرائم فى حق شعبه دون أن يتم فضحه». مؤكداً أن ما كان يحدث أمام الدستورية هو نوع من الإرهاب، المخالف لكل المواثيق والمعاهدات ولا يجوز فعله أمام جهة قضائية مستقلة، يتطلب فيها أن يؤدى القاضى عمله فى هدوء، وغير مكره ولا يتم تهديده أو يقع تحت ضغوط نفسية وعصبية شديدة. وأعرب أبو شقة عن أمنيته فى أن تسترد المحكمة الدستورية وكل المؤسسات القضائية هيبتها وقدرتها على التصدى للفساد.