شهدت مصر أحداث عنف طائفية عديدة - قبل وبعد الثورة - بالمناسبة لا يصل مجموع أحداث العنف الطائفي خلال عصر مبارك بأكمله إلي مجموع أحداث العنف الطائفي خلال عامين بعد الثورة.. وكأن الثورة ما قامت إلا لتفجير العنف الطائفي في مصر . أعود إلي ما بدأت به مقالي فأقول إنه مهما كانت درجة احتقان العنف الطائفي في مصر.. فإن أحداث العنف لم تقترب من الكاتدرائية المرقسية ولا حدث هجوم عليها أبداً.. فقد كان حتي أشد المتطرفين يدركون قدسية المكان وأنه خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه. مرة وحيدة حاصر فيها السلفيون الكاتدرائية قبل سقوط نظام مبارك بعام بسبب كاميليا شحاتة.. وكان ما حدث من حصار بتحريض من أمن الدولة كقرصة ودن للبابا الراحل.. ثم انفض الحصار دون وقوع أي صدام.. ولم يكن أشد المتشائمين يدرك أن المشهد الذي جري أمام الكاتدرائية قبل أيام يمكن أن يحدث، خاصة أنه جري بعد مشهد معتاد للعنف الطائفي، قد تكرر عشرات المرات من قبل، مشاجرة تجري لأي سبب تافه بين مسلم ومسيحي.. يسقط فيها قتيل أو مصاب فتتحول علي الفور إلي مشهد عنف طائفي لابد أن يسقط فيه قتلي من الأقباط، قبل أن تهدأ الأمور وتبدأ الجلسات العرفية لإنهاء الأمور وتبويس اللحي وكفي الله المؤمنين شر القتال! ولكن ما جري عند تشييع جنازة قتلي الأقباط في الخصوص، وأثناء مغادرة الجثامين للكاتدرائية، كان مشهداً يفوق أي خيال، أمام سيل الحجارة المنهمر الذي أجبر الجميع علي التراجع داخل الكاتدرائية، والاحتماء بأسوارها، ولكن هيهات أمام الحجارة المنهمرة من الخارج، وكذلك طلقات الخرطوش من العمارات المحيطة بالكاتدرائية، تتصيد تعساء الحظ الذين بدوا وكأنهم في مصيدة جهنمية، فما كان من الأقباط إلا أن استغاثوا بالداخلية التي جاءت علي عجل لتؤكد شعارها أن «الشرطة في خدمة الشعب». ولكن أي شعب كانت الشرطة في خدمته في تلك اللحظة؟.. هذا هو ما أجابت عنه الأحداث التالية.. فلم يكن الأقباط المحاصرون داخل الكاتدرائية ومعهم من جاءوا للمشاركة في الجنازة من الإخوة المسلمين.. لم يكن هؤلاء هم من جاءت الشرطة لتحميهم.. باعتبارهم جزءاً من الشعب.. بل جاءت الشرطة لتحمي البلطجية ومطلقي الرصاص الخرطوش من فوق أسطح العمارات علي من بداخل الكاتدرائية.. لتثبت الداخلية والشرطة في مصر أنها في خدمة البلطجية. ولم تكتف الشرطة بذلك، بل أرادت أن تثبت تلاحمها مع قوي الشعب من البلطجية فأطلقت قنابل الغاز المسيلة للدموع داخل الكاتدرائية ليسقط قتيلان وعشرات المصابين في فضيحة شاهدها مئات الملايين عبر شاشات التليفزيون في العالم كله! وكان الأمر بمثابة عقاب جماعي للأقباط المحاصرين.. ونوع من الانتقام السياسي الذي تجاوز كل الحدود.. وانتهاك لأقدس مكان للأقباط ورمز من رموزهم الدينية. لكن.. أكان النظام السياسي يبالي.. أو يضع أي اعتبارات في ذهنه وهو يمارس ذلك الفعل الأثيم؟ بالعكس - إنه ينتهز الفرصة ليجعل الأقباط يدفعون ثمن وقوفهم ضد مرسي في الانتخابات - أو لمشاركتهم في المسيرات والتظاهرات ضده. وعند اتصال السيد الرئيس المصري - المفترض أنه رئيس لكل المصريين - عند اتصاله بالبابا قال له إنه يتابع الموقف.. ولا شك أن السيد الرئيس كان يتابع بنشاط ضرب المحاصرين في الكاتدرائية بالحجارة والخرطوش وقنابل الغاز.. وقد ظل السيد الرئيس يتابع الأمر ساعات طويلة، والحمد لله لينام قرير العين بأن الأقباط قد تم تأديبهم.. ولينام بعدها السيد صفوت حجازي وكل غلاة المتطرفين في مصر بعد إعلان انتصارهم الحاسم علي الأقباط وتأديبهم حتي لا يعلو لهم صوت بعد ذلك، وليدركوا أن هذا الوطن ليس وطنهم وأنهم - الأقباط - ليسوا أكثر من مواطنين من الدرجة الثالثة في هذا الوطن.. ليس عليهم سوي السمع والطاعة، وأنهم إن أرادوا العيش في هذا الوطن، فلن يكون ذلك لهم إلا وهم أذلاء لا كرامة لهم ولا رأي في هذا الوطن. فيا من تظنون ذلك.. لقد ساء ظنكم.. فقد تألم المسلمون الشرفاء في هذا الوطن لما جري لإخوتهم الأقباط.. والجريمة التي جرت أحداثها عند الكاتدرائية المرقسية.. سيدفع من ارتكبها الثمن غالياً.. عندما يأتي أوان الحساب.. من الشعب المصري بأكمله.. ولن يطول الانتظار.