توجد علاقة ارتباطية وثيقة بين الاعتبارات السياسية وطبيعة ومدى كفاءة الأداء الاقتصادى فى أى دولة، ويترتب على ذلك أنه كلما كانت الدولة محققة لدرجة مرضية من الاستقرار السياسى والتوافق الوطنى، فإن ذلك يساعد على تحقيق وتوافر المناخ الإيجابى من وجهة النظر الاقتصادية نتيجة لتوافر الأمن ووضوح الرؤية الاقتصادية والسياسية مما يشجع المستثمر الداخلى على الاستمرار وزيادة وتطوير استثماراته، كما يساعد هذا المناخ الإيجابى أيضاً على تشجيع المستثمر الخارجى على أن يأتى باستثماراته مما يضخ بدماء جديدة فى شرايين الاقتصاد للدولة المعنية ويساعد على زيادة الصادرات وزيادة موارد مهمة من العملات الأجنبية ومكافحة البطالة من خلال توفير مزيد من فرص العمل، ويساعد ذلك أيضاً على تنمية قطاع الخدمات والقطاع السياحي، وتكون النتيجة النهائية دفع عجلة التنمية وتحقيق نتائج اقتصادية إيجابية، ولذلك فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون أكثر دول العالم تقدما ونموا من الناحية الاقتصادية هى فى نفس الوقت أكثر الدول تحقيقاً للاستقرار السياسى وأكثرها ابتعاداً عن الأزمات السياسية الحادة، ولا يُقصد بذلك غياب الصراعات السياسية تماماً فهى من طبائع المجتمعات ومن طبائع العملية السياسية، وإنما يُقصد بذلك الاتفاق على قواعد وآليات لحل ما قد ينشأ من صراعات بالطرق السلمية ووفقاً لإجراءات متفق عليها ومُسَلّم بها من الجميع. وتظهر خطورة عدم التوافق السياسى على قواعد سلمية لحل الخلافات والصراعات فى أن هذا الصراع فى غياب التوافق يمكن أن يمتد بسهولة ويسر من الأحزاب والمؤسسات السياسية والجامعة ودور العبادة إلى الشارع وبحيث يصبح الصراع مشتعلاً بين الشعب والأمن، وبين الشعب والشعب عندما يكون الاحتكام إلى الشارع هو البديل الذى يلجأ إليه الجميع وبحيث يبدو الأمر كما لو أن قدرة البشر على توليد الصراعات أكبر من قدرتهم على حلها مما يؤدى إلى ارتفاع المؤشرات المختلفة لعدم الاستقرار السياسى وحدوث اختلالات أمنية تجعل المستثمر الأجنبى يحجم عن الاستثمار فى مثل تلك الدول التى تعانى من صراعات سياسية حادة واختلالات أمنية، كما تجعل من المستثمر الخارجى يحجم ويمتنع عن الاستثمار فى مثل تلك الدول التى تعانى من عدم الاستقرار وتعرف بيئة تتسم بعدم الوضوح وعدم التيقن، وربما يجد ذلك الوضع تفسيره فى أن المستثمر سواء فى الداخل أو الخارج لديه فرص متعددة للاستثمار ولذلك يكون من الطبيعى أن يضخ استثماراته فى المناطق التى تحقق له الأمان لاستثماراته، وذلك اتساقاً مع المقولة الاقتصادية الشهيرة: «إن رأس المال جبان»، ولذلك فقد لا يكون من قبيل المصادفة أن تكون أكثر الدول توتراً من الناحية السياسية هى أقلها قدرة على جذب الاستثمارات الخارجية أو الحفاظ على الاستثمارات الداخلية. من ناحية أخرى.. تعانى مصر فى خلال عامين أعقبا ثورة 25 يناير من درجة ملحوظة من عدم الاستقرار السياسى عبرت عن نفسها بمؤشرات متعددة مثل أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين لأسباب سياسية والصراع على السلطة بين الأطراف والقوى والتيارات السياسية المختلفة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار المؤسسى والذى عبر عن نفسه فى قِصَر عمر الوزارة كمؤسسة سياسية، وعدم استمرارية مجلس الشعب المنتخب عقب الثورة سوى لأشهر معدودة، وعدم التوافق على بعض مواد الدستور، ورفض قانون مباشرة الحقوق السياسية وما انطوى عليه من تعديلات، فضلاً عما شهدته البلاد من صراع بين مؤسسات الدولة مثل الصراع بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ممثلة فى المحكمة الدستورية العليا، فضلاً عن خلافات أخرى متعددة مثل موضوع النائب العام، واستمرارية الحكومة الحالية، والانتخابات الرئاسية المبكرة، وموضوع الصكوك، بالإضافة إلى موضوع آلية اتخاذ القرار داخل مؤسسة الرئاسة، وكانت محصلة تلك التجاذبات السياسية الحادة هى حدوث درجة من الاستقطاب السياسى غير المألوفة فى مصر أدت نتيجة لهذه القضايا الخلافية إلى مصادمات فى الشارع تتسم بالعنف فى حالات متكررة، وكان الاقتصاد دائماً هو الذى يدفع فاتورة هذا الارتفاع فى مؤشرات عدم الاستقرار السياسى فى شكل تآكل الاحتياطى من العملات الصعبة والذى تراجع بنسبة تزيد على الثلثين فى خلال عامين أعقبا الثورة، كما حدث تراجع فى الصادرات، وانخفاض حاد فى عائدات السياحة نظراً للاضطرابات السياسية والاختلال الأمنى وتراجع فى القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية أو استمرارية الاستثمارات الداخلية الوطنية فى بعض الأحيان، كما تزايدت البطالة وارتبط بذلك أيضاً تزايد المظاهرات الفئوية وطرح ذلك آثاره السلبية الحادة على الأوضاع الاقتصادية فى مصر. الدين أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة