اتجاه «مرسى» لإيران فى هذا التوقيت له مغزى سياسى خفى غير معلن، وغير ما يقال بأن حكم الإخوان يريد أن ينقل نظام الحكم الإيرانى إلى مصر.. وكلنا يعلم أن النموذج الإيرانى فى الحكم هو أمل «الجماعة»، رغم كل المعارضة المصرية له، وصحيح أن الرئيس «مرسى» لو بيده وحده الأمر لأعلن الجمهورية الإسلامية، لكن المصريين له بالمرصاد، وفى نفس الوقت فإن جماعة الإخوان لا تحمل فكراً شيعياً ولا تفكر فيه. وحتى المصريون لن ينجرفوا إلى هذا الفكر الشيعى، ولن يتأثروا به ولو كان المصريون لديهم ميول شيعية لكانت مصر قد تحولت إلى فكر الشيعة منذ وجود الدولة الفاطمية.. لكنه بمجرد انقشاع حكم الفاطميين عن مصر، اتجه المصريون بعد ذلك إلى المذهب السنى، ووجود الأزهر الشريف فى مصر يمنع فى الأساس أى تشييع للمصريين، لأنه مذهب سنى وسطى لا يعرف أى أنواع من التطرف. ثم إن جماعة الإخوان المسلمين عندما تفكر فى الاتجاه إلى إيران، ليس الهدف هو الانصياع إلى المذهب الشيعى، خاصة لو علمنا أن الجماعة وكل التيارات المنبثقة عنها تحمل فكراً سلفياً سواء كان متشدداً أو وسطياً، فمثلاً الجماعة الإسلامية التى خرجت من رحم الإخوان والفكر السلفى المنتمى إلى مذهب محمد بن عبدالوهاب السعودى الأصلى، توجد خلافات أساسية وجوهرية بين آرائهم ومعتقداتهم وبين فكر الشيعة.. ولا يمكن أن يتم أى نوع من التقارب بين الشيعة والسلفية.. بل إن الجماعة نفسها من الداخل تهاجم بشراسة الفكر الشيعى.. من هنا يجب على المصريين الاطمئنان لعملية التشييع.. وكل ما يقال عنها بشأن المصريين إنما هو عملية سياسية من اختراع الإخوان ومن خرج من رحمهم وأتباعهم وأذنابهم للتغطية على عمليات أشد وأنكى.. إذن فما هى؟1 ليس اتجاه الرئيس مرسى إلى إيران هو تشكيل جمهورية مصرية إسلامية على غرار الجمهورية الإيرانية فحسب، صحيح قد تسعى الجماعة إلى ولاية الفقيه على اعتبار أن مرشد الإخوان هو السلطة الأعلى، كما هو حادث فى إيران، وقد تكون الجماعة مشتركة مع إيران فى مسألة تشكيل الميليشيات والحرس الثورى الإيرانى، وهو نموذج يجد قبولاً لدى الجماعة وأتباعها من المتأسلمين.. كل ذلك وارد، لكن ليس هو الأساس، بل يبقى قضية أخرى وراء اتجاه «الجماعة» إلى إيران فى هذا التوقيت، وكل ما تفعله جماعة الإخوان هو «كموفلاش» للتغطية على الهدف الأساسى والرئيسى، وتترك المصريين يتخبطون فى الرأى وإيجاد تفاسير كثيرة لهذا الاتجاه السريع إلى إيران. الحقيقة أن الرئيس مرسى وجماعته يلجأون حالياً إلى إيران للتغطية على كارثة خطيرة، قد تبدو للوهلة الأولى للمصريين غريبة وغير واردة على الإطلاق، لكنها مع عظيم الأسف هى الحقيقة المرة، التى لايمكن تجاهلها أو التغاضى عنها.. إن «الجماعة» حالياً تبيع مصر بأرخص الأثمان بمعنى أن أمريكا وإسرائيل تضغطان على الجماعة للحصول على أكبر مكاسب وطمعاً فى ضعف قوة مصر وعدم عبورها إلى بر الأمان والوصول بها إلى دولة عظمى فى المنطقة.. ولكن الجماعة تخشى ضياع حلمها الكبير فى الحكم الذى وصلت إليه، فإنها تقدم كل التسهيلات والتطمينات إلى أمريكا وإسرائيل وخير دليل على ذلك ما يحدث فى سيناء التى تسعى إسرائيل إلى توطين الفلسطينيين بها.. وبهذا المنطق توافق «الجماعة» الحاكمة على المقترحات الصهيونية بضياع سيناء.. إذن وما علاقة إيران بهذا؟!.. العلاقة ليست مباشرة فحسب، وإنما هى من باب إلهاء الشعب المصرى عن هذه الكارثة الحقيقية ففى الوقت الذى ينشغل فيه المصريون بمسائل التشييع وخلافه يتم تنفيذ المخطط الجهنمى للصهيونية والمعروف باسم اتفاقية «سايكس بيكو الثانية» الذى يمنح سيناء على طبق من ذهب لإسرائيل وفلسطين!!! ويتزامن ذلك مع الحرب التى أعلنتها الجماعة على جهاز المخابرات المصرية الذى يعرف كل خطوط اللعبة وتفاصيلها، وبالتالى ينشغل الجهاز بهذه الحرب الشعواء التى تسعى إلى تفكيكه وعدم مقاومة ألاعيب الصهيونية، ففى الوقت الذى أعلنت فيه «الجماعة» الحرب على هذا الجهاز الوطنى، يتجه «مرسى» الى اللعب بالاتجاه إلى إيران.. صحيح أن دور مصر الإقليمى يقتضى فيها أن تبنى علاقات قوية مع كل الأطراف فى المنطقة ومن صالح مصر أن تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران لكن ليس بمنطق «الجماعة» التى لا تريد خيراً لمصر أصلاً. يبقى أن مخطط «مرسى» الهادف إلى تثبيت حكم جماعته هو مخطط مكشوف وغير ذى فائدة.. وستكشف الأيام عن ذلك قريباً طالما أن فى مصر جيشاً وطنياً بكل أجهزته يحرس البلاد داخلياً وخارجياً ولا يمكن أن تنال «الأخونة» التى تقوم بها الجماعة. وللحديث بقية