من البديهي أن أهم وظائف الدولة هي الحفاظ علي الأمن في الوطن وتحقيق الأمان التام للمواطنين، فهذه هي الوظيفة الأولي للدولة والأساس الرئيسي لوجودها حيث يطلق عليها صفة الدولة الحارسة «L etat gendarm» ومن المنطقي أن تحتكر الدولة وحدها حيازة واستخدام السلاح، والعنف لفرض الأمن العام، في إطار الشرعية الدستورية والقانونية وتنص الدساتير عادة تحقيقا لذلك علي أن تحتكر الدولة تكوين القوات المسلحة، ويحظر تشكيل الميليشيات أو العصابات المسلحة التي تستخدم العنف علي كل الأحزاب والجمعيات والجماعات التي يتشكل منها «المجتمع المدني» كما تحظر الدساتير أيضا حمل السلاح لغير أجهزة الأمن والقوات المسلحة إلا بترخيص من سلطات الأمن، وتعتبر أي حكومة أو دولة حكومة فاشلة «Failier State»، إذا عجزت عن تحقيق الأمن العام لمواطنيها. لم يبق سوي عدد محدود من الأيام علي قدوم 25 يناير سنة 2013، حيث يكون قد انقضي علي انطلاق ثورة «25 يناير» سنتان كاملتان، ورغم كل ذلك فقد تكرر منذ أيام ما حدث منذ عدة أسابيع حول قصر الاتحادية مقر الرئاسة، حيث هاجمت جماعة شيطانية مسلحة مكونة من حوالي 25 فردا ملثمين الثوار المعتصمين المسالمين أمام القصر وذلك بطلقات الرصاص الخرطوش والرصاص الحي وبقنابل المولوتوف والأسلحة البيضاء، وأصيب في هذا العدوان الهمجي عدد من المعتصمين وتم إحراق حوالي عشر خيام يستخدمها المعتصمون، وقد ذكر شهود العيان في قناة cbc في برنامج «هنا العاصمة» للمذيعة «لميس الحديدي» أنه قد حضر الي ساحة الاتحادية أمام البابين الأول والثالث مجموعة من القتلة البلطجية بسيارة ميكروباص بيضاء بلا أرقام ولم يتعرض لها أحد من قوات الأمن المركزي الموجودة بالمكان ولذلك فقد غادر المعتدون في السيارة التي جاءوا بها دون القبض علي أي أحد منهم!! ولم يعرف محرضوهم، ولا شك أن ما حدث يعتبر من العجائب والغرائب التي أصبح يعيشها الشعب المصري منذ ثورة 25 يناير خاصة منذ 30/6/2012 تاريخ تنصيب الرئيس الدكتور محمد مرسي العياط. وإذا كان لا يشك أحد بعد اندلاع هذه الثورة في أن حق التظاهر والاعتصام هو «حق دستوري» للأفراد والشعب المصري بشرط أن تكون ممارسة هذا الحق سلمية وخالية تماما من العنف أو التعويق والتعطيل للمرافق العامة، كما أنه أيضا يكون استخدام السلاح للاعتداء علي المتظاهرين والمعتصمين وإجبارهم بالقوة علي الهرب دون شك «جريمة جنائية» يعاقب عليها القانون، وتلتزم الشرطة بأجهزتها المختلفة بمنعها ومقاومتها تنفيذا لواجب الدولة الأساسي في توفير الأمن والأمان وما يقتضيه ذلك من حراسة وحماية المتظاهرين مع كفالة عدم المساس بالمرافق العامة أو الممتلكات العامة والخاصة في ذات الوقت!! ورغم أنه قد تم من قبل اعتداء أشد خطورة علي المتظاهرين المعتصمين حول قصر الاتحادية وسقط في الحادث الهمجي تسعة من القتلي، كما أصيب ما يزيد علي 75 مصابا فإنه لم يتم القبض علي مرتكبي الحادث بل تم إمساك عدد من الأفراد بواسطة أعضاء من التيار السلفي الإخواني