الاستقطاب الحاد والاحتقان المتنامي في المشهد السياسي المصري قبل 30 يونيو الجاري، يدفع نحو المواجهة ومزيد من العنف، بل إلى أن يصبح هذا اليوم الذي دعت فيه المعارضة لإسقاط الرئيس محمد مرسي "يوم الجحيم"، على حد تعبير أحد الكتاب المصريين. حالة الاستقطاب هذه بين مؤيدي ومعارضي الرئيس قسّمت المجتمع المصري إلي فريقين كل منهما نصّب الآخر ندًا له، وهي حالة بدأت بوادرها بعد شهر واحد من الثورة المصرية وتحديدًا مع استفتاء مارس 2011 على إجراء الانتخابات قبل الدستور، والذي قسّم الشارع السياسي إلي إسلاميين وليبراليين، وصولا لليوم، حيث أصبحت مؤسسة الرئاسة ومن يدعمها طرف و"جبهة الإنقاذ" المعارضة، وما تضمه تحت لوائها من أحزاب وتيارات طرف آخر. وشهدت الأسابيع الأخيرة ملامح أكثر لهذا الاستقطاب، خاصة بعد فشل مبادرة حزب النور السلفي التي أطلقها في أبريل الماضي، وحاول خلالها لعب دور ورمانة الميزان بين القوى السياسية. وبعد فشل تلك المبادرة، خرج "النور" من صفوف القوى الداعمة والمؤيدة للرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وأخذ مسافة للخلف، بينما زاد اقتراب باقي التيارات ذات التوجه الإسلامي حول الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها. القوى الإسلامية قررت التحرك بخطوات استباقية لتظاهرات 30 يونيو فأطلقت حملة "تجرد" في مقابل حملة "تمرد" التي دعت إليها المعارضة لجمع توقيعات تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وتقوم بعملية الحشد والتعبئة من خلال تكثيف الاتصالات مع كافة التيارات حيث يقدر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ب750 ألف عضو بينما تجاوز عدد أعضاء حزبها السياسي ال300 ألف عضو. كما قررت هذه القوى البدء في التظاهر من اليوم الجمعة، والاعتصام في كل من ميادين التحرير والاتحادية (القصر الرئاسي شرق القاهرة). وتلعب جماعة الإخوان المسلمين دورًا رئيسيًّا في عملية التواصل مع كافة التيارات والأحزاب في محاولة لاتخاذها منحي التيار الداعم لمرسي، حيث كشفت مصادر من الجماعة أن نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر التقي قبل يومين عددًا من قيادات الدعوة السلفية لدعم الإخوان المسلمين وعدم النزول يوم 30 يونيو، كما طلب الشاطر وساطة قيادات سلفية، مثل محمد يسري وعبد الستار فتح الله لإقناع قيادات حزب النور والدعوة السلفية بدعم موقف الإخوان، غير أن الدعوة السلفية أصدرت قبل يومين بيانًا أكدت وقوفها علي الحياد، وعدم مشاركتها في فعاليات يوم 30 يونيو، ولا في مظاهرات اليوم الجمعة الداعمة للرئيس، كما التقت قيادات مكتب الإرشاد بالجماعة أمس بقيادات الجماعة الإسلامية، ودعت اليوم قيادات من الدعوة السلفية لتنسيق المواقف في الفترة القادمة. وجاء اجتماع مؤسسة الرئاسة قبل أيام مع عدد من الجماعات الإسلامية والتيارات الإسلامية للتأكد من دعم تلك التيارات وكذلك حثها على التحرك لحث المصريين على عدم الانجرار وراء دعوات الخروج على الرئيس من خلال الخطب والمؤتمرات الجماهيرية وخطب المساجد، وتقوم الهيئة الشرعية للإصلاح التي تضم تحت لوائها عددًا من التيارات الإسلامية بتحركات للهدف نفسه. وأطلقت تلك الأحزاب دعوة للتظاهر اليوم في ميادين مصر دعمًا لشرعية الرئيس المنتخب، وسط توقعات بأن تحشد أعدادًا كبيرة. وفي المقابل، تتمسك جبهة الإنقاذ الوطني، أبرز تجمع معارض، بمطلبها الخاص بإسقاط الرئيس، مبررة ذلك ب"فشلة" في إدارة البلاد. وتشكلت هذه الجبهة في نوفمبر الماضي، أي بعد خمسة أشهر من تولي مرسي الحكم، وتضم 20 من الأحزاب الليبرالية واليسارية وعددًا من النقابات والاتحادات العمالية والنسائية، وضمت تحت طياتها جميع مرشحي الرئاسة السابقين، والذين أخفقوا في الوصول للحكم، عدا عبد المنعم أبو الفتوح والفريق أحمد شفيق. وجاءت دعوة 30 يونيو لتضيف إلي الفسطاطين أطرافًا أخرى، فعلي سبيل الرصد انضم حزبا مصر القوية والتيار المصري إلي الداعين للنزول إلي 30 يونيو، وكذلك حركات 6 أبريل والعدالة الحرية وأحرار، وكل من له خلاف مع مؤسسة الرئاسة. وعلي الرغم من تباين المطالب بين القوى الداعية للنزول يوم 30، إلا أن جميعها اتفقت على المشاركة في الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. وفي محاولة لإنجاح دعوتهم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تغيّرت العديد من مواقف قيادات جبهة الإنقاذ، وفي مقدمتهم الدكتور محمد البرادعي الذي دعا في فبراير 2011 عقب نجاح الثورة المصرية في إسقاط الرئيس مبارك إلي محاكمة كل رموز هذا النظام، لكنه دعا قبل نحو أسبوع إلى التصالح مع النظام السابق، فيما أكد حمدين صباحي زعيم التيار الشعبي (من جبهة الإنقاذ) ضرورة أن ينضم من لم يشارك في ثورة يناير إلى حشود 30 يونيو. وأشار الفريق أحمد شفيق، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة والمحسوب على نظام مبارك، في تصريحات سابقة، إلى أنه يسعى لتنسيق المواقف مع جبهة الإنقاذ، بينما دعا عمرو موسي المرشح السابق لانتخابات الرئاسة ورئيس حزب المؤتمر، بجبهة الإنقاذ، إلي "توحّد المصريين يوم 30 يونيو، ورفع الكارت الأحمر في وجه الرئيس". وتملك الفئة المعارضة دعمًا أكبر من وسائل الإعلام الخاصة والتي تلقى مشاهدة عالية في الشارع المصري بعد الثورة، وهذا ما زاد من عملية الحشد والاستقطاب التي تجسّدت مؤخرًا في رفض أعضاء حركة "تمرد" السماح للمحافظين الجدد الذين تم تعيينهم قبل أيام من ممارسة عملهم بدعوى انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين. حالة الاستقطاب الحاد هذه وما يتبعها من تغيّر في المعادلات والمواقف السياسية دفعت بالكاتب الصحفي المصري وائل قنديل، لأن يصف يوم 30 يونيو ب"يوم الجحيم". وفي مقال له نشرته الخميس صحيفة "الشروق"، كتب محذرًا: "إما أن تنكسر هذه الموجة العاتية التى تحمل فوقها كل جحافل الثورة المضادة.. أو يحدث العكس ويندلع الحريق الكبير الذى يأتى على أخضر مصر ويابسها، دون تمييز بين مؤيّد ومعارض". وتابع قائلا: "إنها لحظة المسؤولية عن إخماد الشرر الذى يتجمع الآن، ويوشك باندلاع حريق، إن أطلت ألسنته ليس بمقدور أحد أن يطفئه قبل سنوات من النزيف، والتجارب من حولنا فيها المثل والعبرة».