انزعجت بشدة من نص المادة 220 بالدستور الجديد التي تقول: «مدينة القاهرة عاصمة الدولة، ويجوز نقل العاصمة إلي مكان آخر بقانون»، فما الغرض من النص علي إمكانية نقل عاصمة مصر من القاهرة إلي مكان آخر؟ فهو نص غريب يكمن وراءه غرض في نفس يعقوب، وهو هنا جماعة الإخوان المسلمين التي تسعي نحو الخلافة الإسلامية الجامعة ولو تطلب ذلك استبدال العاصمة التاريخية لمصر، وشعبها المصري العتيد منذ آلاف السنين، ويساندهم في ذلك نص المادة 145 من الدستور التي تفتح الطريق لرئيس الجمهورية وأغلبية حزبه مع السلفيين في مجلسي النواب والشوري بالتصرف في المسائل المتعلقة بحقوق السيادة، كتغيير مكان العاصمة من القاهرة لأخري يقيم فيها خليفة المسلمين المنتظر.. فمسألة احترام الوطن المصري والحدود فكرة غائبة عن شعارات وأدبيات وفلسفة جماعة الإخوان المسلمين - كما يقول الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث الأفريقية - عندما تحدث عن استعداد الإخوان للتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، إذ ورد بتصريحه لجريدة «الوفد» يوم الثلاثاء الماضي قوله: «بالطبع الجماعة لا تمانع في أن تمنح حلايب وشلاتين إلي السودان لسبب بسيط هو أن فكرة الوطن لا وجود لها لدي أدبيات الإخوان، وهي لا تؤمن بالحديث عن الحدود ولا تعترف بها، وحتي الدستور المشبوه الذي صاغوه لا حديث فيه عن الوطن ولا عن المواطنة».. ويؤيده في ذلك اللواء حسام سويلم، الخبير الاستراتيجي في تصريحه لجريدة «الوفد» يوم الثلاثاء الماضي بقوله: «إن الدستور منح الحق للرئيس في أن يعيد رسم الحدود ولكن بموافقة مجلس النواب، والجماعة أصلاً لا تعترف بالحدود بين الدول فهي تسعي إلي بناء إمارة إسلامية تجمع كل الدول الإسلامية».. وذهب لنفس المذهب الدكتور أشرف ميلاد، الباحث في شئون اللاجئين وعضو المرصد المدني لحقوق الإنسان: «إن الإخوان يسعون إلي فرض سيادتهم علي العالم وتطبيق نظرية أستاذية العالم عن طريق حكم مجموعة من الولايات». ولم تكن تلك التفسيرات لمنهج الإخوان المسلمين بعيدة عما تجيش به عقولهم وقلوبهم إذ ينشر حزب «الحرية والعدالة» خريطة مصر دون أن تتضمن حلايب وشلاتين ترديداً لتصريحات المرشد السابق محمد مهدي عاكف، الذي قال إنه لا يمانع في منح حلايب وشلاتين إلي السودان، وأقواله المنشورة استخفافاً بمصر الوطن عندما لا يتردد في التلفظ بعبارة «طظ في مصر»، و«أنه لا يهمه إذا تولي رئاسة مصر مسلم من ماليزيا». ولهذا لا يستبعد أن يكون موضوع حلايب وشلاتين قد أثير في لقاء الرئيس المصري مع الرئيس البشير ونائبه أو مساعده موسي محمد أحمد الذي قال صراحة إن الرئيس مرسي وعد بعودة حلايب وشلاتين إلي السيادة السودانية، ولا يمكن أن يصرح مساعد الرئيس السوداني بذلك كذباً وافتراء علي الرئيس المصري.. إذ تعايشت مع شعب السودان عشر سنوات من 1963 حتي 1972 ولم أعهد الكذب في أخلاقيات السودانيين.. ولا أصدق تصريحات مصادر في الرئاسة المصرية بعدم صدق هذا التصريح السوداني، اللهم إلا إذا خرج علينا الرئيس مرسي شخصياً بتكذيب تصريح مساعد الرئيس السوداني.. وعندئذ سيخضع للبحث علي ضوء منهجه المستديم في التصريح بشيء أو بقرار ثم يرتد عنه وتلك ليست من صفات رجل الدولة «states man». ولو كان الرئيس مرسي يصدق عليه وصف رجل الدولة، بحق لما كان قد غلب منهج ومصلحة جماعة الإخوان علي المنهج الوطني المصري الذي يعتبر رئيس الجمهورية رئيساً لكل المصريين ولا يقسم الشعب إلي العشيرة، ومن هم خارج تلك العشيرة، كما فعل بكل سياساته التي مزقت النسيج الوطني المصري وأوصلته للمآسي التي حلت به ويشهد بها الجميع في الداخل والخارج نتيجة تغليب مصلحة جماعة الإخوان ومنهجها علي مصلحة شعب مصر في حاضره ومستقبله، والاستخفاف بالدولة وحدودها وتماسك عناصرها، وهو استخفاف سبقته إليه جماعة الإخوان في السودان بزعامة شيخها حسن الترابي الذي تحالف مع البشير في شن حملة الجهاد المسلح باسم الإسلام ضد أهل جنوب السودان بحجة زعامة المسيحيين لحركة التمرد في ولايات الاستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل.. فكان المحارب الشمالي يقتل مواطنه الجنوبي تحت راية الجهاد الإسلامي، ما أثار ثائرة العالم المسيحي، خاصة الشعوب الأفريقية المسيحية المجاورة، وأعطي الجنوبيين حجة في تقرير مصيرهم طبقاً للمواثيق الدولية التي تدين الحروب الدينية، وكانت النتيجة المأساوية هي انفصال جنوب السودان نهائياً عن الشمال وإعلان دولته المستقلة باستفتاء 9 يناير 2011، ضارباً ملف مصالح السودان ومصر الحيوية في أعالي النيل. إن مشكلة حلايب وشلاتين مثل مشكلة توطين فلسطينيين في سيناء خارج حدود غزة، كما صرح بذلك بعض الإخوان وعارضه بشدة جيش مصر الوطني الحافظ والحارس لحدود مصر.. وعلي الرئيس محمد مرسي أن يتصرف كرجل دولة «states man» وليس تابعاً بالسمع والطاعة لمرشد جماعة الإخوان، وأن يحافظ كعينيه علي حدود الوطن.. مصر وطننا الذي نعشقه ونشتاق إليه بكل الحب حتي عندما نكون عند بيت الله الحرام ومقام سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.