العفو عند المقدرة من صفات عباد الله المتقين: وذكرهم الله سبحانه وتعالى في سياق ذكر صفات عباده المتقين فقال:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدة للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ). وقال تعالى:{وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين} وهذا من أبلغ الجزاء حيث قال تعالى فأجره على الله فتُرك الجزاءُ لكرمه سبحانه وتعالى ومن أكرم من الله جل في علاه نسأل الله من فضله. وقال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم. بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام مسجد السيدة زينب حديثه حول العفو عند المقدرة وأضاف قائلا : كما قال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ماشاء). كما ان العفو عند المقدرة سبب للعز والرفعة في الدنيا والآخرة:ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ) [مسلم 2588]. فالعفو صفة من صفات رب العالمين وهو من صفات الأنبياء والمرسلين و عباد الله الصالحين من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين ومن نهج نهجهم وسار على طريقهم إلى يوم الدين .. و قال ابن الأثير :{من أسماء الله تعالى {العفو} وقال الغزالي :فالعفو صفة من صفات الله تعالى } وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ما أحد اصبر على أذى سمعه من الله يدعون له الولد ثم يعافيهم. وكان من الدعاء الذي أرشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال قولي :[اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني. وقد ضرب نبينا أروع الأمثلة في هذا الباب فيتجلى عفو الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم. فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال: (لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا) [متفق عليه]. ومع ما فعل قومه به من الأذى والتشريد ومحاولة القتل والحروب المتعددة فقد مكنه الله تعالى منهم يوم الفتح الأكبر فدخل الكعبة وتجول في نواحيها وكبر وصلى ركعتين ثم خرج وقد احتشدت قريش في المسجد الحرام تنتظر الأمر منه صلى الله عليه وسلم وتترقب نزول العقاب ! فاخذ بعضدتي الباب وقام فخطب خطبة بليغة بيّن فيها كثيراً من الأحكام ثم قال : يا معشر قريش ماذا ترون إني فاعل بكم قالوا : خيرا أخٌ كريم وابن أخٍ كريم قال :( لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء ) لا إله إلا الله أي قلب أنقى وأطهر من هذا القلب صلوات ربي وسلامه عليه . وأوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام مسجد السيدة زينب مستكملا حديثه :ان من مبادئ الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الإسلام وأعظمها شأناً «العفو عند المقدرة»، فإن العفو من شيم الرجال الكرام. يقول تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ويقول سبحانه: (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم). ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد صفح عن قريش عندما مكنه الله منهم وأصبحوا أذلاء تحت يديه فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. قال عقبة بن عامر رضي الله عنه لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته: فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواصل الأعمال. فقال: «يا عقبة صل من قطعك واعط من حرمك، واعرض عمن ظلمك». فلا شك أن العفو عند المقدرة له فوائد عظيمة فمن ذلك رضا الله، وهو المقصد الأول والمطلوب. وكسب أصدقاء جدد، وثناء الناس وتوقيرهم وإجلالهم لصاحب العفو، ولعل صاحب العفو يقع في خطأ فيناله مثلما فعل من العفو. فالعفو مستحب إذا لم تترتب عليه مفسدة في الدين والمجتمع أما إذا ترتب عليه مفسدة فإنه حينئذ لا يجوز العفو وذلك لما قرره العلماء من أن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح». فالفقه الإسلامي يقيد استعمال الحق ليس فقط بعدم وجود نية إيذاء الغير أو انتفاء الإهمال أو المصلحة بالنسبة لصاحب الحق، بل يقيد استعمال الحق أيضاً بالغرض الاجتماعي والاقتصادي الذي تقرر الحق من أجله وكذلك الصفح والعفو عند المقدرة. والغاية المثالية للفقه الإسلامي هي التي جعلته يغلب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد دون أن يصل إلى حد إذابة كيان الفرد في سبيل المجتمع فهو من ناحية يعترف للفرد بكيانه وكرامته داخل المجتمع فاعترف بالملكية الفردية وهو من ناحية أخرى يراعي مصلحة المجتمع فينظمه على أساس من الأخوة والتكافل الاجتماعي. والإسلام دين الحق والعدالة والرحمة والتسامح والعفو وبعيد كل البعد عن القسوة يقول تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ويقول تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). والحرج هو المشقة والضيق والشدة. وهذا حق فإن الدين الإسلامي قد تسامح في كثير من المواطن عندما يكون المسلم غير قادر على فعل ما أمر به أو ترك ما نهي عنه. ويقول عليه الصلاة والسلام: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة». فالإسلام فوق ذلك كله فإن تعاليمه الجليلة الحكيمة مبسطة للغاية ليس فيها أي تعقيد ولا التواء ولا لبس عليها ولا غموض ومليئة بالصفح والتسامح والعفو والتيسير ورفع الحرج عن العباد برعاية المصالح يقول تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج). والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي دعا إلى الإيمان بجميع الأديان السماوية فأوجب الإيمان بجميع الكتب المنزلة ولم يفرق بين الأنبياء فالدين الإسلامي دين العفو والصفح والتسامح. فكلما كان الإنسان قريبا من الله سبحانه وتعالى يكون قلبه طاهرا لا يرتكب الظلم ولا يطغى ولا يتكبر على الغير ويعرف قيمة نفسه كإنسان ويعرف أنه خليفة الله في الأرض إذا كان صادقاً مخلصاً لله في الأداء مصداقاً لقوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).