لماذا وصل الأمر بين الجماعات الدينية، خاصة السلفيين والأقباط إلي هذا الحد المزعج؟ الأجيال الجديدة لدي السلفيين بدأت في عملية التحول الفعلي من منهج السلفية العلمية التي تعتمد علي »التنظير« والمواجهات الفكرية إلي نهج الجهاد الذي يعتمد علي فرض الأفكار بالعنف.. أما شباب الأقباط فلن تعد تعاليم المسيح الخاصة بالتسامح وإعطاء الخد الأيمن لمن يضربهم علي الخد الأيسر، تحظي بآذان صاغية. ورغم نبرة الهدوء التي التزمها التيار السلفي بعد أحداث إمبابة وإظهار نيته بعد التصعيد، وإطلاق المجلس الرئاسي للدعوة الذي يترأسه الدكتور ياسر برهامي ومحمد إسماعيل المقدم ومحمد عبدالفتاح بياناً بعد أقل من 12 ساعة من حدوث الاشتباكات وإدانتهم للاعتداءات من الجانبين، إلا أن شباب السلفية أكدوا ل»الوفد الأسبوعي«، أنهم قد يضطرون لدفع الضرر الواقع عليهم، مؤكدين أن المبدأ السلفي: رد المفاسد وجلب المصالح الذي يتبناه رموز السلفية مثل الشيخ نشأت أحمد وسيد العفاسي وغيرهم أصبح غير مقنع لهم. شباب السلفية الذي يقدر عددهم بمئات الألوف اشتعل في نفوسهم الغضب خاصة بعدما أثبتت التحريات الأمنية حسب قولهم أن المسيحيين قابلوا اعتصامهم السلمي أمام كنيسة مارمينا بضرب النيران عليهم من فوق عمارتين بجوار الكنيسة، ولذلك طالبوا بالرد علي ما اعتبروه إهانة لهم وللإسلام أيضاً. ورغم أن نهج السلفية العلمية مستقر منذ تأسيسه في بداية السبعينيات، إلا أن الأجيال الجديدة من الشباب لم يتم تصنيفهم، ولم يحددوا ما إذا كانوا سينضمون إلي السلفية العلمية الدعوية التقليدية أم إلي السلفية الجهادية التي تكفر الحاكم الذي لا يطبق الشريعة الإسلامية وقتال أعداء الإسلام الذين يرفعون السلاح في وجوههم. ورغم أن مشايخ ورموز السلفية يحاولون تهدئة شباب الجماعة عقب حادث إمبابة ويذكرونهم باعتقال الشيخ محمد الدبيسي أحد رموز السلفية في بداية الثمانينيات مع خلفية أحداث الزاوية الحمراء، واعتبروا أن الجهاد وضد من قاتل المسلمين فرض من الله ورسوله، بل وانتقدوا رموز السلفية العلمية الذين يحاولون التهدئة دائماً رغم الخسائر الدائمة الذي يتعرض لها هذا التيار منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك واعتقال عدد كبير من أعضاء هذا التيار وقتله داخل جهاز أمن الدولة مثل مقتل الشاب السلفي سيد بلال أوائل يناير الماضي دون تصعيد من الدعوة السلفية العلمية بالإسكندرية ضد النظام رداً علي مقتل سيد بلال. تحول شباب السلفية إلي الأفكار الجهادية يتوقف علي التركيبة النفسية لهم بحيث تكون مائلة للعنف وأن يكون انتماؤها للتيار السلفي الدعوي غير كامل وأن يكونوا غير مقتنعين به كما ذكر ذلك أحد شباب السلفية الذي رفض ذكر اسمه، والذي أوضح أن رد بعض شباب السلفية سيكون عنيفاً ضد من قام بقتل المسلمين الذين كانوا يتظاهرون سلمياً. علي الجانب الآخر القبطي أصبحت تعاليم المسيح عن التسامح في مؤخرة الخطاب الكنسي والإعلامي لدي الأقباط، حيث ارتفعت مكانها مقاومة العنف بالرصاص والدم بالدم. الدكتور يونان مرقص القمص، الباحث المتخصص في التاريخ القبطي يري أن الثابت والصحيح أن المسيحية دين تسامح ومغفرة ولكن موعظة المسيح علي الجبل وتعاليمه لا تعني أن المسيحي يجب ألا يغضب، بالعكس فالمسيح قال: »اغضبوا ولا تخطئوا« أي اغضب ولكن لا يدفعك هذا الغضب لارتكاب جريمة