نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالا لفضيلة الدكتور علي جمعة – مفتي الجمهورية- الذي نشرته وكالة رويترز العالمية الخميس الماضي، والتي عبر فيها عن شعوره بالتفاؤل والأمل لمصر وشعبها، رغم ما يقوله العديد من الناس عن أن مصر تخوض وقتا عصيبا. وقال فضيلته فى مقاله: "لقد مضى عامان فقط بعد ثورة 25 يناير، وشهد هذان العامان بالفعل تحديات ومصاعب جمة، وعلى الرغم من أنه يبدو أننا لا نزال نعاني، فإننى أعتقد أنه لا بد من أن نتعاون معا لجعل مصر قوية ومستقرة ومستقلة، ومع ذلك سيظل هناك خلافات بين الأحزاب السياسية وقطاعات المجتمع، كنتيجة طبيعية للديموقراطية التي نشهدها ". ودعا الدكتور علي جمعة كل القادة السياسيين والحزبيين إلى تنحية مصالحهم الفردية جانيا، وأن يعملوا سويا ويضعوا مصالح البلاد والعباد فى المقدمة، مؤكداً أن الاستقرار السياسى سيمهد الطرق للنمو الاقتصادي وتنمية قطاعات متنوعة في مصر. المؤسسة الدينية والتغييرات السياسية وأكد مفتي الجمهورية في مقاله أن المؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر لم تكن بمنأى عن التغييرات والتطورات الهائلة التي أعقبت ثورة يناير في مصر، حيث استطاعت المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر الشريف في الحصول على مزيد من الاستقلال عن الدولة ذاتها، لافتا إلى أن هذه الخطوة توقعها منذ عدة سنوات حينما عمل على استقلال دار الإفتاء عن وزارة العدل. ونتيجة لهذا الاستقلال الأكبر فإن الأزهر ساهم بدوره التاريخي والوطني في المشهد الديني في مصر. وهذا الاستقلال المزدهر سمح لنا فى الأزهر بوضع خطط محددة لتعزيز مكانته والوصول إلى جميع أنحاء العالم. وتضمن هذا خططا لإطلاق قناة فضائية لنشر الرسالة الحقيقية للإسلام المعتدل من طبيعة الإسلام في مصر، وعندما تبدأ القناة بثها ستقدم خدمة كبيرة فى مواجهة الآراء المضللة التى تملأ القنوات الفضائية المتعددة اليوم وتنصرف عن المعنى الحقيقى للإسلام. ويمضى فضيلة المفتى قائلا: "لعل النتيجة الأكثر أهمية لهذا التطور هو استعادة مجلس هيئة كبار العلماء الشهيرة. فهذه الهيئة الآن أصبحت كيانا كاملاً له ميثاقه وقوانينه الخاصة. وهى الآن الهيئة العليا فى الشئون الإسلامية فى مصر وفقا للدستور الجديد، وهى فى مأمن من التدخل الحكومى وتوجهات الأحزاب السياسية. ونتيجة لذلك، اكتسبت ثقة الشعب المصرى، وهذا سيمكنها من توسيع دورها ليس فقط فى مصر ولكن فى جميع أنحاء العالم". وأوضح المفتى أنه عضو فى هيئة كبار العلماء، وقال: أستطيع القول بصدق كامل إن الأعضاء ال26 للمجلس عازمون على تحويله إلى مؤسسة ذات مستوى عالمى. واعتبر الدكتور علي جمعة في مقالة ب"واشنطن بوست" أن العملية الحرة والمحترفة لانتخاب المفتى القادم أحد المؤشرات على أن هيئة كبار العلماء لها ولاية مستقلة دون أى تدخل من الخارج. وأكد على أن هذا الإجراء هو علامة بارزة فى المؤسسة الدينية، ويمنح المفتى نفسه فرصة كبيرة لإدارة دار الإفتاء بحرية، وبالطريقة التى يراها مناسبة. وتحدث فضيلة المفتي أيضا في مقاله عن مشيخة الطرق الصوفية بين المؤسسة الدينية، ووصفها بالخزان الكبير للروحانية والتدين فى مصر، وقال إنها تعد دعامة هامة للمؤسسة الدينية، وتغرس بانتظام الروح والإنسانية. وقال: "يسرنى القول إن هذه المؤسسة أيضا تتبع النهج، وتخطط للقيام بتغييرات واضحة مثل تنمية البنى التحتية وتنظيم الطرق الصوفية، حتى تستطيع أن تستمر فى لعب دورها الحيوى فى الحياة الدينية فى مصر. ولهذا، أمضى أيامى الأخيرة فى منصبى بشعور كبير بالتفاؤل والحماس والثقة فى قدرة مصر على النمو فى الإيمان والرخاء". تطوير دار الإفتاء وأكد مفتي الجمهورية على أن فرصة الخدمة فى هذا المنصب كانت شرفًا كبيرًا له زاد من خلال العلاقات الرائعة التى تمكن من زرعها داخل فريق دار الافتاء، وفى المجتمع المصرى والعالم. وأعرب عن تطلعه للاستمرار فى ترسيخ وتطوير هذه العلاقات بصفته عضوا فى هيئة كبار العلماء بعد انتهاء فترة عمله. كما أعرب عن تمنياته بالتوفيق والنجاح لخلفه فى هذا المنصب فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي عبد الكريم، في أداء هذا الدور المهم للغاية لكل ممارسات الحياة الدينية اليومية، وإرشاد ملايين المصريين. وشدد فضيلته على ثقته الكاملة فى أن المفتي الجديد سيواصل قيادة هذه المؤسسة الهامة إلى آفاق أكبر ويحمل إرث الإمام محمد عبده في التجديد والتطوير. وأكد الدكتور علي جمعة أنه يفتخر بأنه ترك لخلفه مؤسسة حيوية لديها منافسون قليلون فى نطاق العمل الهائل الذى تقوم به. فدار الإفتاء لم تعد ببساطة موقعا لإصدار الفتوى. فبينما يظل هذا عنصرا أساسية لهويتها المؤسسية، إلا أنها أيضا منظمة متعددة الأوجه تقوم بالأبحاث والتواصل وتدريب قادة المستقبل، والتنسيق مع المنظمات الدولية لنشر رسالة السلام والوئام والرحمة التى تحدد الإسلام. وتحدث فضيلته كذلك عن التغيير الذي أحدثه فى دار الإفتاء، وقال إنه واجه صعوبات لتحديث الإجراءات والبروتوكولات والهيكل التنظيمى للدار. وختم الدكتور علي جمعة مقاله في "واشنطن بوست" قائلا: "إن هدفه كان دوما أن تنمو دار الإفتاء كمؤسسة مستقلة لها نظامها الخاص من الإدارة والميزانية، وحياة فكرية نابضة تتواصل مع الناس من كل قطاعات المجتمع لدفع رسالة الإسلام السلمى إلى المجتمع". وأضاف ان من دواعى فخره القول بأنه نجح إلى حد كبير للغاية فى تحقيق كل هذه الأهداف النبيلة. وقال إنه ليس لديه شك فى أن الإدارة القادمة ستتفق معه على أن هذه أهداف جديرة بالفعل، وستبذل قصارى جهدها لتعزيزها لمصلحة مصر والإسلام.