تابعت كلمة الدكتور هشام قنديل فى اجتماع الغرف التجارية الأمريكية.. وكالعادة رأيت عجبًا.. فكم نحن بارعون فى الكلام.. عظماء فى التشخيص.. ولكن كم نحن فاشلون فى وضع العلاج.. ولقد عرفنا ذلك جيداً، فى كل العصور!!. وفى اجتماع الغرف التجارية الأمريكية تحدث رئيس وزراء مصر عن مشكلة التعليم قال إنه تعلم فى كل مراحل التعليم المصرية الحكومية حتى أنهى التعليم الجامعى.. ولم يتحمل إلا أقل التكاليف.. وقال بالحرف الواحد وباللغة الإنجليزية إن كل هذه التكاليف لا تصل إلى تكاليف تعليم طفل مصرى فى عام واحد، فى المدارس الخاصة التى تنتشر فى مصر الآن. فهل كلف رئيس الوزراء نفسه أن يسأل: لماذا يذهب تلاميذ مصر الآن إلى المدارس الخاصة.. ولماذا هجروا مدارس التعليم العام الحكومى المصرى؟. لقد فعلوا ذلك لأنهم لم يعودوا يجدون درسًا صالحًا فيها.. ولا مدرسًا إلا فيما ندر يعطى للدرس حقه.. فهو مشغول معظم الليل وساعات النهار فى الدروس الخصوصية فيذهب إلى المدرسة الحكومية منهك القوى لا يستطيع أن يقول شيئا لتلاميذه فيها.. كل ذلك لأنه يرى أنه لا يأخذ حقه مقابل عمله بالمدرسة الحكومية.. ولكن هل ذلك فقط هو السبب فى انهيار مستوى التعليم العام؟ لقد سمعت مرارًا من أساتذتى فى دمياط الثانوية كيف أن الواحد منهم كان يتقاضى 13 جنيهًا والنصف شهريًا فقط - بعد خصم الضرائب - ولكن كل واحد منهم كان يؤدى واجبه ويقوم باعادة الدروس علينا مجانا فوق سطح المدرسة الثانوية بعد انتهاء اليوم المدرسى.. وقبيل الامتحانات.. وهكذا كان المدرس يقدم لنا كل اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.. والمواد الاجتماعية للقسم الأدبى والطبيعة والأحياء، والكيمياء للقسم العلمى.. كل ذلك مجانا.. لأن المدرس العظيم من هؤلاء كان يرى أن الواحد منا هو ابن له.. ولم نكن نسمع عن الدروس الخصوصية إلا للطلبة الفاشلين «الماحين» فقط.. وهكذا تعلمنا كما يجب فى هذه المدارس الحكومية.. المجانية.. كان المدرس.. مدرسًا له أخلاق وله ضمير ويرعى الله.. تماماً كما يرعى التلاميذ.. وهكذا نجحنا. وكان تحت أيدينا كتب كاملة مطبوعة جيداً.. غنية بموادها وعلومها ولم يعرف الكتاب الخارجى إلا الطالب الفاشل، الذى يستسهل تحصيل العلم وكانت الحكومة تراقب كل ذلك.. والمفتشون يؤدون واجبهم.. وكل ناظر يراقب ما يجرى فى كل فصل.. وكان المدرس ولياً لأمر كل طالب. أما وقد اعترف رئيس الحكومة بحقيقة انهيار التعليم العام.. فماذا يفعل.. هل أدعوه إلى استيراد مدرسين من أوروبا كما فعل محمد على باشا.. وإلى ارسال الطلبة للدراسة هناك، كما فعل هذا الحاكم العظيم، الذى لم يكن مصريًا.. ولكنه كان وفيا لهذا البلد؟ لقد شخصت الداء يا دكتور قنديل.. فماذا عن الدواء يا رئيس حكومة مصر المحروسة؟! وماذا عن مليارات تهدر فى التعليم دون تعليم حقيقى؟!