«من لا يرى الله فى مخلوقاته لن يراه أبدا» تلك هى المعانى التى يخرج بها من قراءة رواية «حياة باى»، التي باعت سبعة ملايين نسخة منذ صدورها، ومشاهدة الفيلم المأخوذ عنها، الذى يصعب تصديق أن المخرج آنج لي فعلها واستطاع تقديم تلك الرواية في فيلم روائى بعد إنتاجها كفيلم كارتون ولكن فى دنيا الفن السابع لا شيء مستحيلا أمام الابداع.. وهذه دعوة للإبحار معى فى معنى الوجود مع فيلم «life of Pi». قبل مشاهدة الفيلم هيأ نفسك وجدانيا للرحلة الشاقة، والتجربة الصعبة التى قد تغيّرك الى الأبد، كما حدث مع بطل الفيلم, فأنت أمام رؤية دينية فلسفية لسر الوجود نلخصها فيما قالته الأم عن الإله الهندى فيشنو المتهم بابتلاع التراب، فلما فتحوا فمه، وجدوا داخله العالم بأكمله. ومن خلال تلك الرحلة ترى الله فى قلب المحيط، والروح داخل الوحش، وتفقد الطريق لتعرف فى النهاية طريقك الحقيقى. وإذا كان جوهر الرواية كامنا فى البحث عن الهوية الدينية والوجودية في ظروف رهيبة لايمكن تصديقها فما هو شعورك وأنت تراها فى فيلم ثلاثى الابعاد في 127 دقيقة, لنصل الى الحقيقة التى عرفها الطفل «باى» بمنتهى التجرد سابقا عندما جمع بين ثلاثة أديان، وكانت فلسفته الفطرية أن الإيمان أشبه بالمسكن الواحد متعدد الحجرات، والشك موجود فى كل الحجرات، ولكنه ضرورى لتقوية الإيمان. والعجيب أن تلك الانشودة السينمائية عرضت على ثلاثة مخرجين آخرين قبل أن يفوز بها آنج لى، وهم: الفرنسي جان بيير جونيه والمكسيكي ألفونسوا كوارون والأمريكي - ذي الأصل الهندي - م. نايت شيامالان. والمؤثرات المميزة (النمر هو مزيج بين CGI و4 نمور مختلفة) وباقي الحيوانات كذلك الأسماك الجانحة والطائرة كلّها مصنوعة دجيتال, واستخدام 3D واللوحات الملونة جعل من «Life of Pi» تحفة فنية. والفيلم يستعرض طفولة البطل «باى» ويؤدى دوره في المراهقة بطل «سوراج شارما»، ويشارك في بطولته وايوش تاندون وتوبي ماجوير. والمخرج يلجأ فى البداية الى استخدام مشاهد الفلاش باك من خلال ولد صغير لأبوين هندوسيين. ومنهما يبدأ تدريجيا فى معرفة سر الوجود، فالأب يرى الديانات ظلمات، ولا يعرف إلا التفكير العقلى المنطقى، والأم ترى أن الدين يربطها بوطنها، ووالده يملك حديقة حيوان ونرى «باي» يعرض نفسه للخطر ذات مرّة عندما يحاول إطعام نمر بنغالي. جميع الأحداث تكون في النصف ساعة الأولى من الفيلم, عادية وتقليدية جدا وقصة الحب المكررة. ويقرر الأب الهجرة وحيوانات الحديقة إلى كندا على ظهر باخرة يابانية ولكن الباخرة تغرق بسبب عاصفة جامحة قلبتها. والناجون استقلّوا مركبا خشبيا أبعدته العاصفة عن الباخرة وتلك هي المرّة الأخيرة التي يشاهد فيها «باي» والديه. والركّاب الآخرون حمار وحشي وغوريللا والضبع والنمر الذي حاول «باي» إطعامه قبل ذلك بسنوات. والضبع يهجم على الحمار وينهشه فيقتله ثم على الغوريلا ويجهز عليها. ولكن يظهر النمر ويقتل الضبع. وينتهى الجزء الأول ولم يبق سوى «باى» والنمر باركر، الذى يتعلّم الدفاع عن نفسه ليبقى حيّاً، لذلك يبنى لنفسه مكاناً صغيراً عائماً لتجنب التواجد مع النمر فوق المركب. ويصطاد السمك للنمر لإطعامه، ومن أجمل المشاهد عندما تمطر السماء سمكاً طيّاراً فيأخذ «باي» سمكة كبيرة ويترك للنمر الأسماك الصغيرة يتناولها. وفى الحقيقة أن السيناريست ديڤيد ماجى كان موفقا بأستخدام أسلوب السرد الموازى بين بطل الفيلم والكاتب الذى يكتب حكايته، فأعطى