عاشت علاقات مصر بأمريكا بعمليات صعود وهبوط عديدة. مرات قليلة في السماء.. لبن. عسل. تمر هندي. ومرات أكثر في الأرض. يعني مرار وعلقم وأيام سوداء.. نقول ذلك ونحن نعقب علي توتر هذه العلاقات الآن، بسبب عدم تقبل أمريكا لثورة شعب مصر والإطاحة بحكم الاخوان الذين رأت فيهم أمريكا حليفاً جديداً لهم بالمنطقة. وبنوا علاقتهم بهم علي هذا الأساس.. وهو موقف خطير.. وتصور خاطئ من واشنطون للأمور.. وبالتالي أتوقع أن تنهار علاقة القاهرة بواشنطون سريعاً.. رغم انهم يبنون استراتيجية تحركهم في المنطقة كلها علي أساس رغبات أمريكا من حلفائهم الجدد: الاخوان المسلمون وهكذا تقع أمريكا في خطأ رهيب يضاف إلي سلسلة طويلة من الحروب والنزاعات.. هنا لابد أن نعود بالذاكرة إلي تاريخ طويل من أخطاء السياسة الأمريكية تجاه مصر. ** ويخطئ البعض إذا تصوروا ان توتر هذه العلاقات يعود أويبدأ بنظام عبدالناصر.. لأن ذلك بدأ قبل عبدالناصر بسنوات طويلة.. إذ ما كادت الحرب العالمية الأولي تضع نهايتها في نوفمبر 1918 حتي تحرك كبار ساسة مصر يطلبون لمصر الاستقلال عن بريطانيا وذلك في اليوم التالي لإنهاء هذه الحرب وقابلوا المعتمد البريطاني سير وينجت يطلبون تحقيق مطالب مصر.. ثم يطلبون السماح بسفر وفد مصري إلي باريس لعرض قضية مصر علي مؤتمر السلام في فرساي. وذلك استناداً إلي المبادئ التي سبق ان أعلنها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون وكان أبرزها منح الشعوب المستعمرة حق تقرير المصير.. وذلك ضمن مبادئ 14 أعلنها الرئيس الأمريكي عام 1918، أي قبيل نهاية الحرب. ولكن للأسف خان الرئيس ويلسون هذه المبادئ وخزل الشعوب المقهورة وتراجع عن مبادئه.. ولكن ذلك كان دافعاً لزعماء مصر فغيروا استراتيجية تحركهم من الاعتماد علي مبادئ رئيس أمريكا.. فكان أن اندلعت ثورة 19 الشعبية.. أي رب ضارة نافعة.. وكان هذا هو الدرس الأول.. من أمريكا!! ** وقبيل ثورة يوليو المصرية كان القصر الملكي علي وفاق مع أمريكا.. واعتمد الملك فاروق علي واشنطون يستقوي بها علي بريطانيا التي تحتل مصر بعد أن رأي في أمريكا القوة الصاعدة.. بدلاً من بريطانيا. وعندما قامت ثورة يوليو 1952 لم يجد فاروق إلا أمريكا يستنجد بها لتحميه شخصياً.. بل طلب من سفيرها في مصر أيامها جيفر سون كافري أن يقف معه ويكون إلي جواره وهو يغادر الاسكندرية ليضمن السفير حياة الملك المعزول ومازالت صورة هذا السفير ماثلة أمامي وهو يمشي بجوار الملك الذي كان في طريقه إلي المرسي ليستقل لنشاً بحرياً ينقله إلي المحروسة لتبحر به إلي ايطاليا.. ** وظلت علاقة مصر الثورة طيبة مع أمريكا بداية من تكليفها علي صبري لكي يتصل بالسفارة يطمئنها علي سلمية هذه الثورة.. بل أوفدته الثورة إلي واشنطون طلباً لصفقة من الأسلحة الأمريكية.. ولكن سرعان ما توترت هذه العلاقات حتي إن واشنطون عندما أرادت أن توثق علاقتها بالثوار قدمت مليون دولار لها كمساعدة. ولكن عبدالناصر قبل الهدية ولكنه قرر أن ينشئ بها برجاً علي النيل هو برج القاهرة الحالي ليكون شاهداً علي موقف واشنطون ومحاولتها رشوة الثوار. ومن يريد معلومات أكثر عليه أن يقرأ كتاب «لعبة الأمم» لمؤلفه مايلز كوبلاند. الصادر عام 1969 وهو يعبر عن اللا أخلاقية في سياسة القوة الأمريكية، لبسط النفوذ الأمريكي علي العالم عن طريق السياسة والخداع واللجوء إلي الحرب المسلحة. ** ويتصاعد الخلاف بين مصر وأمريكا بسبب رفض واشنطون تسليح مصر.. هنا يعلن عبدالناصر صفقة الأسلحة السوفيتية في سبتمبر 1955. وترد واشنطون بأن يعلن جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا سحب تمويل بلاده لمشروع السد العالي في يوليو 1956 لتتطور الأحداث ويؤمم عبدالناصر قناة السويس لينفق من عائدها علي بناء السد العالي. وتبدأ المعركة الحقيقية بين مصر وأمريكا.. وتتعرض مصر للعدوان الثلاثي. ولكن ناصر ينتصر وينطلق في عدائه لأمريكا التي تتحرك ضده في مشروعه الرائع «الجمهورية العربية المتحدة». ثم تقف ضده في اليمن. وفي العراق.. إلي ان تقع حرب يونية 67 بدعم أساسي من أمريكا ضد مصر ثم يتم قطع العلاقات بينهما في مايو 1967.. ** ويجيء أنور السادات. ويكتشف بدهائه أن 99٪ من أوراق اللعبة بين يدي أمريكا.. ويقول صراحة: لا أستطيع أن أحارب أمريكا.. وتكون بعدها سياسة وضع حد للنزاع المصري الأمريكي.. وتبدأ مرحلة جديدة. ويواصل حسني مبارك سياسة القط والفار الساداتية بحذر شديد.إلي أن قررت أمريكا التخلي عنه.. وللأسف اتصلت بالاخوان المسلمين.. لأنها تري فيهم البديل لحكم مصر والتحكم في المنطقة.. ** هو فعلاً صراع طويل.. ولكن دائماً ما ينتصر شعب مصر.. وكما انتصرت مصر عبدالناصر سوف ننتصر الآن.. فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها.. نقصد بالمساعدات الأمريكية.