دائما ما يكون العامل المشترك لأى مقاطعة سياسية للعملية الانتخابية، هو فقدان النزاهة وغياب الشفافية والضمانات الحقيقية لإجراء انتخابات سليمة. فضلاً عن استبداد النظام الحاكم برأيه وقراره مما يستدعى المعارضة لاتخاذ قرار المقاطعة، فما اتخذته جبهة الانقاذ الوطنى من الانسحاب من السباق الانتخابى لم يكن جديداً, فتاريخ الحياة السياسية حافل بالمقاطعات.. للمرة الثالثة في تاريخ الحياة السياسية المصرية المعاصرة والقائمة على التعددية الحزبية وتنوع الاتجاهات السياسية.. تقرر قوى معارضة رئيسية مقاطعة العملية السياسية في مصر، منذ أجريت أول انتخابات تشريعية في البلاد على أساس حزبي عام 1979 حيث قررت من قبل جماعة الإخوان المسلمين «النظام الحاكم الحالى» وحزب الوفد، الانسحاب من الانتخابات ومقاطعة جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت فى 2010 قبل الثورة بشهرين على الأكثر، وفى ذلك الوقت صرح محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن «قرار الانسحاب جاء كخطوة احتجاجية على ما حدث في انتخابات الجولة الأولى، وأن عدم مشاركتهم في هذه الجولة الانتخابية لا يعني تغييراً في استراتيجية الجماعة الثابتة بالمشاركة في جميع الانتخابات، ولكنه موقف فرضته الظروف الحالية» وبذلك يكون هذا القرار هو الأول من نوعه ك»انسحاب» من العملية الانتخابية بعد قرار المشاركة فيها، والثاني من حيث مقاطعة البرلمان في تاريخ المشاركات الحزبية في الانتخابات المصرية. حيث كانت المقاطعة الأولى لانتخابات مجلس الشعب التي جرت في أكتوبر عام 1990، حين قرر عدد من الأحزاب والقوى الرئيسية في ذلك الوقت، يتقدمها (الوفد، الأحرار، العمل، وجماعة الإخوان المسلمين)، مقاطعة الانتخابات، احتجاجا على إلغاء نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية النسبية عام 1987، والعودة إلى نظام الانتخاب الفردي الذي كان معمولا به قبلها. وعلى الرغم من أن بعض المراقبين اعتبروا أن قرار المقاطعة عام 1990 هو قرار صائب، لأن التجربة أثبتت أن نظام القوائم أفضل لتنشيط الحياة الحزبية في مصر، فإن آخرين قالوا إن المقاطعة الحزبية لانتخابات 1990، قلصت حصة أحزاب المعارضة مجتمعة من نحو مائة مقعد إلى أقل من عشرين مقعدا في الانتخابات التي تلت المقاطعة، بسبب غيابها عن الحياة السياسية طيلة هذه الفترة. ومنذ أن صدر قانون رقم 40 لسنة 1977 والذي قرر تدشين نظام الأحزاب السياسية في مصر، أجريت في عام 1979 أول انتخابات تشريعية على أساس حزبي، وفي 14 من أكتوبر 1981 تولى الرئيس السابق محمد حسني مبارك رئاسة الجمهورية، وبدأت مصر تتجه نحو إطلاق الحريات العامة، حيث أدخلت عدة تعديلات بقوانين على نظام انتخاب مجلس الشعب.. حيث تم إقرار نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية والتمثيل النسبي عام 1983. وفي عام 1986 صدر قانون بتعديل نظام الانتخاب على أساس الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردي، غير أن التجربة فشلت، وتم العودة إلى نظام الانتخاب الفردي في عام 1990. أما عن حزب الوفد تحديدا فنجده دائما يبدأ هو بسلاح المقاطعة للانتخابات احتجاجا على استبداد النظام و يحتل موقعاً فريداً في السياسة المصرية،وسباق فى اتخاذ خطوة الانسحاب والمقاطعة الابرز كانت عندما قرر عدد من قيادات الحزب و رئيسه الدكتور السيد البدوي على الانسحاب من جولة الإعادة للانتخابات البرلمانية بعد جولة أولى سيئة شابها الكثير من التجاوزات وخرج منها الوفد بالمقاطعة رغم الضغوط الرهيبة التى مارسها الحزب الوطنى لإعادة الوفد للانتخابات2010. والان جاء قرار جبهة الإنقاذ الوطني مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، وتضم الجبهة كلا من: حزب مصر الحرية وحزب الدستور وحزب الجبهة الديمقراطي وحزب التجمع والحزب