لدى يوسف السباعي في روايته «الطريق المسدود» نجد غرف «فرويد» الدرامية تلعب الدور الأكبر في تجسيد الفكرة، ورغم صعوبة المنحى الفلسفي، فإن الصورة الواضحة هي تداعي مجتمع مثالي لا يبقى منه سوى أكاذيب يصنع منها صناعها مبررات الاستمرار والصعود ويتفق يوسف السباعي مع كثير من ابناء جيله وربما كان محمد عبد الحليم عبدالله ومحمود البدوي وابراهيم المصري من بينهم، في أن «فرويد» قد حول الاتجاه الخطى المنطق المباشر فيما يتعلق بالتأويل لحالة الإبداع الستيني - ما قبله وما بعده - بعقد على الأقل، هكذا تدخلت الخريطة الجنسية الفرويدية في تحريك كل أساليب الحكى الروائى عندهم، فحين نجد في «غصن الزيتون» لمحمد عبد الحليم عبدالله، أن الدافع والمحرك وراء انهيار حياة زوجية يمكن أن تكون مستقرة، بسبب تعاظم الشك لا يجد الكاتب سوى الحل الجنسي لإجهاض هذا الشك واقتلاعه من جذوره.. هكذا فعل محمد البدوي في قصتي «امرأة شاردة» و«قصة معادة» أما يوسف السباعي فقد ساهم الحل الفرويدي في تقليص طموح بطلة «بين الاطلال» ودعم من عاطفتها، فتنازلت عن كل شىء لكي تحقق هدفاً رومانسياً يتجاوز الواقع الى منطقة اللا تصديق، هكذا يكون السرد الخيالي، بوصفه رصيداً أو مخزوناً للمكبوت، هو الذي يقاوم أكثر من غيره التحليل ومن خلال ذلك يجتذبه ووحده الكاتب هو الذي يعرف ولديه الحرية أيضاً لأن يحرض مفاصل الإبداع في تجاوز خطوط واساليب الخط الدرامي، ربما كان لذلك كثير من الظلال في رواية «رد قلبي» وإن كان العمود الفقري فيها هو تمجيد ثورة 23 يوليو 1952 وبرغم طغيان فرض هذا الحدث على الرؤية الإبداعية، فإن الرواية بقيت منها صورة قد تقترب من الواقع حين يقترب التضاد بين حياة الأرستقراطية المصطنعة الواردة في معيشة الأسر الإقطاعية وحياة البسطاء المدهوسين تحت أقدامهم.. فلا رحمة ولا عطف ولا أي مظهر من مظاهر الإنسانية ولو حدث سيكون تحت وطأة المظاهر الاجتماعية التي تتصل بالوجاهة والتمثيل الاجتماعى، حتي أمام أنفسهم، في رواية «إني راحلة»، مجتمع آخر يعج بالفساد في مواجهة الطامحين نحو العدالة والمساواة، فلا تجد البطلة سوي الانتحار حلاً.. إنها سوداوية الرومانسية وضبابية الأمل.. وربما كان عند «استيفان زفايج» مفردات من هذا القبيل في محاوراته الروائية. أما «أرض النفاق» فهي في رأيي حجر زاوية لشخصية يوسف السباعي الرومانسى الحالم.. الذي كان يريد مجتمعاً مثالياً يعيش فيه. ويعطي من ثراء روحه للآخرين، فإذ به يجد نفسه سجيناً للمنصب الرفيع. أو لنقل المناصب التي تقوده من كرسي متحرك إلي آخر حتي يصل إلي أقصى درجات السلم، فإذا به يجد نفسه قد أضاع كثيراً من بريق إبداعه.. أرى أن رواية «أرض النفاق» تقف صامدة وكأنها تصد عن السباعي محاولات سقوطه الداخلى بينه وبين نفسه.. تخلد حالة رجل أراد أن يستنزف ضميره في سبيل الوصول إلي أقصى أحلامه، ولهذا نجد براعة التهكم والسخرية عند يوسف السباعى تتعاظم بحيث تصنع له كياناً درامياً إبداعياً شديد التميز لا نجد له مثيلاً عن رفاقه ويكفي نموذجا «أرض النفاق» و«السقا مات» للدلالة علي ذلك.