"رُب ضارة نافعة" هكذا يقول المثل العربى بمعنى أن هناك بعض الأحداث الضارة قد تعود بالنفع أحيانا على الناس، وهو ماحدث بالنسبة لفيروس كورونا، فرغم ما سببه الفيروس القاتل من كوارث للبشرية اودت بحياة نحو 3 ملايين وإصابة أكثر من 130 مليون إلا أنه فى مصر كان أقل حدة وشراسة وجاء بفائدة عظيمة متمثلة فى اقلاع الملايين من مدمنى الشيشة إجباريًا عن هذه العادة. فمع بداية جائحة كورونا اواخر عام 2019 بمدينة "ووهان" الصينية وانتشارها فى أرجاء العالم وصولا إلى مصر فى مارس من العام الماضى2020 اتخذت الحكومة المصرية قرارا حاسما بمنع تدخين الشيشة، إيمانا بالدراسات العلمية المثبتة أن تدخين السجائر والشيشة وأى شكل آخر من منتجات التبغ يمكن أن يؤدى إلى زيادة فرص الإصابة بفيروس كورونا سيئة المدمرة للصحة. القرار دفع كثير من مدخنى الشيشة الذين كانت لديهم رغبة فى الإقلاع عن هذه العادة وكانت تنقصهم الإرادة على اتخاذ هذه الخطوة فعليا، كما أجبر ملايين آخرين على الاقلاع المفاجئ وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقى " إن من السموم الناقعات دواء". الآن وبعد مرور أكثر من عام على قرار الحكومة المصرية بمنع الشيشة بالمقاهى والمطاعم بات من المؤكد أن عرش الشيشة قد سقط إلى الأبد خاصة وأن الدراسات أثبتت أن الإقلاع المفاجئ عن التدخين أكثر نجاحا من الإقلاع المتدرج استنادا إلى دراسة نشرت عام 2016في دورية "سجلات الطب الباطني". قرار منع الشيشة رغم أنه عكر مزاج بعض مدمنى هذه العادة السيئة وفك الارتباط الوثيق بين "المقهى والشيش" إلا أنه حظى بتاكيد الغالبية العظمى من المجتمع الذى طالما عانى من تلوث البيئة بسبب دخان الشيشة وخصوصًا داخل الكتلة السكنية بالمناطق الشعبية وأيضا بالمناطق الراقية. وهو ما أكده استطلاع رأى أجراه "مركز استطلاعات وبحوث الرأي العام"، بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وكشف عن أن 93.6% من المواطنين المشمولين بالاستطلاع وافقوا على استمرار منع "الشيشة" في المقاهي والكافيهات. ووفقا لشعبة الأدخنة بالاتحاد العام للغرف التجارية فقد انخفض استهلاك المصريين لتبغ المعسل بنسبة بلغت 75% من اجمالى استهلاك كان يُقدر بنحو 50 ألف طن سنويا بقيمة 3 مليارات جنيه. قرار منع الشيشة الذى تزامن مع وصول كورونا الى مصر سبقته محاولات كثيرة من جمعيات حقوقية وبيئية وشخصيات عامة وبرلمانية طالبت بمنعها بل وتجريمها وكان من بينها ماطالب به احد اعضاء مجلس النواب عام 2018 قبل جائحة كورونا بعامين على الاقل بتجريم الشيشة مؤكدا إن "الشيشة" ظاهرة منتشرة في المجتمع بشكل مزري، واقترح تجريم تناول الشيشة، وتحديد قيمة الغرامة الخاصة بتناول الشيشة، وفقا لتكرار جُرم تناولها. وقال لو كان من حق المواطن أن ينفخ في الشيشة، باعتبار أن ذلك يأتي في إطار الحرية الشخصية، فمن حقي كمواطن أن استنشق هواءً نظيفًا". قرار الحكومة بمنع الشيشة اشادت به ممثلة منظمة الصحة العالمية فى مصر مؤكدة أن التدخين يعد عامل خطورة للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي السفلي، وفيروس كورونا المستجد، إذ يضر بشكل أساسي بالجهاز التنفسي، وأن مشاركة منتجات التبغ مثل: الشيشة تنقل الفيروس بين الناس؛ إذ إن أجهزتها قد تسهم فى هذا الخطر من خلال عدم توفير بيئة تعزز بقاءها نظيفة، بالإضافة إلى أن تدخين الشيشة يسهم فى دخول الفيروس للجسم؛ إذ إن الأشخاص عادةً ما يتشاركون في استعمال مبسم واحد وخرطوم واحد، خصوصًا فى التجمعات والمناسبات الاجتماعية، ما يزيد من فرص انتقال العدوى، علاوة على ذلك فإن التدخين يضر بالرئتين والقلب وأجزاء الجسم الأخرى وقد يزيد من خطر الإصابة بحالة شديدة من فيروس كورونا. وأكدت ممثلة منظمة الصحة العالمية فى مصر أن هذا القرار كان له أثر كبير فى خفض انتقال العدوى خاصة بين الشباب، لذا يجب على الحكومة بكل قطاعاتها المعنية أن تعزز من استمرار تطبيق هذا القرار فى الفترة المقبلة لما لذلك من أهمية قصوى فى الحفاظ على صحة المواطنين. وفى هذا الاتجاه وجهت وزارة الصحة والسكان رسالة إلى المدخنين جاء نصها" لا تكن السبب في ضرر أحبابك .. أهلك وأصدقائك لأن غير المدخنين لهم الحق في هواء نقي خال من التبغ". وأكدت وزارة الصحة والسكان أن تدخين الشيشة يمكن أن يزيد من احتمال الإصابة بفيروس كورونا، وقالت: لا تدخن الشيشة أو تتبادل تدخينها مع الآخرين أثناء جائحة كورونا وإلى الأبد. وأضافت وزارة الصحة والسكان، أن مشاركة مبسم الشيشة وخراطيمها يمكن أن تنقل العدوى بفيروس كورونا بين المواطنين. وحذرت وزارة الصحة والسكان، من مخاطر تعرض غير المدخنين لنواتج احتراق تبغ المدخنين، التى تحولهم لمدمنين سلبيين. وأوضحت الوزارة، أن الدخان الصادر من المدخنين، يعرض كلا من المدخن وغير المدخن لأضراره؛ إذ يسبب سرطان الرئة لغير المدخنين، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب التاجية. وأضافت الوزارة، أن التدخين السلبى يتسبب فى وقوع 100 ألف وفاة مبكرة سنويا من غير المدخنين، من الرجال والنساء والأطفال، موضحة أن دخان التبغ يحتوى على أكثر آلاف من المواد الكيميائية المعروفة، منهم 40 مادة تسبب السرطان. وفى هذا الصدد أكد خبير فى أمراض الصدر أن "مبسم الشيشة" ناقل ل"كورونا"، حتى لو كان "المبسم" جديد. وأضاف إن الميكروب أو الفيروس أو الجرثومة التي تتواجد في اللعاب أو الجهاز التنفسي، تنتقل من الشخص المصاب ليس فقط عبر "المبسم"، حتى لو قيل عنه "مبسم طبي"، أو ذو استخدام واحد، ولكنها تنتقل الى "الزجاج والمياه والخرطوم"، مشيرا إلى أن المبسم لن يحمى المدخن من كورونا أو الالتهاب الكبدي الفيروسي،والسل، وغيرها من الأمراض المعدية.