محطات كهرباء توقفت.. مخابز تعطلت.. ماكينات لم تعد تدور.. سيارات عطشي.. وملايين المصريين في عذاب متواصل منذ عامين والسبب أزمة السولار والبنزين .. الحكومة عقدت اجتماعات مطولة لبحث الأزمة.. وبعد الاجتماعات يردد الوزراء جملا مملة ومتطابقة تقريبا كلها تدور حول تهريب السولار والبنزين.. أسامة كمال وزير البترول يشكو من التهريب وباسم عودة وزير التموين يؤكد ان ازمة الوقود سببها الرئيسى هو التهريب ووزير المالية المرسي حجازي يقول ان مصر تخسر مليارات الجنيهات بسبب تهريب الوقود ومحمد ابراهيم وزير الداخلية يفتخر بأن الشرطة ضبطت كميات ضخمة من السولار قبل تهريبها .. والغريب ان أحداً في رئاسة مصر او في الحكومة لم يأخذ حبوب شجاعة ويقل لنا من يهرب الوقود وأين يذهب الوقود المهرب؟... وما لم يقوله المسئولون بحثنا عنه.. وبعد بحث طويل اكتشفنا حقائق مثيرة.. بدأنا البحث من مكان بعيد.. من حدودنا الشرقية.. وقبل ان اتوجه إلي هناك بحثت عن رقم رسمي يحدد حجم تهريب الوقود فوجدت ارقاما مروعة عن تهريب المواد البترولية إلي قطاع غزة والي تركيا عبر مراكب صيد من خلال شواطئ البحر المتوسط وأيضا يهرب السولار المصري ليصل إلي السفن المارة بقناة السويس أو من خلال شواطئ البحر الاحمر.. وتقول الارقام ان ما بين 600 الف لتر إلي 800 الف لتر من السولار المصري المدعم تصل إلي قطاع غزة مهربة رغم وجود ازمة طاقة خانقة في مصر . الارقام تقول ايضا ان محطة الكهرباء المتواجدة بقطاع غزة تحتاج يوميا ما يقارب من 450 الف لتر لاضاءة القطاع بالإضافة إلي خدمات قطاع الصحة والاستهلاك المنزلي فضلا عن استهلاك سيارات سكان القطاع والتى تستهلك يوميا ما بين 150 إلي 200 الف لتر بحسب تصريحات قيادات بحركة حماس ..واغلب هذا الوقود يتم تهريبه. والحقيقة ان تهريب السولار والبنزين 80 إلي غزة ليس جديد العهد فهو جريمة موروثة منذ أيام النظام السابق لكنه زاد عن الحد خلال العامين الاخيرين لسببين.. الأول حالة الانفلات الأمنى والأخلاقي التي خلقت جشعا رهيبا اصاب فئة من المصريين.. والسبب الثاني العلاقة الوثيقة بين «الابن» حماس المسيطر علي مقاليد الحكم في غزة وبين جماعة الإخوان المسلمين «الأم» الممسكة بزمام الامور في مصر وهو ما ضاعف من الكميات المهربة خلال العامين الأخيرين. مرحلتان.. الأولي نقل الوقود إلي سيناء.. والثانية تهريبه إلي غزة.. وهناك 3 طرق رئيسية لنقل الوقود المراد تهريبه إلي سيناء.. أولها يتم خلالها تجميع السولار والبنزين 80 من عدد من الشركات العامة العاملة في قطاع البترول من خلال تعاون عدد من موظفيها معدومى الضمير بصرف كميات من السولار والبنزين 80 لافراد لديهم تصاريح تمنحهم حق الحصول علي السولار من اجل تشغيل الكسارات او معدات حصد القمح او تشغيل مخابز او مصانع في سيناء ويقوم الموظفون بضخ كميات زائدة عن حصة اصحاب هذه التصاريح ثم تنتقل هذه الكميات جميعا إلي سيناء بطريقة طبيعية اعتمادا علي التصريح فأي كمين امني علي مداخل سيناء لن يوقف سيارات نقل الوقود ليطابق الكمية الموجودة في التنك بالكميات المذكورة في التصريح. الطريق الثانى لتجميع البضاعة سواء ان كانت من السولار او البنزين 80 يأتى من خلال الكميات الخاصة بمحطات الوقود نفسها سواء في سيناء او في مدن القناة بورسعيد والسويس والإسماعيلية والتى يقوم اصحابها بتفريغ ثلثي الكمية او نصفها بمحطته والباقي يشق طريقه إلي صحراء سيناء ثم إلي القطاع. أما الطريقة الثالثة فتتم من خلال كسر خطوط انابيب الشركات حيث يقوم المسلحون بكسرها قبل وصولها إلي الشركات ويتم تعبئة ما يشاء هو اما بالتنسيق مع موظفي تأمين الخطوط أو بإرهابهم وهو ما يتكرر حدوثه في السويس التى تضم مستودعاتها ومعامل التكرير بها حوالي 65% من المنتجات البترولية في مصر بالاضافة إلي قربها من سيناء، ويتم تعبئة السولار او البنزين في جراكن بلاستيكية او براميل. بعد ان يتم الحصول علي البضاعة فإن المهرب عليه ان يسلك عدة طرق للوصول إلي سيناء فإن كان من اصحاب التصاريح فإنه سيمر من خلال نفق الشهيد احمد حمدى أو ان يعبر من فوق كوبري السلام لكن ان لم يكن من اصحاب التصاريح فعليه اللجوء إلي المدقات الجبلية او معدية الفردان او مراكب الصيد، وحينما تصل البضاعة إلي سيناء يتم نقلها في سيارات إلي وسط سيناء او إلي الناحية الشرقية وخاصة قريتى المهدية ونجع شيبانة واللتين تبعدان بحوالي 3 كيلو مترات عن الحدود المصرية الإسرائيلية. بوصول السولار إلي المهدية وشيبانة التابعتين لمدينة رفح المصرية تبدأ مرحلة تفريغ الحمولة فى خزانات عملاقة مدفونة في باطن الارض علي عمق يصل إلي خمسة أمتار وبطول يتجاوز الخمسين مترا ليستقر بهذه الخزانات يوماً او يومين أو يتم نقله في الحال من خلال سيارات نقل صغيرة إلي الانفاق خاصة فى حي البراهمة أو في منطقة الأحراش، ونادرا ما تصل السيارات ذات الحمولة الكبيرة إلي الانفاق مباشرة. إلي هنا وسعر السولار مازال متوقفا عند جنيه واحد وسعر البنزين 80 يقترب من الجنيه وربع الجنيه لكن بمجرد وصوله إلي منطقة الانفاق فيبدأ السعر في الارتفاع حتى يصل إلي حوالي 5 جنيهات هو سعر البيع في الجانب الفلسطينى فهناك مصاريف نقل للسيارة القادمة من مدن القناة ومصاريف اخرى لعمال النفق ومصروفات لصاحب النفق وهو ما يصل بالسعر إلي حوالي 5 جنيهات مصرية وهو ما يعنى ان فارق السعر الذي يباع به السولار المصري في غزة يتجاوز ال500% ومعني هذا ان المهربين يحققون ارباحاً تبلغ 3٫2 مليون جنيه يوميا. وعند بدء تفريغ الحمولة فإن السولار يمر من خلال حوالي 8 مضخات متواجدة في منطقة زراعات الزيتون بالاحراش او عند بوز الطايرة والتى تعتبر اخر نقطة مصرية علي الحدود مع القطاع وتقوم المضخات الثماني بسحب السولار من السيارات عبر تنك متوسط لتقوم بضخه عبر انابيب وخراطيم لتصل إلي غزة في عملية لا تستغرق سوى ساعة واحد وهي فترة تكفي لنقل 20 الف لتر. سهولة الوصول إلي الانفاق وكذلك سهولة الاتفاق مع الافراد من الجانب الفلسطينى المنتشرين في سيناء علي سعر وكمية السولار الذي يريده جعل من بعض الشباب في سيناء ممن لا يمتهنون أي مهنة يتخصصون في تعبئة جراكن وبراميل السولار من خلال شرائها من محطات الوقود في العريش ورفح والشيخ زويد وتوصيلها إلي الجانب الفلسطينى. وحسب تإكيدات الشيخ عايش الترابين – شيخ قبيلة الترابين – فإن حماس حققت اكتفاءها من السولار المصري لمدة 4 اشهر قادمة وانها بدأت في الاحتفاظ بمخزون استراتيجى لها في خزانات اسفل الأرض بجوار مطار غزة، مشيرا إلي انخفاض سعر السولار المصري وجودته شجع حماس علي ايقاف استخدامها السولار القادم من إسرائيل، مضيفا ان هناك حوالي 4 محطات وقود في شمال سيناء.. هذه المحطات علي الورق فقط ولا وجود فعلياً لها وحصتهم اليومية تهرب إلي غزة وتباع في السوق السوداء. وكشف موسى المنيعى أحد عواقل سيناء عن ازدياد عمليات تهريب الوقود بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، من خلال 8 مضخات على طول الحدود مع غزة تتولى تهريب 800 ألف لتر يومياً من البنزين والسولار إلى غزة، وتهدر ما يقارب ال3 ملايين و200 ألف جنيه يوميا، وأضاف: طالبت المحافظ بالعمل على وقف تهريب المواد البترولية، وتوجيه تلك الملايين إلى أبناء سيناء، دون جدوى، وأضاف أن أبناء سيناء لا يمانعون فى مساعدة أهل غزة، لكن دون أن تتأثر سيناء بهذه الطريقة. وأضاف أن عقوبة تهريب الوقود لا ترقى إلى مستوى الجريمة التى تمس الأمن القومى، حيث يضبط المهرب، ويحرر ضده محضر، وبتحويله للنيابة يسدد غرامة مالية، ويفرج عنه، ويعاود مرة أخرى نشاطه التهريبى لعدم وجود قانون رادع يمنعه من ذلك، قائلا ان القانون الحالي لا تتجاوز عقوبته سوى الحبس من 3شهور إلى 6شهور والغرامة لاتتجاوز 10آلاف جنيه. والغريب ان التهريب في سيناء لا يقتصر فقط علي مدن الشمال السيناوى ولكنه موجود ايضا في مدن الجنوب من خلال تجميع كميات كبيرة من السولار من محطات مدن جنوبسيناء دهب ونويبع وشرم الشيخ لبيعها في نويبع لتصل إلي الاردن إما من خلال تحميلها في سيارات نقل او من خلال تعبئتها في براميل وجراكن اسفل البضاعة الواصلة إلي الاردن عبر ميناء نويبع. قطاع غزة ومراكب الصيد والسفن المارة او المرابطة بشواطئ البحرين الاحمر والمتوسط وقناة السويس .. وحتي نتخيل ما تفعله عمليات التهريب بمصر واهلها يكفي ان نعرف ان استهلاك مصر من السولار زاد بحوالي 5 آلاف طن يوميا بسبب عمليات التهريب حسبما يؤكد الدكتور حسام عرفات رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية باتحاد الغرف التجارية.. ويقول «قبل عدة اشهر كانت مصر تستهلك حوالي 32 الف طن وصل الآن إلي ما يقرب من 38 الف طن سولار تستورد مصر منه حوالي 40% لسداد الاحتياجات اليومية بقيمة تصل إلي 600 مليون دولار لاستيراد المواد البترولية بمختلف شرائحها تدفع هيئة البترول 300 مليون دولار و 300 مليون الأخرى تدفعها وزارة المالية. واضاف: الأزمة لا تكمن في تهريب السولار فقط لكنها مرتبطة بارتفاع اسعار الدولار امام الجنيه المصري وهو ما يعنى ارتفاع اسعار الاستيراد بالاضافة إلي انخفاض الاحتياطى النقدى وهو ما يعنى عدم توافر السيولة الأزمة بما سيؤدى إلي انخفاض الكميات المستوردة وهو ما يصنع الأزمة في الشارع. وأضاف عرفات: لا توجد ارادة سياسية لمنع تهريب السولار ولا توجد سيولة لاستيراد العجز من الخارج..وهذا هو مربط الفرس – كما يقولون - في أزمة الوقود.