للمشاهد فرصة لتخيل مواجهة الصبى والنمر، عندما حاول الهجوم عليه, وأعطى الكاتب الفرصة ليؤمن بالله، من خلال المغامرة ذات الرؤية التأملية والروحية. فوراء عيون النمر الشرسة، روحا وما نراه هو الأفكار الموجودة فى أذهاننا. كما تعلم «باى» من الأب. وتستمر العلاقة بين «باى» والنمر الى أن تثور عاصفة جديدة، ليجد «باى» نفسه مع باركر فى قلب جزيرة مليئة بالسناجب، وبحيرة للمياه، مسمومة ليلاً، ويتركه النمر ويغيب بين الأشجار، وفى النهاية يتعرّض «باى» للاستجواب من موظفى الشركة اليابانية صاحبة السفينة الغارقة، ليعرفوا أسباب الغرق، فيحكى لهم القصة فلا يصدقوه، فيحكى قصة أخرى. روى فيها نزوله للقارب مع أمه وطباخ السفينة وأحد البحارة، فقتل الطباخ البحار والأم لتوفير الطعام، والطريف أنهما صدقا القصة ولكنه عندما سأل الكاتب: أيهما تفضّل، قال الكاتب: قصة النمر، فقال «باى»: تلك هى القصة الموجود بها الله. حياة «باي» هي رواية مغامرات خيالية للمؤلف الكندي يان مارتل، استوحى مارتل القصة من صديقة طفولته إليانور ومغامرتها في الهند. وتحكي الرواية قصة فتى هندي من بونديشيري يدعى «باي» موليتور باتل حيث يعايش قضايا روحانية وعملية في سن صغيرة. يبقى «باي» على قيد الحياة لمدة 277 يوماً بعد غرق السفينة، وتتقطع به الأسباب على متن قارب في المحيط الهادي. ويأتي مارتل على ذكر الطقوس والروتين اليومي كثيراً خلال الرواية إلى جانب القصص. وتجسد هذه الطقوس والعادات الأفكار التجريدية والعواطف، أو بعبارة أخرى الطقوس والروتين هي شكل بديل للقصص، فالروتين اليومي والقصص هي ما أبقت «باي» عاقلاً. نشرت دار كنوبف كندا الرواية أول مرة في سبتمر 2001، وحازت النسخة البريطانية منها على جائزة مان بوكر للرواية في السنة التالية، وحازت الرواية أيضاً على جائزة بويك وهي جائزة للروايات في جنوب أفريقيا. تتكون الرواية من ثلاثة أجزاء. يتحدث الجزء الأول عن الشخصية الأساسية «باي» البالغ حيث تعود به ذكرياته إلى الطفولة، وكيف سُمي بيسين موليتور باتل على اسم بركة سباحة، وكيف غير اسمه إلى «باي» عندما التحق بالمدرسة الثانوية، وكيف ولد هندوسيا ومن ثم اضاف عليها المسيحية والإسلام عندما التقى بإمام وقس، وبدأ في اتباع الأديان الثلاثة معاً محاولاً معرفة الله وفهم كل دين بذاته وإدراك فوائد كل منها. تسوء أحداث الرواية في الجزء الثاني عندما تغرق السفينة وينتهي المطاف ب«باي» على قارب نجاة صغير في عرض المحيط وبصحبة نمر وتمضي 227 يوماً يتمكن فيها «باي» من البقاء على قيد الحياة عاش بعضها في وهم وأغلبها في جوع وعطش. ويصل قارب النجاة بعد 227 يوماً إلى ساحل المكسيك. الجزء الثالث من الرواية عبارة عن محادثة بين شخصين من البحرية اليابانية يريدان معرفة ما حدث للسفينة وكيف نجى «باي» وطلبا منه أن يروي لهما قصة ما حدث. عندما ينتهي «باي» من رواية ما حدث لا يصدق الرجلان روايته، فيخبرهما برواية أخرى يكون فيها الأورانج أوتان أمه، والضبع طباخ جزار يقتل أمه ويأكل البحار الذي يمثل الحمار الوحشي ذا الرجل المكسورة، أما النمر فهو «باي» بذاته. كل ما حدث للحيوانات يحدث الآن للناس وكل شيء يبدو منطقياً بعد أن كان غير ذلك في الرواية الأولى. يسأل «باي» الرجلين أي من القصتين يفضلان وأيتهما أفضل، بما أنهما لا يهتمان بأيهما الحقيقية، فيجيبان بأنهما يفضلان قصة الحيوانات. يشكرهما «باي» ويقول أن هذا ينطبق على الله كذلك.