المسرح السياسي المصري مليء بالمشاهد العبثية التي لا تكاد تخلو من السخرية المرة تارة ومن الحزن العميق تارة أخري عما آلت إليه أحوالنا!! حبس سوزان مبارك، أزمة قلبية ألمت بها مما استدعي دخولها العناية المركزة، عملية ستجري لها، فجأة ترد الأموال وبدلاً من قول ذلك يقولون تنازلت عن الأموال وكأن تلك الأموال تخصها وتمن بها علي الشعب صاحب المال الحقيقي! وفجأة أيضا يتم الإفراج عنها ولا تُجري عملية ولا يحزنون وتخرج من المستشفي "زي الفل"! ثم نصل لذروة المسرحية العبثية الرئيس المخلوع يعكف علي كتابة اعتذار للشعب فيثور الشعب رافضا الصلح والتنازل عن حقه وحق الشهداء فبسرعة يلهونه في مكلمتين إحداهما تدعي مؤتمر الوفاق الوطني لوضع دستور جديد متحدياً للاستفتاء الذي قال فيه الشعب كلمته ووافق علي المرسوم الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة والذي يقضي بأن تؤسس هيئة من مجلسي الشعب والشوري ومن شخصيات عامة لوضع دستور جديد للبلاد إذن فهذه اللجنة التفاف علي إرادة الجماهير وتحد سافر لهم مما يذكرنا بالعهد البائد الذي زيف إرادة الأمة مما ينذر بالخطر والأخري مؤتمر الحوار الوطني ويدعون فيهما رموز الحزب الوطني المنحل وعلي رأسهم قيادات في لجنة السياسات ممن صفقوا وهللوا وزمروا للرئيس المخلوع ونجله وحملوا المباخر في حملة التبشير بالوريث الهيلمان وقاموا باغتيال معارضيه سياسياً ومعنوياً وهاجموا الثوار ونعتوهم بأقبح الأوصاف بدءًا من المسطولين متعاطي المخدرات وانتهاءً بالعمالة والخيانة!! فأي حوار هذا الذي ينشدون إليه مع مَن؟ مع القتلة، مع من ضلل الشعب وأفسد الحياة السياسية وخرب البلد بعد أن نهبها وجرفها وأهملها علي الإطلاق من تجريف العقول ومصادرة أحلام الشباب أهولاء مَن يتحاور معهم؟! الشباب الثائر أوحتي الشيوخ الذين ثاروا علي النظام والمطالبين بإسقاطه كاملاً وليس رأسه فقط!! إنه مشهد من عبثية المسرحية التي باتت مفروضة علينا أن نراها يوميا علي المسرح السياسي وبنفس الوجوه القميئة التي أشرت إليهم في مقال سابق، وأسميتهم "مثقفون تحت الطلب" ولقد حذر المجلس العسكري في رسالته (56) من مدعي البطولة والوطنية الذين يدلون بمجموعة من التصريحات الكاذبة والمختلقة من وهم هذا الخيال المريض للتحريض علي بعض قيادات المجلس الأعلي بغرض إحداث الفتن والوقيعة بين الجيش والشعب، وهذا ما نبهنا له في مقالي الأسبوع الماضي وحذرت أنه خط أحمر، ولكن المفارقة أن يظل هؤلاء هم نجوم الإعلام إلي يومنا هذا والأدهي أن يُدعون إلي تلك المؤتمرات المنعقدة حاليا؟! هل ليسمموا الأجواء ويلوثونها ويحولونها إلي خناق وشجار كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني ليتحول إلي مؤتمر "الشجار الوطني"؟! أخشي أن يصبح سؤالي عبثياً هو الآخر في عبثية المشهد والذي زاد من عبثيته إصدار حكم غيابي بإعدام أمين شرطة لقتله المتظاهرين من أول جلسة بينما قضية وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الخمسة الكبار المتهمين الرئيسيين في قتل المتظاهرين مازالت تتأرجح أوبمعني أدق (تتمخطر) في محكمة جمعة!! والذي أصدر الأوامر بالقتل في شرم الشيخ ولم يحاكم حتي الآن ويكتفون بإصدار تصريحات كل يوم وأخري عن حالته الصحية في جرائد معينة ومعروف انتماؤها، مرة إنه ممتنع عن الطعام ولا يريد أخذ الأدوية ومرة أخري يا حرام مكتئب أليس من الطبيعي لأي شخص في مكانه أن يكون مكتئباً وحزيناً علي ما آل إليه حاله وحال أسرته بأكملها بعد أن تصوروا أنهم يملكون الدنيا وما فيها وتوهموا أنها ملك قبضتهم يسيرونها كما يشاءون لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ثم فجأة يفيقون فيجدون أنفسهم أذلة بعد أن كانوا أعزة وملوكا وأصبحوا أيضا منبوذين ومطاردين فسبحان الله المعز المذل "قل اللهم مالك المُلك تؤُتي المُلك مَن تشاءُ وتنزعُ المُلك ممن تشاءُ وتُعزُ من تشاءُ وتُذلُ من تشاءُ" صدق الله العظيم، لقد أراد الله لهم هذه النهاية المخزية من أعمالهم "ومن أعمالكم نُسلط عليكم" ولكن هناك مَن في الساحة المصرية والعربية مَن يحاول أن يقف ضد إرادة الله ومشيئته وهو مانراه في هذه المسرحية العبثية التي تتوالي علينا فصولها كل يوم ولانعرف لها نهاية، يقولون إن الرجل مريض ونسوا أنه أحال الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي إلي المحاكمة لمجرد أنه كتب خبرا من هذا القبيل، يقولون: إنه كبير في السن ونسوا أنه قال إنه سيظل يحكم لأخر نفس!! فصفق له كل أعضاء مجلسي الشعب والشوري بحرارة والذين من بينهم من يجلس اليوم في مؤتمري الوفاق والحوار الوطني! عبثية المشهد تزيد من ضبابية الصورة لدينا وتجعلنا مكتئبين أكثر من مبارك نفسه لقد قمنا بالثورة منذ أربعة أشهر واستطعنا أن نطيح برأس الأفعي ولكن بقي جسم الأفعي وأذنابها ممتدا في كل مفاصل الدولة وأركانها وأصبحوا يمثلون القوي المضادة للثورة يعرقلون مسيرتها بل وينقلبون عليها ويثيرون البلبلة والاضطربات في الشارع مما يعرض البلد للخطر! ومما يثير دهشتنا لماذا يترك هؤلاء حتي الآن في مناصبهم رغم أدوارهم المشبوهة والتي لم تعد تُخفي علي أحد، إن مصر لم تعدم من الكفاءات ياسادة بل ما أكثرهم وفي انتظار الفرصة الغائبة عنهم حتي هذه اللحظة، إنها ثورة وليست انقلاباً حتي الانقلاب يحدث فيه التغيير الجذري لكل أركان الحكم ورموزه وتتم محاكمة رجاله، أما ما يجري اليوم من محاكمات فهي محاكمات هزلية لا ترتقي الي المحاكمات المطلوبة في الثورات، نريدها محاكمات سياسية، محكمة ثورة، فنحن لايهمنا أن يأخذ زكريا عزمي ساعة من أمير أو غفير وإن كان يهمنا أن يأخذ عقابه علي فساده المالي، ولكن الأهم هو الفساد السياسي الذي أضاع البلد وحول مصر العظيمة إلي إقطاعية ملك آل مبارك يتصرفون فيها كما يشاءون ويسرقون كل خيراتها ويغتالون شعبها معنويا حتي حلم شبابها لم ينجُ من الاغتيال، نريد أن نحاكمهم علي سرقة وطن بأكمله وتزوير الانتخابات ومصادرة إرادة الأمة وتزييف وعي الشعب وتضليله، يجب أن يقف كل رجال الحكم السابق من ساسة ورجال أعمال وإعلاميين ورجال القضاء الفاسدين الذين زوروا لهم الأحكام وترزية القوانين في قفص الاتهام وتوجه إليهم هذه التهم، ولقد كتب المستشار أمين المهدي رئيس مجلس الدولة السابق مؤخراً يقول إن المشاركة في الفساد خيانة سياسية ويمكن تجريمها بعدم الولاء للنظام الجمهوري والنص القانوني الذي يسمح بمحاكمة رئيس الجمهورية صدر عام 1956 ومازال قابلاً للتنفيذ فهل من مستجيب؟! وإلا فلن يرحمنا الله إذا أضعنا هذه المنحة الإلهية التي منحنا إياها، فهذه الثورة نعمة وفضل من الله سبحانه وتعالي وأي تفريط أو تهاون فيها سيحاسبنا عليه حسابا عسيرا فانتبهوا أيها الشعب الثائر.