يقول المثل البلدي «بكره نشوف العجب ولا الصيام في رجب»، وما يراه المصريون هذه الأيام أشد وأنكي من الصيام في بؤونة وهو شهر شديد الحرارة، حيث لا تجد موقعاً أو مكاناً في مصر بكافة محافظاتها في القري والعزب والنجوع وفي الشوارع والحارات والأزقة، ناهيك عن المدن إلا وتجد مصيبة، حريقة.. حادثة.. قطع طريق.. قطع سكة حديد، لازم كل ليلة وكل يوم بل وكل ساعة تلاقي حاجة من دول، حتي إن أطفال اليوم بل والشباب صاروا أكثر عرضة للصرع وأكثر انفعالاً واندفاعاً من ذي قبل ولعل ذلك من كثرة المآسي التي يتعرضون لها فلا أمن ولا استقرار مما كان يتغني به الإخوان ويضحكون به علي العقول فلا عمل ولا راحة ولا هدف وأصبحنا نري الناس أمواجاً متلاطمة في الشوارع والطرقات تسير بلا هدف وتبحث عن المجهول أو اللاشيء.. وحتي تبلغ المأساة مداها أصبح الكل يفتي ويقترح ويجادل فيما يعرف وفيما لا يعرف بل وصار كل واحد يغني علي ليلاه، ولا يعنيه اسم مصر، وهكذا صرنا نسير علي غير هدي فتقطعت الصلات وتمزقت الروابط بين العائلات وانحدرت القيم والمبادئ والأخلاق، وترجم العقلاء والحكماء علي الثورة وشبابها، حيث تاهت أهدافها واختفي أصحابها ونحن بدورنا نبحث عنهم في كل مكان ليستمر المد الثوري فاعلاً كما كان، وفي رحلة البحث تجد التجمعات الغاضبة والوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الطلابية والاعتصامات العمالية. مصر كلها بتضرب في بعضها ومحدش عارف مين بيدور علي مين ولعل ذلك يذكرني بالفنان أحمد آدم حينما ذهب للعراق بحثاً عن ابنه فوجد نفسه وكأنه يبحث عن صدام!، لكثرة التجمعات والتظاهرات المؤيدة له.. ومن هنا أتساءل: أين الثورة؟.. وهل حققت أهدافها وهل تسير في مسارها الذي رسمه الثوار؟.. وهل تحققت مطالب العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟.. لا أظن أن ذلك قد تحقق، وهو ما يؤكد ما نعانيه من مصائب يومية ومشاكل مستعصية علي الحل وخناقات علي كل ناصية وفي كل شارع وصار البلطجية يحكمون النواصي ويقيمون الأكشاك ويمدون أسلاك الكهرباء جهاراً نهاراً، ويتربصون للمترددين علي البنوك ويتعقبون البنات والأطفال أمام المدارس، حتي صارت الأمهات يتوجسن خيفة علي أبنائهن وبناتهن، حيث أشاهدهن أمام المدارس بأعداد غفيرة مخافة علي أولادهن، من الاعتداء أو الخطف، أو هتك العرض، إنها مأساة يعيشها الشعب دون أدني شك أمام المدارس وفي الشوارع بل وفي المترو الذي أصبح مثل تروماي السيدة زينب ومحطاته التي صارت مثل سوق الجمعة في السيدة عائشة!.. كما أصبح سائقو الميكروباص يتصدرون المشهد ويعتدون علي الركاب ويرفعون الأجرة ويقفون في الممنوع ويسيرون عكس الاتجاه أمام أعين رجال المرور ضباط وأمناء، والذين يشاهدون الدراجات البخارية والسيارات بلا لوحات بل وبلا فوانيس إنارة ولا يعترضون فيما ضابط أو أمين شرطة علي استحياء، ليخزي العين ويوقف شخصاً محترماً وسيارة لا ينقصها شيء طالباً الرخص، ومشي حالك! وإذا سألته: لماذا لم توقف سائقي الميكروباص وراكبي الدراجات البخارية وما فيها من بلاوي كما أنهم يعربدون في الشوارع طولاً وعرضاً؟.. فيقول: يا سيدي أنا ناقص مشاكل! هذا هو حال شعب مصر للأسف بعد الثورة بهدلة، فوضي، بلطجة، انفلات أمني، عربدة في الشوارع، اختفاء لرجال الشرطة، يعملون فقط داخل الأقسام ويخشون الخروج إلي الشوارع. حياة بلا أمل وبلا عمل، تزايدت أعداد العاطلين، تفشي ظاهرة التسول.. من الآخر حياة لا تسر عدواً ولا حبيباً. لهذا فإنني أقول لهذا الشعب الذي خدع وصدم فيمن انتخبهم حيث وجد نفسه يصارع طواحين الهواء.. أقول له من أقصي البلاد إلي أقصاها من الإسكندرية حتي حلايب وشلاتين ومن السلوم حتي رفح وطابا وسانت كاترين: أنت تستاهل!