أبرمت ليبيا مساء الخميس أول من أمس اتفاقية مع فرنسا تسمح بنشر قطع بحرية فرنسية وقوات برية فى مناطق الحدود الليبية مع جيرانها، وفىالمياه الإقليمية والسواحل الليبية، وذلك اعتباراً من 25 فبراير القادم، تحت غطاء تدريب القوات الليبية على تأمين الحدود الليبية والدفاع المشترك عن الأراضى والمياه الليبية، ومنع تسلل العناصر الإرهابية وشحنات الأسلحة والذخيرة، كما تعهدت فرنسا فى هذه الاتفاقية أيضاً بفك تجميد 1.8 مليار دولار منذ عهد القذافى أعادتها إلى ليبيا نظير تعاون مشترك فى تطوير حقول النفط الليبية، وبالتزامن مع توقيع هذه الاتفاقية نشر الجيش الليبى وحداته فى المناطق الجنوبية التى تسكنها قبائل البربر والمتواجدة فى حمايتهم الجماعة الإسلامية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، وهى مرتبطة بعملية تفجير مصفاة الغاز التى جرت فى الجزائر منذ شهر. فإذا ربطنا بين هذه الاتفاقية واتفاقيات أخرى، معلنة وغير معلنة تسمح بوجود قوات فرنسية فى دول شمال غرب أفريقيا وخصوصاً فى الجزائر والصحراء، فضلاً عن العملية العسكرية الجديدة التى تقودها فرنسا بثقل فى مالى من أجل استعادة شمالها من «القاعدة» والتنظيمات الإرهابية الموالية لها هناك، ناهيك عن وجود القيادة العسكرية الأمريكية «أفريكوم» فى هذه المنطقة من شمال وغرب أفريقيا والصحراء بنفس هدف محاربة القاعدة، فإننا نكون بذلك فى مواجهة تواجد عسكرى غربى مكثف ملاصق لحدودنا الغربية، وسيفرض بالضرورة نفسه على مجمل العلاقات المصرية الليبية، خاصة فيما يتعلق بحركة الأفراد والشركات المصرية إلى ليبيا والتى يتواجد لنا فيها قرابة ماليون عامل، رغم وجود مصالح أمنية لمصر فى منع تهريب الأفراد والأسلحة والذخائر من ليبيا إلى مصر، إلا أن هذا التواجد العسكرى الفرنسى على حدود ليبيا سيدفع القاعدة لتغيير استراتيجيتها وكذلك إيران والتحول نحو السودان للاعتماد عليه فى تهريب الأسلحة والإرهابيين إلى مصر عبر حدودها الجنوبية مع السودان ثم إلى سيناء، حيث تتواجد خمس منظمات إرهابية تدعى أنها «جهادية»، وتمارس أنشطتها التخريبية هناك بالتعاون مع منظمات مناظرة لها فى غزة عبر الأنفاق، والتى من خلالها يتم تهريب الإرهابيين والأسلحة والذخائر والأموال، وهو ما كشفت عنه التحقيقات التى أجريت مع خلية مدينة نصر أخيراً ووجود كشف بأسماء شخصيات بصرية سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية مطلوب اغتيالها، فضلاً عن منشآت استراتيجية مهمة مطلوب تخريبها وتبرز خطورة هذا الأمر فى ضوء الارتباطات القبلية بين قبائل فى شرق ليبيا وقبائل أولاد على وفروعها المتواجدة فى منطقة مرسى مطروح وجنوبها، كما يلفت هذا الموضوع النظر إلى زيادة الاهتمام بالاتجاه الاستراتيجى الجنوبى، حيث السودان الذى بدأت القاعدة تنشط فيه من جديد،وهو ما انعكس فى الإعلان عن تشكيل جناح طلابى لتنظيم القاعدة فى جامعة الخرطوم، ناهيك عن فتح نظام البشير أبواب السودان لكل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، بل وإيران أيضاً، وهو ما كشفت عنه الغارة الجوية الإسرائيلية ليلة «24 أكتوبر» الماضى ضد مصنع اليرمول للأسلحة التى تشغله إيران فى جنوبالخرطوم، وتدمير حوالى «40» شاحنة كانت جاهزة لنقل صواريخ وأسلحة إلى حماس عبر سيناء. وتراقب الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة بشدة التحول الجديد في استراتيجية القاعدة، بعد أن أصدر أيمن الظواهرى الذى تسلم القيادة بعد مقتل أسامة بن لادن تعليمات العام الماضى إلى أتباعه بالانتقال إلى بلادهم الأصلية لتنشيط العمليات ضد الدول التى وقعت بها ثورات الربيع العربى، وقامت بها أنظمة حكم جديدة وضعيفة وتواجه معارضات سياسية وأمنية داخلها، واستغلال نقاط الضعف هذه فى تشديد الضربات ضدها وبما يمكن القاعدة من بناء مواقع نفوذ لها فى المناطق النائية منها مثل سيناء وشمال مالى وبنغازى فى شرق ليبيا واليمن الجنوبى، وصعدة فى شمال اليمن فى شكل إمارات إسلامية قابلة للتوسع والتمدد مستقبلاً، خصوصاً فى مصر وليبيا، أو حيث الأزمات التى طال أمدها.. مثل سوريا واليمن، ويريد الظواهرى من الهجمات الجديدة القضاء على «المرتدين» فى مصر وسوريا، وكان قد وجّه العام الماضى عدة خطب من هذا النوع مع التركيز على بلده مصر، إنشاء قواعد فى هذه الدول يمكن أن يكون منطقة انطلاق لعمليات إرهابية فى المستقبل فى دول أخري فى المنطقة وفى أوروبا، وهذا ما يفسر ما سعى إليه الظواهرى من فرض منحى عنفى مع الأحداث الحالية فى مصر، حيث لم يمض وقت طويل، بعد ثورة «25 يناير» حتى صار ينتقد بشدة توجهات نظام حكم الإخوان، وبدأ يقارن ما بين «ديكتاتورية مبارك،ونظام مرسى الفاسد»، كان يقصد بهذا توجيه رسالة شعبية تلقى صدى لدى كثير من المصريين الثائرين على حكم الإخوان فى مصر، وفى مكان آخر دعا الظواهرى إلى وضع الحكومة المصرية والمسئولين الأمنيين على «القائمة السوداء»، كما دعا إلى شئ هجمات على القوات المسلحة، ومواصلة المسار الثورى لإعادة تأسيس دولة الخلافة، وفى محاولة لتحقيق أهداف الظواهرى رصدت أجهزة المخابرات الغربية انتقال إرهابيين من أفغانستان وباكستان إلى بلدهم الأصلى مصر، وكان سبقهم كبار من قادة التنظيم الى هذا، منهم محمد جمال الكاشف، والشيخ عادل شحاتو، وتتهمهما واشنطن بأنهما بين الذين هاجموا وقتلوا سفيرها فى بنغازى كريستوفر ستيفنز فى سبتمبر الماضى. وبعد شهر من تلك العملية شنت أجهزة الأمن المصرية غارة على منزل الكاشف فى مدينة نصر، أدت الى القبض على كثير من أعضاء القاعدة فى مصر ومصادرة أسلحة وذخائر ومواد متفجرة كان يجرى إعدادها لتنفيذ عمليات تخريبية، وفى الوقت نفسه تعقبت السلطات المصرية عن كثب تحركات محمد شقيق أيمن الظواهرى، وفى ظل هذا المناخ من الأنشطة الإرهابية المتزايدة فى مصر، اتضح جلب جهاديين من دول مختلفة إلى مصر لفترات قصيرة من أجل التدريب وممارسة أنشطة تسبق العمليات المعدة، كان أحد النشطاء الألمان الذى حضر الى القاهرة لهذا الغرض، ولكن تحت ذريعة تلقى دراسات إسلامية وعربية، قد بث فى سبتمبر الماضى عبر برنامج تليفزيونى تهديده ملمحاً الى عمليات فوق الأراضى الألمانية، هذا فى الوقت الذى أصبحت فيه سوريا أيضاً مركزاً لعمليات القاعدة، وتضاعف عدد المقاتلين فيها، وذلك من خلال تنظيم «جبهة النصرة» الذى يعد واجهة للقاعدة فى سوريا. وعن الدور الإيرانى فى هذه التهديدات، ورغم الدعم الإيرانى المكشوف لنظام الأسد فى سوريا، حيث يبلغ عدد مقاتلى الحرس الثورى الإيرانى العاملين مع نظام الأسد فى سوريا حوالى «50.000» مقاتل ومن ضمنهم عناصر من حزب الله، وهو ما رد عليه جيش سوريا الحر باغتيال المسئول الإيرانى عن إعادة إعمار لبنان هناك فى الأيام الماضية، إلا أن إيران طبقاً لتصريحات وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا الأخيرة قبيل نهاية عمله قد حذر من تزايد الخطر الإيرانى، ليس فقط بسبب استمرار البرنامج النووى والصاروخى، ولكن أيضاً بسبب تدخلات مباشرة فى دول عربية مثل العراق وسوريا ولبنان والسودان واليمن، والعمل على خلق اضطرابات فى دول الخليج، وإرسال أسلحة متطورة إلى أنصارها فى هذه المناطق، بما فيها صواريخ مضادة للطائرات متطورة تطلق من الكتف يطلق عليها «مانباد» وتم تهريبها إلى الحوثيين فى اليمن كما وصلت أيضاً إلى حزب الله وحماس، وهو ما دفع حكومة اليمن إلى توقيع اتفاق مع أمريكا ليسمح للأخيرة باستخدام طائرات بدون طيار لمطاردة وتدمير عناصر القاعدة فى اليمن، فضلاً عن إجراء مناورات متعددة الجنسيات فى دولة الإمارات