وتقييدهم وضربهم وتقديمهم الي النيابة العامة التي أفرجت عنهم بعد أن تبين أنهم لا دليل علي اتهامهم في الحادث مع بطلان القبض عليهم وضربهم وتعذيبهم، ولذلك أفرج عنهم بقرار من المحامي العام المستشار خاطر وهو ما اعترض عليه النائب العام المستشار طلعت عبدالله المعين بالإعلان الدستوري الباطل!! الصادر من د. مرسي وقد ثار أعضاء النيابة العامة بسببه وبسبب تدخل النائب العام الباطل والمعدوم الأثر في التحقيق ونقله المستشار خاطر.... إلخ. وتثور في نفوس المصريين العديد من الأسئلة في هذا الخصوص، أولها: لماذا أو كيف لم تتدخل قوات الأمن مع قوات الحرس الجمهوري الموجودة بالموقع لمنع الاعتداء والقبض علي المعتدين في الحالتين، وذلك فإنه لا يعرف أحد هؤلاء المجرمين حتي الآن وأصبح يطلق عليهم «اللهو الخفي»، كذلك فإن ذلك الغموض والأسئلة تثور بشأن من هم الذين سبق من قبل في بداية ثورة 25 يناير أن قتلوا وأصابوا المئات من المتظاهرين واعتدوا علي السجون وأقسام الشرطة بمختلف المحافظات وهربوا المساجين الذين بلغ عددهم 25 ألف مسجون خطر بالإضافة الي سرقة 25 ألف قطعة سلاح آلي من أسلحة الشرطة، وحرقوا أيضا حوالي 400 سيارة شرطة، كما حرقوا مقر الحزب الوطني المنحل وفندق الهيلتون بالقاهرة وقتلوا وأصابوا عشرات من أفراد الأمن المركزي!! ورغم توافر كاميرات و«سيديهات» وصور مسجلة بواسطة أجهزة المحمول وكاميرات الفضائيات فإنه لم يتم توصل التحقيق الي مرتكبي هذه الجرائم بل تم الإعلان عن انعدام المستندات الخاصة بهذه الجرائم وحوكم أحد ضباط الشرطة عن إتلاف التسجيلات الخاصة بالأوامر الصادرة من قيادات الشرطة بشأن تفريق المتظاهرين وضربهم بالخرطوش والرصاص الحي، وقد شكلت لجنة برئاسة المستشار «قورة» لتقصي الحقائق بشأن هذه الجرائم التي نسبت إعلاميا الي «اللهو الخفي» إلا أنها لم تصل الي الجناة الحقيقيين ولم يقدموا الي المحاكم مما أدي الي الإلحاح الشعبي من المتظاهرين بالمطالبة بالقصاص فذهب الرئيس الي إصدار إعلان دستوري مع قرار بقانون للدفاع عن الثورة وإنشاء نيابات متخصصة في هذا الأمر للتوصل حسبما صرح بذلك لكشف الحقيقة!! وبصرف النظر عن بطلان تعيين النائب العام والإعلان الدستوري فإنه قد تقدمت لجنة أخري لتقصي الحقائق منذ أيام بتقرير للرئيس الدكتور مرسي يتضمن نتيجة عملها، ونشر انها استطاعت التوصل الي أدلة ومستندات جديدة خاصة بهذه الجرائم، ولكن دون أن ينشر تفاصيل ذلك، وقد سلم التقرير للنائب العام الباطل تعيينه علي أساس أن يحقق فيما ورد في هذا التقرير الجديد!! إلا أنه من المرجح الشك الشديد فيما اذا كان سوف تكشف الحقائق ويحدد المتهمون ويحالون الي المحاكمة الجنائية ويزيد من الأمر غرابة أنه في رمضان الماضي اغتيل 16 مجندا من القوات المسلحة في سيناء، وهم يفطرون، ولم يتم القبض أيضا علي الجناة الملثمين الذين استخدموا سيارة بلا أرقام وتناقضت التصريحات حول استمرار الحملة لاعتقالهم.. وللحديثة بقية. رئيس مجلس الدولة الأسبق