في إطار تحليله للمشهد المصري، رأى "كون هالينان"، المحلل الاستراتجي بمعهد "فورين بوليسي إن فوكس" الأمريكي للأبحاث، أن خطة أمريكية تهدف لدفع الأمور في مصر نحو انقلاب عسكري على حكم الرئيس المصري محمد مرسي.. أدوات المؤامرة هي صندوق النقد الدولي التي تمتلك الولاياتالمتحدةالأمريكية نفوذا واسعا في وضع سياساته، يكاد يفوق ما عليه نفوذ بريطانيا وفرنسا مجتمعتين داخل المنظمة الدولية. فصندوق النقد الدولي يشترط على مصر اتباع سياسة تقشفية وتحرير للأسعار، إذا ما أرادت الحكومة المصرية الحصول على قرض الصندوق البالغ 4 مليارات دولار. وتصرّ الولاياتالمتحدة على مصر للسير بسياسة صندوق النقد إذا أرادت القاهرة دعم واشنطن لها. ويبدو أن مرسي بين نارين، نار التدهور المتسارع للاقتصاد في ظل الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، ونار تحرير الأسعار ورفع الدعم، وهو ما سيفاقم من تزايد الاضطرابات في الشارع. نعود للمحلل هالينان، الذي يرى في إصرار الصندوق على سياساته الحالية لمساعدة مصر أمراً مثيراً للحيرة، حيث إن خطة الصندوق الإنقاذية تتعارض مع دراسة أجراها مؤخراً كبير الاقتصاديين بالمنظمة، "أوليفر بلانشارد". تخلص الدراسة إلى أن الإنفاق التحفيزي أكثر فعالية في إنعاش الاقتصاد من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب التي لن تؤدي إلا لتفاقم حالة الركود في المجتمع. وفي حال اعتماد مصر خطة الصندوق فإن عدد المتضررين اقتصادياً سيزداد، وسترتفع نسب البطالة، وسينكمش الاقتصاد، ومع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بعد رفع الدعم عنها، سيكون مرسي صنع ضده ثورة شعبية حقيقية هي أقرب ما ستكون إلى "ثورة الجياع" التي تبشر بإرهاصات ولادتها أقطاب المعارضة حالياً. وإن كنت لا أميل إلى منطق المؤامرة في الغالب، إلا أني سأفترض صحة ما ذهب إليه المحلل الأمريكي " كون هالينان" في أن الولاياتالمتحدة تهدف أصلاً إلى زج الجيش المصري في الصراع السياسي تمهيداً لانقلاب عسكري ضد حكم الإسلاميين. أقول: لنتخيل وفق هذا السيناريو المُعد ما الذي يمكن أن يحصل في مصر والدول العربية؟ سيحصل الانقلاب العسكري في مصر إذا ما استمرت الأزمة على ما هي عليه.. وهذا سيعني قضاءً تاماً على التجربة الديمقراطية التي سيعلن عن وفاتها ومراسيم دفنها لاحقاً.. ولا أظن أن الأمر سيتوقف عند هذه النقطة، أي إقصاء الإسلاميين عن الحياة السياسية واستقدام نخب حاكمة جديدة هي أقرب إلى التوجهات الليبرالية أو اليسارية، بل سيتم زجّ جماعة الإخوان وأخواتها من أنصار تيار الإسلام السياسي في السجون مرة أخرى، ومع العنف الممارس ضد التيار الإسلامي، ستخرج من رحمه مجموعات غاية في التشدد والتطرف وستلجأ إلى العمل السري والعسكري حرصاً على استعادة حق سُرق منها. وهذا يعني بشكل أو بآخر دخول المجتمع المصري في حرب أهلية لن تستكين إلا بتفتيت مصر إلى عدة دويلات مع بروز النزعات الانفصالية عند الأقليات الدينية والعرقية. الحريق لن يبقى في مصر، بل سيتمدد إلى جميع الدول العربية قاطبة، حيث ستزداد القبضة الأمنية لأجهزة الاستخبارات في ملاحقة الإسلاميين خوفاً من تكرار السيناريو المصري، في الوقت الذي سيرتد الإسلاميون في هذه البلدان عن ممارسة الديمقراطية إلى منطق الغلبة السياسية والاستعانة بالقوة العسكرية لتطبيق برامجهم السياسية والاجتماعية في المجتمع. بمعنى آخر وقوع اقتتال أهلي في كل بلد عربي على غرار ما يحصل في سوريا حالياً.. ومع تعميم النموذج ستغرق المنطقة في موجة دموية من القتل والتهجير والتنكيل والتدخل الدولي الذي سيقترح إعادة رسم جديد لخريطة المنطقة، سيكون "سايكس- بيكو2 ". إسرائيل التي تعاني اليوم قلقاً وجودياً سببه العامل الديموغرافي الفلسطيني داخل إسرائيل وفي مناطق الضفة، ستكون في العالم الجديد الدولة الأكبر حجماً والأكثر تفوقاً بعد التقسيم الذي طال الدول العربية والدمار الذي أنهك مقدراتها. وهكذا ستتخلص إسرائيل من قلقها الوجودي وتجد نفسها ومن يدعمها غربياً مؤهلة لإعادة المنطقة إلى دائرة الانتداب بعد أن لاح أمل هذه الشعوب في التحرر من الديكتاتورية والتبعية. مرة أخرى، وأرجو أن أكون مخطئاً، أقول: إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد إجهاض الديمقراطية في العالم العربي وإعادة رسم المنطقة لتكون إسرائيل فيه صاحبة السيادة وبعيدة عن أي تهديد، فليس من مخطط أمثل وأسهل من إقصاء الإسلاميين عن الحكم قسراً، ودفعهم لحمل السلاح في وجه من يريد حرمانهم من حقهم في الحكم..وإن غداً لناظره قريب. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية