الإخوان راحلون راحلون.. كما رحل قبلهم الاحتلال الفرنسي والإنجليزي والإسرائيلى، وهذا لا يعنى أنهم أجانب ولكن مشكلتهم أنهم ينتمون للجماعة أكثر من انتمائهم للدولة ولذلك سعوا منذ وصولهم للحكم إلى تمكين الجماعة على حساب الدولة.. المهم أنه ليس بالضرورة أن نصحو يوم «1» يوليو ونجد الإخوان رحلوا، فهذا الرحيل يمكن أن يستمر لأسبوع أو شهر أو سنة ولكن المؤكد أنهم سيرحلون وهم يجرون أذيال الخيبة والعار.. وأن مشاهد رحيل الفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين بكل المذلة والمهانة عن مصر سيضاف إليها الهروب الجماعي لقيادات الإخوان لما ارتكبوه من جرائم في حق هذا الشعب وهذا البلد! ولا شك أن مرحلة ما بعد الإخوان هي المرحلة الأهم الآن، وهذا يتطلب العودة إلى ما قبل الإخوان.. فبرغم أنه سيبدو أننا نتقدم للأمام ولكن الحقيقة أننا يجب أن نعود إلى الخلف وتحديداً إلى يوم خلع مبارك ونظامه من سلطة الحكم وذلك لعدم تكرار ما جرى من أخطاء فادحة وكان أبرزها الارتضاء بتولي المجلس العسكري سلطة الحكم كما أراد مبارك وليس كما أراد الشعب، فانقلبت 25 يناير من ثورة شعبية ضد النظام إلى حركة انقلاب داخل النظام وذلك عكس ما حدث في انقلاب ضباط يوليو 52 الذي أصبح ثورة.. وبدلاً من أن نعيد صياغة الدولة على مقاس ثورة الشباب وطموحاتهم وأحلامهم، دولة مدنية متقدمة وحضارية وجدنا أنفسنا نتخبط في حالة من الضعف والارتباك السياسي نتيجة استغلال المجلس العسكري لاحترام الشعب للمؤسسة العسكرية، مما أدى إلى تحويل مسار الثورة إلى منحنيات ومزالق أدت بنا في النهاية إلى هاوية الإخوان المريعة وتسليمنا تسليم أهالي لجماعات متطرفة وإرهابيين متقاعدين لنجد أنفسنا داخل دولة دينية طائفية، ولذلك يجب أن تتفق القوى السياسية الثورية على تشكيل مجلس رئاسي برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا وعضوية الجيش وشخصيات سياسية وحقوقية وقضائية، وتشكيل حكومة جديدة من الخبراء والبدء في وضع دستور جديد للبلاد يؤكد مدنية الدولة المصرية دون تفرقة دينية أو عنصرية بين مواطنيها الذين يتساوون في كل الحقوق والواجبات. وأن تكون هناك فترة صمت انتخابي نتوقف فيها عن إجراء أية انتخابات سواء برلمانية أو رئاسية إلى أن يتم وضع قواعد الدولة المصرية المدنية الحديثة، وأن يكون مصدر التشريع المجلس الرئاسي لفترة مؤقتة وبضوابط، فقد جربنا هذا اللهاث على الانتخابات بمخطط من الإخوان وطريقة حصولهم على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى بقزازة زيت وكيلو سكر، ورأينا ما أسفرت عنه هذه الانتخابات من نماذج وشخصيات لم نر مثيلا لها في التاريخ المصري الحديث والمعاصر سواء فى البرلمان أو رئاسة الجمهورية، وكان نتيجة ذلك هذا الدستور المهلهل الذي يعبر عن أوهام وهلوسات أكثر مما يعبر عن دولة تاريخية وحضارية مثل مصر، لأننا تركنا شأننا وشئوننا بين أيدى مجموعة من الهواة غير المتخصصين،كما لو أن مصر خلت من الفقهاء الدستوريين، وكلنا نتذكر مهزلة ومهازل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وكيف في ليلة واحدة أنهت دستورا كاملا كما لو أنها تضع دستورا لجمعية خيرية؟! إن مصر ليست دولة صغيرة أو غير مؤثرة دولياً وإقليمياً، وإن استعادة حضورها الدولي لن يكون بالاستعجال في بناء مؤسسات الدولة، كما كانت تحثنا أمريكا لهدف تسهيل عملية استيلاء الإخوان على الحكم، ولكن بوضع قواعد وأسس هذه الدولة أولا ثم تأتى المؤسسات بعد ذلك.. وإن وجود مجلس رئاسي ومؤسسة القضاء وحكومة من الخبراء الذين ينتمون للدولة وليس للجماعة، كاف لوضع مصر على الطريق الصحيح سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بل أن استعادة مصر لثقة العالم لن يكون سوى بالاقتصاد القوى، وأن العمل، حتى لمدة عشر سنوات، على الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي بما تمتلكه الدولة من مقومات بشرية وطبيعية كفيل بجعل مصر في مصاف الدول الكبرى.. فمصر تحتاج إلى إدارة ولا تحتاج إلى رئيس، وتحتاج إلى خبراء في الاقتصاد والمالية ولا تحتاج إلى محترفي انتخابات، تحتاج إلى علماء في التعليم ولا تحتاج إلى وعاظ ودعاة يعلمون الناس الدين، حيث إن أبسط البسطاء في مصر أكثر إيماناً وصدقاً ومعرفة بأمور دينه ودنياه من كل هؤلاء الجهلة الذين هجموا علينا من كل خيام وجحور التخلف.. ولهذا فإن التفكير والتحضير والعمل لمرحلة ما بعد الإخوان يجب أن تكون الخطوة الأولى بعد جلاء الإخوان!