ومصادرة الأسلحة الإيرانية المهربة إلى الخارج. خلاصة القول إن تواجد قوات فرنسية قرب حدد مصر مع ليبيا وقرب سواحلها وفى مياهها الإقليمية، هو استكمال لانتشارها فى دول شمال أفريقيا والمغرب العربى ومالى والصحراء، بالاشتراك والتنسيق مع القيادة العسكرية الأمريكية «أفريكام» بهدف احتواء تنظيم القاعدة وتدمير قواعده الفرعية فى هذه المناطق، يعطى دلالة على وجود نوايا غربية لفرض وجود عسكرى غربى على باقى دول المنطقة ومنها مصر لنشر قوات مماثلة فى مناطق الحدود ومنها بالطبع سيناء لحساسيتها بالنسبة لإسرائيل، وحيث شنت المنظمات التكفيرية المتوجدة على أرضها هجمات ليس فقط ضد القوات المصرية هناك، ولكن أيضلً ضد أهداف فى جنوب إسرائيل وهو ما دفع مسئولين إسرائيليين للمطالبة بتواجد عسكرى إسرائيلى فى شريحة غرب الحدود مع مصر لمنع مثل هذه الهجمات، وهو ما رفضته مصر، ولكن فى ظل تهديدات القاعدة الأخيرة ليس من المستبعد أن تضغط إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة على مصر لنشر قوات أمريكية فى سيناء مماثلة للقوات الفرنسية على الحدود الليبية معنا بدعوى الدفاع عن إسرائيل، وستكون المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر «1.3مليار دولار» وسيلة الضغط على مصر فى هذا الصدد. ومما لاشك فيه أن مثل هذه الاتفاقيات والتحركات الأمريكية والأوروبية فى المنطقة تأتى فى إطار استراتيجية أمريكية تستهدف إنشاء «القوس السُنى» الذى يضم دول شمال أفريقيا ومصر والسعودية، لمواجهة «الهلال الشيعى» الذى يضم إيران وباقى دول الخليج ذات الأغلبية الشيعية ويتصل بسوريا ثم لبنان، ودفع هاتين المجموعتين الى الدخول فى صراعات مستمرة تكون إسرائيل فى منأى عنها، وبذلك يتم تحييد وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، وفى المقابل تكريس الصراع السُنى الشيعى، ومن خلال ذلك يتم اجهاد دول المجموعتين ودفعها الى الاعتماد على أمريكا والدول الأوروبية لطلب المساعدة، وبالطبع سيكون ثمن ذلك على حساب استقلال ووحدة أراضى وثروات الدول العربية، والمتوقع أن يكون انتقال الاضطرابات من سوريا إلى لبنان بداية هذا الصراع. أما على المستوى الداخلى، فإن اتجاهات أنظمة الحكم المتأسلمة فى دول ما يسمى بالربيع العربى، نحو إبرام اتفاقيات تحتية مع الدول الكبرى، تسمح بتواجد ونفوذ عسكرى غربى على أراضيها، سيكون مقابل ضمان أمريكا وأوروبا بقاء واستمرار هذه الأنظمة المتأسلمة فى الحكم، ويتمثل هذا الخطر فى أن هذه الاتفاقيات موقعها الأنظمة المتأسلمة سراً، وفى منأى عن أجهزة المخابرات الوطنية التى غالباً ما تفاجأ بها، وكان قد سبق أن تداولت وسائل الإعلام أخباراً عن مفاوضات بين جماعة الإخوان ومسئولين أمريكيين حول نشر قوات أمريكية فى سيناء، وهو ما نصته رئاسة الجمهورية آنذاك،ولكن فى ضوء التصريح الأخير والحقير لأحد قادة الأحزاب المتأسلمة التى تدعى الوسطية، رداً على المطالب الشعبية الكثيرة بتدخل الجيش لإنهاء الوضع المتردى والفوضوى الذى تحياه مصر فى ظل نظام الحكم الإخوانى، وقال فيه «لو تدخل الجيش المصرى لإنقاذ مصر من هذه الهاوية السوداء والانقلاب على السلطة التشريعية، فإنهم سيستعينون بجيوش دول صديقة للعودة على رأس الحكم ومواجهة جيش مصر»، فإننا يجب ألا نستبعد أى شىء من جانب نظام الحكم الإخوانى الحالى بعد أن كشف الأمريكيون بأنفسهم عن حجم الدعم السياسى والمادى الذى يقدمونه لجماعة الإخوان لتثبيت أقدامها فى حكم مصر، واستكمال أخونة مؤسسات الدولة،وضمان بقاء الجماعة فى الحكم إلى ماشاء الله، وهو أمر جد خطير ينبغى على قيادات القوات المسلحة التنبه له جيداً، ومحاسبة قائل هذه الحماقات لما فيه من تهديد لا فى مصر فضلاً عما يشكله من مساس بكرامة القوات المسلحة المصرية.