الناصري وحزب المصريين الأحرار وحزب الوفد وحزب المؤتمر، وجميعها قررت بالأغلبية المقاطعة. كما أعلنت حركة6 إبريل علي لسان مؤسسها أحمد ماهر في تصريحات صحفية, مقاطعتها للانتخابات البرلمانية المقبلة، كي لا تكون المشاركة هدية ل الإخوان, حسب رأيه. كما قرر، المكتب السياسي لحزب الكرامة في اجتماعه مقاطعة انتخابات مجلس النواب القادم، مبررا ذلك بعدم توفر ضمانات لانتخابات نزيهة . وفى نفس السياق أكد عضو الهيئة العليا لحزب الوفد المحامى أحمد عودة أنه على مدار تاريخ مقاطعة الانتخابات البرلمانية كانت لغياب نزاهة النظام الحاكم, ودائما مايحاول مؤيدو النظم تمرير سلبية المقاطعة كأسلوب فى مهاجمة المعارضة ولكن هو سلاح ليس بسيط كما يدعوون لانه سلاح فعال للاحتجاج على الخلل والتزوير لإرادة الجماهير , وفى هذه المرة نحن أمام دستور عليه مطاعن كثيرة وقانون انتخابات معيب , فضلا عن الخلل الامنى وعدم الاشراف القضائى الكامل , وخاصة ان هناك 90 % محتجين ولم يشاركوا فى انتخابات يحيطها ظروف قهرية وغير مهيأة بسبب العصيان المدنى. وأشار الى أنه عند انسحاب الوفد فى عام 1989 اشترطت المعارضة الاشراف القضائى , وتكرر التزوير فى 2010 مما دعا الوفد للانسحاب, وكانت هى مقدمة للثورة ضد الحزب الوطنى , وهناك أوجه تشابه بين كل انسحاب وهو سوء تخطيط ونية مبيتة للتزوير, والاختلاف الحالى هو الزج بعدد من الأحزاب المحسوبة على التيار الدينى ليكون ديكورا فى الحياة السياسية. أوضح الكاتب الصحفى صلاح عيسى أن المقاطعة تبدأ من الاحتجاج على النظام الاستبدادى او انقلاب دستورى او غياب ضمانات لنزاهة الانتخابات , وعن تاريخ المقاطعة فقد بدأت عام 1931 عندما احتجت احزاب المعارضة على الغاء دستور 1923 فى عهد اسماعيل صدقى واستبداله بآخر, وكان هذا الدستور يضيق من خصائص البرلمان ويوسع من سلطات الملك فقررت الأحزاب السياسية وعلى رأسها الوفد مقاطعة الانتخابات البرلمانية بسبب اصرار صدقى على قراراته. وتكرر موقف المقاطعة عام 1937 عندما تم إقالة حكومة الوفد بشكل غير دستورى , كما قاطع الوفد الانتخابات عام 1944 أيضاً. شوقى السيد الفقيه الدستورى أكد على ضرورة المقاطعة لعدم المشاركة فى المسرحية ،العبثية للانتخابات والتى بدأت بمجموعة من الخطوات الباطلة منها الجمعية التأسيسية والحوارات المتكررة وغير المجدية بالاضافة الى عدم الالتزام بالقرارات والتوصيات الخاصة بهذه الحوارات، بالإضافة والتقسيم الخاطئ للدوائر الانتخابية وكذلك قانون الانتخابات وتوقيتها . ويرى السيد انه لا فائدة من المشاركة فى الانتخابات ،معتبرا المقاطعة صورة من صور العصيان المدنى ،وان الغضب الشعبى يتصاعد وان جميع الشواهد تؤكد ان مصير الانتخابات هو البطلان والفشل وازدياد حالة الغضب والاحتقان الشعبى ،خاصة بعد تأكيد النظام الحاكم على الاستحواذ على السلطة وعدم الاستماع لقوى المعارضة. ووصف الناشط السياسى جمال اسعد مقاطعة الانتخابات رغم أنها موقف سلبى إلا أن الظروف السياسية الكائنة على أرض الواقع تجعل منها ضرورة خاصة بعد اعتراض القوى المدنية على قانون الانتخابات وتمسك الحكومة به وعدم وضع التعديلات الخاصة به ،واضاف اسعد ان دعوى مقاطعة الانتخابات تذكر بمقاطعة انتخابات 2010 حيث الزمت الظروف السياسية فى ذلك الحين الى المقاطعة والتى أدت بالفعل الى نتائج ايجابية. وشدد أسعد على ضرورة ان تكون المقاطعة بالنزول الى الشارع وليس بالقول او مقاطعة الترشح، ويجب على التيارات السياسية ان تستغل الظروف السياسية الحالية خاصة ان هناك قطاعاً كبيراً من الشارع المصرى اصبح مدركا لما يحدث فى البلاد وان جماعة الاخوان فقدت مصداقيتها فى الشارع المصرى. وأكد أسعد على أن المقاطعة الحقيقية فى النزول الى الشارع فضلا عن مقاطعة الترشح مشيرا الى ان المقاطعة بهذا الشكل تبطل المجلس.