ما حدث من تحرشات جنسية مفضوحة ضد الثائرات الفضليات في ميدان التحرير وصمة عار علي جبين مصر، لأنها محاولة لكسر إرادة وعزيمة نساء مصر بعد خروجهن وإعلان غضبهن ضد تكبيل مصر وتقييد حريتها.. ولكن المدهش هو ظهور نوعية أشباه الرجال ممن وافقوا علي القيام بدور المتحرش بالأجر، والذي يتعفف الحيوان من القيام به، ولكن من سخريات الأقدار أن أصبح في مجتمعنا مهنة «متحرش بالأمر المباشر»!! إذ كيف لإنسان كرمه الله بنعمة العقل أن يقدم علي انتهاك واستباحة خصوصية جسد المرأة؟ ثم كانت المصيبة الأكبر أن ثقافة المجتمع المريض لامت النسوة اللاتي تم التحرش بهن بحجة إيه اللي أخرجهن إلا إذا كن يردن التحرش بهن؟! المجتمع أصبح يعاني من خلل اجتماعي وثقافي رهيب وشيزوفرينيا بين الشكل والمظهر الخارجي وبين الجوهر والخواء الداخلي، فأصبح مجتمعا يعالج مشكلاته بالكوارث والمصائب والتحرش الجنسي. ولهذا لا نستطيع أن نحصي كم الجرائم التي تحدث باسم الشرف في مجتمعنا؟ وكم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الشرف؟! فجرائم القتل التي ترتكب ضد المرأة واسم الشرف كثيرة ومتعددة ولا يتم اخفاؤها!! بل الاعتراف بها والاستعداد لتقبل الإدانة مهما كانت العقوبة وقسوتها «سجن، إعدام» بحجة تفريط الأنثي في شرفها، سواء اغتصابا أو بإرادتها.. المهم أن الأنثي هي الضحية المجني عليها في الحالتين سواء كان التفريط رغما عنها أو بكامل إرادتها!! والرجل القاتل قد يفتخر به أهله وعشيرته لأنه انتقم لشرفه وأصبح ذئبا جانيا وليس الشاة الضحية.. بعدما اختزل الرجل شرفه وشرف عائلته وعشيرته في شرف قريباته من النساء! بل في الجزء السفلي للأنثي. لا.. بل في ورقة التوت التي تسقط عن المرأة التابعة لعائلته وقبيلته!! ولا أحد ينكر أن هتك عرض الأنثي أو اغتصابها أو قيامها بذلك بكامل إرادتها يخلف أضرارا نفسية واجتماعية بشعة ومؤثرة ليس عليها فقط بل علي كل المحيطين بها، وقد تعاير العائلة أجيالا وأجيالا بهذه الأنثي التي فرطت في شرفها. ومع هذا يفعل الرجل الشرقي ما يشاء باعتبار أنه ليس له شرف يحميه.. لأنه يعتمد في حماية شرفه علي نساء العائلة كزوجته وأخواته وبناته وبنات عمومته وأخواله وعماته وخالاته.. إلخ. فهؤلاء هن اللاتي يحمين شرفه وشرف العائلة كلها!! ذلك لأن المجتمع المريض أورثه معتقدات ظالمة ترسخت وتجذرت في ثقافته ووجدانه مفادها أن جسد المرأة ملك لجميع من في القبيلة والعائلة، وذلك حسب العرف والتقاليد وليس ملكها هي! تلك المسكينة التي قد تذبح علي مذبح شرف العائلة. مما جعل المرأة ضحية لمعتقدات اجتماعية وقبلية خاطئة تجعلها هي المخطئة دائما مع أن خطيئة الشرف لابد لها من طرفين رجل وامرأة!! ولم يكتف المجتمع بهذا بل جعل الرجال أحرارا طلقاء رقابهم في السماء لأنه ينظر الي خيانتهم وتفريطهم في جسدهم وسفالتهم وانحطاطهم في الرذيلة بالرجولة والفحولة، بل ويدعمها بكل فخر وإعزاز. فيما يري أن خيانة المرأة فضيحة وانكسار وذل وعار.. مع أن المولي عز وجل لم يستثن الرجل من جريمة الشرف وقال في كتابه الكريم: «الزانية والزاني» عندما حدد العقوبة في تلك الجريمة ولم يقل الزانية فقط.. ولكن المجتمع يحاسبها علي شيء لم يعطه لها! فالرجل الشرقي احتكر الشرف لنفسه ولبني جنسه.. فلا نجد رجلا يقول عن نفسه أنه رجل عفيف، ولكنه يقول: رجل شريف حتي ترسخ ذلك عند المرأة ولا نجد من تقول عن نفسها.. انها امرأة شريفة، بل تقول إنها «عفيفة» وإذا زايدت علي شرفها وسمعتها تدعي أنها أفضل من مائة رجل!! وهي كاذبة في ذلك وتكاد تتقطع من داخلها عندما تصف نفسها أو يصفها أحد بالرجولة.. ولكنها مقهورة مسكينة ومغلوبة علي أمرها فتزايد علي شرفها وسمعتها اللذين هما في الأصل ملك لعائلتها بحكم تقاليد مجتمع ظالم ويكيل بمكيالين وعجبا كل العجب! امرزة واحدة تخطئ وبهذا الخطأ تفقد العائلة شرفها بالكامل، ورجال العائلة بأكملها يعربدون ليل نهار، ولا يحاسبهم أحد؟! فالرجل يرتشي، ويكذب ويقامر، ويلاوع ويخادع ويتآمر ويخون ويغش ويدلس ويتحرش و.... و.... و.... ومع هذا فهو في نظر نفسه ونظر المجتمع رجل شريف!! طالما أن العفة ضريبة مفروضة علي الأنثي وحدها تدفعها نيابة عن كل رجال عائلتها وأهلها وعشيرتها!! وبعد تأكد الرجال أن المرأة تعيش في مجتمع يعاني أزمة شرف لأنه لم ينتفض ضد ما حدث من انتهاكات صارخة تمت ضد نسائه لأنهن رفضن الاستسلام والمهانة فكشفن صمت الرجال وعجزهم واستسلامهم ويأسهم من المطالبة بمستقبل أفضل لهم ولنسائهم وأولادهم فكان علي المرأة دفع الثمن.. ووجدنا من يغض الطرف ويسد الأذن ويربط اللسان نحو المتحرشين بالأمر المباشر.