مصر مكتئبة، مأزومة، مطلوب احترام غضب الشعب، الناس قامت بثورة، وبعد عامين لم تجد نتائج.. لا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية.. حقوق الانسان حالياً أسوأ من عهد مبارك.. السياسة عاجزة عن تقديم شيء مفيد للشعب خلال عامين، العنف ومسلسل الإفلات من العقاب ضاعف من حالة الإحباط عند المواطنين، اكتشفوا انهم اسقطوا نظاما سيئاً ووقعوا في قبضة نظام أسوأ، قلعوا مبارك، وزرعوا مبارك آخر، لم يزرعوا «مرسي» بأيديهم فرضته سياسة الإقصاء والاستحواذ واستغلال الأوضاع السيئة والأوقات غير المناسبة للاستحقاقات السياسية. نعيش حاليا إرهاصات استحقاق جديد، أيام قليلة ويتم فتح باب الترشح لانتخابات مجلس النواب وسط أجواء غير مسبوقة يسقط فيها الشهداء كل يوم، وفي ظل «عصيان مدني» في العديد من المحافظات احتجاجا علي الأوضاع المتردية والسؤال هل مقاطعة الانتخابات أفضل لأن الوضع السياسي العام سييء أم خوضها أفضل لإصلاح الوضع السياسي السيء! المشاركة طبعاً هي الأساس في العمل السياسي والمقاطعة ليس قراراً طبيعياً. هل معني ذلك أن جبهة الإنقاذ أخطأت عندما قررت مقاطعة الانتخابات والذين رحبوا بإجرائها في هذا الوقت علي صواب، هذه القضية هي الأهم علي جدول الجدل السياسي هذه الأيام منذ أن أعلن الرئيس مواعيد اجراء الانتخابات وأعلنت اللجنة العليا عن فتح باب الترشح يوم السبت القادم. وقبل أن نتحدث عن سلبيات المقاطعة وإيجابيات المشاركة لابد أن نسأل هل البيئة السياسية والاجتماعية مناسبة لإجراء هذه الانتخابات، وهل الظروف مناسبة لذهاب الناس إلي الصناديق، طبعاً لا. الانتخابات تدفع الشعوب للإستقرار لكن لا يحدث ذلك في ظل التوتر. البيئة الاجتماعية والسياسية غير مهيأة، ولا تحقق تمثيلا حقيقيا لمصالح المواطنين، التوترات الاجتماعية تستدعي اعادة النظر في الجدول الزمني للانتخابات مطلوب أولاً إصلاح البيئة السياسية والاجتماعية لتكون مناسبة لإجراء الانتخابات. السياسة فن الممكن نعم والحضور أهم من الغياب، لكن القواعد المنظمة للعملية السياسية غائبة، وهناك توترات اجتماعية تستدعي إعادة النظر في الجدول الزمني للانتخابات، وتهيئة البيئة التي تشعر المواطنين بالانجذاب للمشاركة حتي تحقق الانتخابات وظيفتها في تمثيل مصالح الناس. نعم هناك ضرورة وأهمية لبناء مؤسسات الدولة، ومجلس النواب هو أحد أهم هذه المؤسسات ليستقيم التشريع والرقابة علي الحكومة، وهذا ليس خافياً علي شركاء العمل السياسي لكن كيف تجري الانتخابات في هذا الجو الملتهب والمحتقن والمتوتر، كيف نتحدث عن انتخابات مثلا في المنصورة وبورسعيد والسويس والإسماعيلية والغربية وغيرها من المحافظات التي رفعت راية العصيان احتجاجا علي فشل النظام الحاكم الإخواني في تحقيق هدف واحد من أهداف الثورة، وأصبح جل همه هو الاحتفاظ بكرسي السلطة علي حساب دماء المصريين التي تسيل كل يوم وفي كل مكان، وتحول أجهزة الداخلية إلي وحش ينهش أجساد المواطنين ويضربهم بقنابل الغاز استيراد أمريكا. نحن أمام نظام فشل في القصاص لدماء الشهداء، وتورط في قتلهم، وتحول إلي نظام دموي وقمعي يحاول استغلال حالة الضعف والوهن والتردي الاقتصادي والاجتماعي والانفلات الأمني لإجراء انتخابات مشكوك في نزاهتها لاعتمادها علي قانون مطعون في دستوريته، ووسط هذا الكم من المشاكل والتوتر، للاستيلاء علي السلطة التشريعية واستكمال مشروعه في أخونة الدولة. هذا النظام أدمن الكذب علي المواطنين منذ وصوله الي الحكم، ولا يملك مشروعاً لاخراج البلاد من أزماتها، أعد دستوراً اقصائياً لا يعبر عن جميع فئات الشعب، وأسرع في طرحه للاستفتاء بحجة أن الخير سيأتي بعد تطبيقه، وبعد مرور شهرين تضاعفت الأزمات، وأصيبت الحياة السياسية والاجتماعية بانسداد في الشرايين، وتقهقرنا للخلف، وتضاعفت نسبة الفقر، وانهارت العملة المحلية وتوقفت عجلة الانتاج، وها هو النظام يكذب مرة أخري ويجر الناس الي انتخابات برلمانية في وقت ملتهب وأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة للسطو علي السلطة التشريعية، والله هذا عبث ما بعده عبث.