لا أدخل من باب الأخلاق والقيم «الإسلامية» في دولة مصر «الإسلامية» والدين يفرض علي أهله أن يجيروا من استجار بهم!، وألا يسلموه إلي من يترصدونه ويسعون للانتقام منه!، لا أدخل من هذا المدخل ليقيني أن السياسة لا أخلاق لها!، بل هي محض مصالح دائمة ما دام جريان المصالح قائماً!، وفي السياسة - كما نعلم جميعاً - لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة فقط!، و«ونستون تشرشل» ثعلب السياسة البريطانية كان يصف السياسة بأنها «اللعبة القذرة»!، وقد كان لأحمد قذاف الدم رهين السجون المصرية حالياً والمنسق السابق للعلاقات الليبية المصرية علي عهد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الكثير من التزامه بالسلوك والأفعال مما حافظ علي استمرار العلاقات الجيدة بين النظامين: المصري - قبل ثورة يناير 2011 - والليبي قبل ثورة الشعب الليبي علي حكم العقيد القذافي، وهي علاقات توغلت في التعاون بين البلدين إلي آفاق ما كانت تبلغها لولا وجود واحد مثل أحمد قذاف الدم الذي كان يؤمن إيماناً حقيقياً بأن علاقات بلاده ليبيا بمصر قد تمر بتوترات وهزات بين الحين والحين مرتبطة بتقلبات مزاج وأفكار حاكم ليبيا السابق!، لكن أحمد قذاف الدم كان سرعان ما يضع هذه العلاقات المصرية الليبية في نصابها الصحيح الذي يعني بقاءها دائماً فوق كل خلاف، وكان المعروف دائماً أن أحمد قذاف الدم مؤهل في أي وقت لاحتواء أصعب الخلافات والهزات بين البلدين!، وكان ما يراه أحمد قذاف الدم - لنزاهة موقفه وقربه وقرابته من العقيد القذافي - يجد صدي لدي القذافي، عندما يقنعه أحمد قذاف الدم بأن صالح البلدين يقتضي تذويب هذا الخلاف أو ذاك. وعندما طلبت ليبيا الثورة بعد القذافي بعضاً من رموز النظام القديم والذين تصادف وجودهم في مصر، كان علي مصر أن تزن الأمر بما ينفي الأنباء التي تواترت عن صفقة يعقدها النظام الليبي الجديد مع مصر!، خاصة أن النظام الذي طالب بتسليم أحمد قذاف الدم لم يكن عنده أدلة دامغة للرجل!، فلم يثبت أنه قد نزح أموال ليبيا لحسابه في مصر أو خارج مصر!، ولم يكن يشرف مصر في حالة أحمد قذاف الدم أو غيره من الذين يطلبون الأمان في مصر أن يكون استمرار وجودهم في مصر محل صفقات مهما بلغ عسر مصر الاقتصادي، ومهما بالغت ليبيا أو غيرها في تصعيد الثمن!، وأتذكر أن أحمد قذاف الدم كان يعرف عند كثير من الليبيين الكبار الذين التقيت كثيراً ببضعهم أنه «رجل مصر في ليبيا»!، وكان غيابه عن مصر وذهابه إلي بلاده أن هناك ما اضطره إلي الذهاب بسبب عارض أحاط بالعلاقات الطبيعية بين البلدين، خاصة ما يتعلق بأوضاع العمالة المصرية في ليبيا، ولجوء السلطات الليبية إلي فرض الغرامات والترحيل لبعض من هذه العمالة لا تلتزم بالاجراءات المتبعة قانوناً في شئون الاقامة والعمل، أو تشديد الاجراءات من الجانب الليبي عند الحدود المشتركة، والتشديد في مسائل تحويل العملة وغير ذلك!، فكان أحمد قذاف الدم يذهب إلي بلاده ليتدخل بهدف تخفيف ما رأته السلطات الليبية يحتاج إلي التشدد، وكان ملف العلاقات المصرية الليبية يتولاه من الجانب المصري السيد صفوت الشريف، والذي كانت له «تفاهمات عميقة» مع أحمد قذاف الدم، الذي أغني القيادة المصرية السابقة مرات عن إيفاد السيد صفوت الشريف شخصياً للقاء العقيد القذافي في سنوات حكمه، وقد أحسست والقضاء المصري الشامخ قد قضي مؤخراً بمنع تسليم قذاف الدم للسلطات الليبية - أن هذا القضاء قد أحق الحق عندما أكد في حكمه الأمر بتنفيذه بمسودته وبغير إعلان - أن اللجوء السياسي حق قررته مواد الدستور والشريعة، فبدت مصر بهذا الحكم التاريخي مرتفعة فوق الصفقات، ملتزمة بشريعتها الإسلامية.