لو كان الوطن أغلى من جماعة الإخوان لكان لمرسى خطاب آخر، لكنه على غير ما أعلن من قبل، مازال فردًا فيها يدين بالولاء لها ولمرشدها العام.. مرسى ظهر فى خطابه مساء أمس الأول كمن تعاطى حبوب الشجاعة فوصل حاله إلى حد التهور، فهدد الكل وحرض على سفك الدم.. ظهر الرجل منفعلًا مرتبكًا متوترًا يُمَثِل علينا أنه مُسيطر على الأوضاع، وهو مُنفَصِل عن الواقع، يتحدث من كوكب آخر، متواصلًا مع جماعته فقط.. مرسى كان مغيبًا عن الوعى، فأنكر ما تشهده مصر من خروج الملايين تطالب برحيله عن الحكم.. مرسى فى خطاب الوداع أكد أنه لا علاقة له بالشارع، ولا يعرف الجماهير، فهَدَمَ معبده فوق رأسه.. أنهى مرسى خطابه فسالت الدماء فى شوارع وميادين كما لو كان خطابه إعلانًا لساعة الصفر، لتتحرك فلوله لسفك الدماء، فى محاولة مستميتة لإظهار مصر كما لو كانت منقسمة على وجوده، على غير الواقع والحقيقة.. أراد مرسى أن يُصَادِر على المُهلَة التى حددها له الجيش، ويُظهِر للعالم أن أى إجراء ضده هو انقلاب عليه وعلى نظامه وشرعيته.. يناور، ويُماطِل، ويُساوِم حتى آخر نفس.. لكنه على غير ما أراد أشعل الميادين والشوارع ضده، فامتلأت بالرجال والنساء والشباب والأطفال يهتفون ضده ويستعجلون رحيله، ويلعنون اليوم الذى تولى فيه أمرهم.. أنهى مرسى بخطابه هذا على مستقبله وعجَّلَ رحيله، وأزال ما تبقى من تعاطف مع جماعته، وزاد من الكراهية نحوها ونحو قادتها، الذين باتوا منبوذين مستهجنين من ملايين المصريين.. لقد سقط مرسى ونظامه لحظة انتهائه من خطابه، ولو كان لديه بقية إدراك ووعى لَرَحَلَ طواعية عن الحكم بكرامة قبل أن يخلعه جيش الشعب.. ولو أنه بقى فكيف سيدخل مقر مكتبه وعلى أسواره كَتَبَ الشباب والأطفال عبارات تُهِينه.. وكيف سَيُمَارِس عمله بعد أن تخلى عنه وزراؤه ومستشاروه، وأمنه وجيشه؟! مرسى بحكم الدستور الذى يتباهى أنه وضعه فى ليلة، أصبح بلا شرعية، ودون أن يتدخل الجيش قد سقط، لأنه بحكم الواقع قد عجز عن ممارسة عمله، وبحكم هذا الدستور قد خلا المنصب بسبب هذا العجز.. خطاب مرسى لم يكن فيه كلمة توافق ترضى الشعب غير جملة قال فيها : «أرى المستقبل أفضل بكثير».. وهكذا ترى مِصْرُ أنَّ مستقبلها سيكون الأفضل بدون مرسى الذى تحدى إرادتها، وأفقدها هيبتها.