أو خطيئة، وإذا كان بعض المتظاهرين عند ماسبيرو قد حطموا بعض النوافذ وإذا كان صداماً قد وقع بين شباب قبطي وآخر مسلم أمام كنيسة مارمينا فلا أعتقد أن ذلك يعد مؤشراً أو دليلاً علي أن تحول ما حدث في طباع المسيحيين أو أن المسيحيين تحولوا من الوداعة والتسامح إلي العنف فكل الحكاية أن بعض الشباب شعر بالظلم لدرجة فاقت قدرته علي التحمل، فتملكه التهور والاندفاع وكان ما كان. ويضيف: للأسف هناك أحداث كثيرة توالت جعلت المسيحيين يشعرون بالظلم، وبالاضطهاد تخيل مثلاً أن أحداث الكشح الأولي والثانية قتل فيهما عشرات الأقباط قبل أكثر من 10 سنوات ولم تتم محاسبة أحد علي تلك الجرائم حتي الان، تخيل أن حوادث عنف طائفي عديدة وقعت وتم ضبط الجاني فكان مصيره مستشفي الأمراض العقلية بدلاً من حبل المشنقة.. ولك أن تتخيل حجم التراجع الذي وصل إليه الشأن القبطي الآن بدليل أن المتظاهرين السلفيين صاروا يحاصرون المقر البابوي ويطالبون بعزله ومحاكمته، والحكومة تعجز عن تنفيذ قرارها بتعيين محافظ قبطي لمحافظة قنا! أليست هذه كلها استفزازات للأقباط وأضيف إليها استفزاز آخر خطير ويتمثل في تجاهل الحكومة للأزهر الشريف الذي يعبر عن وسطية الإسلام واعتمادهم بشكل كامل وتام علي الشيخ محمد حسان وزملائه من مشايخ السلفيين لحل أية أزمة طائفية وصار الشيخ محمد حسان يقطع البلاد طولاً وعرضاً ويتحدث للناس وكأنه الحاكم بأمر الله. ويضيف الإكليريكي يونان مرقص، أقباط مصر يشعرون بظلم متراكم منذ أن قال الرئيس السادات: إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ومنذ أن عزل البابا شنودة وحدد إقامته داخل الدير ثم اعتقله وبمرور الزمن وتوالي الأحداث الطائفية زاد إحساس الأقباط بالظلم.. والظلم ظلمات تجعل من فيها يتخبط دون هدي ويرتكب أعمالاً لا تتفق وطباعه فإذا زال الظلم بإقرار العدالة بين أبناء مصر جميعهم وإقرار الدولة المدنية وتنفيذ القانون علي الجميع فلن تجد قبطياً واحداً ثائراً أوغاضباً. سألت القمص عبدالمسيح بسيط أستاذ اللاهوت الدفاعي وكاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد: ما معني أن المسيح قال من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً، بينما نجد بعض المسيحيين الآن يواجهون العنف بالعنف وبعضهم يبدأ هو بالعنف أحياناً؟ فقال ببساطة: معناه إن هذا البعض الذي تقول عنه وصل لمرحلة اليأس. وأضاف: »إذا أردت أن تعرف ما الذي جعل بعض المسيحيين يخالفون تعاليم المسيح فقل لي أولاً ما معني أن القائمين علي البلاد يسمحون بعودة 3 آلاف من قادة الجهاد إلي مصر بعد أن شاركوا في عمليات مسلحة في الصومال والشيشان وأفغانستان، وما معني أن القائمين علي البلاد يلتزمون الصمت حيال البعض ممن رفع علم السعودية في قنا واختاروا أميراً لهم، ثم عندما أراد رئيس الوزراء د. عصام شرف السفر إلي هناك قال لهم: هل تقبلوني ضيفاً عندكم؟! وما معني إطلاق سراح كل السلفيين والإخوان الذين كانوا يقضون فترات حبس داخل السجون علي جرائم ارتكبوها وصدر ضدهم أحكام قضائية؟! وما معني أن رئيس الوزراء يعين محافظاً قبطياً وقبل أن يتسلم الأخير عمله أعلن رئيس الوزراء أنه جمده لمدة 3 شهور؟! عدت أسأله: وما معني كل ما قلته، فقال: معناه باختصار أن البلد رخوة وأن اليد التي تديرها رخوة وهذا هو الذي يشجع علي وقوع كل ما يحدث.