لأول مرة منذ سنوات طويلة تغيب مصر عن الأحداث العربية، وقضايا الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.. ويبدو أن مصر وصلت من الضعف إلي حد عدم القدرة علي إصدار بيان شديد اللهجة تعليقاً علي ما يحدث من تحركات خطيرة تجاه المشكلة الفلسطينية وقيام أمريكا وإسرائيل بتهويد القدس!! الأسبوع الماضي قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة إلي المنطقة بدأها بإسرائيل.. وبغض النظر عن عدم زيارته إلي مصر، إلا أن الزيارة تركت دلائل ومؤشرات خطيرة، وأكدت هواجس كثيرة كانت تدور في عقول المصريين حول العلاقة الغامضة بين أمريكا وجماعة الإخوان المسلمين، وارتباط هذه العلاقة بأمن إسرائيل والقضية الفلسطينية بشكل عام والعلاقة مع حماس بشكل خاص.. هذه الخيوط المتشابكة حل طلاسمها زيارة أوباما وكلمته بمطار بن جوريون بمجرد وصوله إلي إسرائيل عندما أعلن بفخر أن أمن إسرائيل يحتل الأولوية القصوي لدي أمريكا، ثم تحدث عن إسرائيل باعتبارها الدولة اليهودية مؤكدا أكثر من مرة علي الدعم اللامحدود لإسرائيل والشعب اليهودي. أما أخطر ما في زيارة أوباما كان توجهه إلي القدس وحديثه منها باعتبارها عاصمة إسرائيل، في تحد صارخ لكل القرارات الدولية ومشاعر المصريين والعرب، إضافة إلي محاولته لإضفائه الشرعية علي الاحتلال الإسرائيلي للقدس.. وكلنا يعلم أن كثيرين من الرؤساء الأمريكان هربوا سابقا من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حتي لا يثيروا غضب مصر والعالم العربي.. أما الأغراب هو أن تنتهي هذه الزيارة بصمت مصري تام علي المستوي الرسمي، ولم يخرج تصريح واحد علي لسان رئيس الجمهورية، أو من المتحدث باسم الرئاسة أو عن وزارة الخارجية لإدانة هذا التوجه الأمريكي، والتأكيد أن القدس عربية وسوف تظل هكذا، كما كان يفعل النظام السابق علي أقل تقدير!! هذا الصمت المريب والغريب من الجانب الرسمي المصري، ومن جانب جماعة الإخوان المسلمين جاء ليؤكد طبيعة العلاقة الخاصة بين أمريكا والجماعة، وجاء مواكبا مع تصريحات قيادات حماس التي سارعت بنفي علاقتها بإطلاق صواريخ من غزة تجاه إسرائيل وتأكيدها أكثر من مرة علي التزامها وكل الفصائل بعدم القيام بأي أعمال تجاه إسرائيل.. وعندما أعلنت جماعة مجلس شوري المجاهدين السلفية مسئوليتها عن إطلاق 4 صواريخ قامت أجهزة الأمن التابعة لحماس بهجمة علي معاقل السلفيين في غزة واعتقال عدد من أعضائها!! هذه الدلائل وغيرها مثل تصريح اللواء جاي بيتون قائد كتيبة شاجي المتمركزة علي الحدود مع سيناء الذي قال إن التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل علي أعلي مستوي وهو الأفضل علي الإطلاق، وأفضل من العهد السابق للرئيس مبارك، مشيرا إلي انه يشعر أن هناك تنسيقا كاملا بين القادة السياسيين في كلتا الدولتين.. يؤكد أسباب انبطاح النظام المصري أمام إسرائيل وأمريكا مقابل وصوله واستمراره في السلطة!! علي جانب آخر تعالت هذه الأيام الصيحة القطرية وبدأت في الحديث عن تدويل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي جري العرف أن يكون مصريا، كما دعت أن يكون باقي المناصب لكل الدول العربية، وهددت الدول التي لم تدفع حصتها المالية للجامعة، ثم طالبت بنقل المقر من التحرير إلي القاهرةالجديدة، وربما تطالب فيما بعد بنقلها من مصر، ونسيت قطر أن هذه الجامعة نشأتها مصر بأموالها وعلي أرضها ومدتها بالعقول والكفاءات المصرية بهدف حماية وتوحيد الأمة العربية قبل أن تنشأ بعض الدول!! باختصار.. هذا الضعف المصري والصمت المريب أمام كل ما يهين مصر يؤكد أن مصر التي يرقص علي جسدها بعض الأقزام ويلفظها بعض الجيران.. ليست مصر الحقيقية التي نعرفها وشربنا تاريخها ونفاخر بها.. مصر غابت لأن الجماعة هي التي تتصدر المشهد، وهذا هو قدر وقيمة الجماعة التي فضلت نفسها علي مصر وقبلت كل هذا الهوان وتعاونت مع الشيطان والأقزام من أجل السلطة والحكم.