الأحداث تتلاحق، وتتشابك فيها إنجازات ثورة 25 يناير، الثورة المبهرة تتشابك مع فلول حزب العصابة الحاكمة السابقة، وبينما رصد الشعب المصري والعربي والعالمي تطورات الموقف السياسي والثوري المصري في أيام الجمع بميدان التحرير، تواصل فلول حزب العصابة جرائمه بهدف الوقيعة بين الشعب والجيش. وهنا يتوجب تذكرة أن العبث بالمؤسسة العسكرية هي الخط الأحمر الذي تجاوزه يهدد ثورتنا النبيلة، خطر قد يقصم »لا قدر الله« العمود الفقري الحامي لجميع أعضاء الجسد المصري.. وهذا ما حذر منه اللواء عادل عمارة في المؤتمر الصحفي يوم »19 أبريل الحالي« حذر من الوقيعة بين القوات المسلحة والشعب، ذلك لأن الشعار الذي ارتفع بصوت الملايين في ميدان التحرير »الشعب والجيش إيد واحدة«، لم يكن شعاراً فارغاً من دلالته، بل هو شعار استراتيجي يترجم دور الجيش المصري الوطني طوال تاريخه وفي كل عهود الحكم، وهو ما عبر عنه »ضياء العليمي« ممثل ائتلاف شباب الثورة. ------- ومن نافلة القول أن نصف جيشنا المصري بأنه جيش الشعب، فهذا الجيش هو الذي حمي بيوتنا وشوارعنا بدباباته أيام هجوم البلطجية التي أطلقها حبيب العادلي من السجون لتهديد أمننا واغتيال أمان الشعب المصري. هذا الجيش المصري العظيم هو الذي حققت قواته المسلحة نصر أكتوبر، النصر الذي استقر في حضن كرامتنا منذ عام 1973، من ثم فإن محاولة الوقيعة بين الشعب والجيش هي ذاتها وتحديداً الثورة المضادة، وهي تحديداً تصدر من أنصار الرئيس المخلوع وعملائه والمستفيدين من نظامه، ومع ذلك لا يلغي هذا الواقع الانتقادات المتصاعدة من جميع قوي الثورة والائتلافات المتنوعة بشتي فروعها ضد البطء الشديد في اتخاذ القرارات بالقبض علي المتهمين وإحالتهم للتحقيق فيما سمح لهم بتهريب أموالهم وترتيب أوراقهم، وعلي رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك وعائلته، هذا الرئيس »الكنز الذي فقدته إسرائيل« عدو الأمة العربية وحليفة كل حكام العرب الطغاة. ------- لكن رغم اتساع مساحة القلق علي سلامة ثورة 25 يناير التي جاءت من الشعب بلا أجندة أو بهدف الوصول للحكم، أقول رغم مساحة القلق والشكوك والخوف علي ثورتنا النبيلة غير المسبوقة، الثورة التي قدمها مئات الشهداء ارتوت أرض تاريخنا بدمائهم الطاهرة.. هذه الثورة لن تعود إلي الوراء. فقد بدأ سيل الثورة بقطرة، ولن تكتفي بإزاحة رأس العصابة وأسرته وعملائه، لذا أري في تقديري المتواضع أن ثورتنا لن تكتفي بما تم من تحقيق مطالبهم التي أعلنتها في أيام جمع الميدان، إنما ستواصل المطالبة بتحقيق مطالبها بالتطهير والمحاكمة والقبض علي مدبري الثورة المضادة كما حدث فجر يوم السبت »9 أبريل«. حقاً إنها معركة شرسة بين مطالب الثورة بكل فصائلها وبين ذيول وفلول النظام البائد والذي مايزال أيضاً قائماً، ويخطئ من يظن أن هذا النظام الأخطبوطي قد انتهي. إنه لايزال كامناً كالسوس في الخلايا النائمة بكل آليات ومؤسسات البلاد. صحيح أن ثورة 25 يناير، قد أزاحت رأس النظام العصابي، لكنها لم تغير فلسفة الحكم. صحيح أنها ثورة عبقرية تاريخية بلا قيادة أسقطت النظام في »18 يوماً« وهو نظام قهري تجاوز التاريخ والجغرافيا وفساده غير مسبوق علي مدي 30 عاماً، نظام ظل يخدم الطغيان وأصبح القدوة لكل حكام الشعوب العربية الفاسدين مثله.. فيما نشر الثورات المتفجرة في ليبيا تحت حكم القذافي قاتل شعبه والمختل عقلياً، وعلي صالح في اليمن، وبشار في سوريا، والملك عبدالله في الأردن... إلخ. لكن القوي الوطنية التي تمثل وحدة شعبية فاعلة، تثبت بالعمل والفاعلية أنها قادرة علي تصحيح ما أفسده النظام العميل السابق، وهنا أتوقف عند ذلك الوفد المصري الجبهوي الشعبي الذي ذهب إلي كمبالا بكل ممثلي الشعب المصري، وقد حقق نجاحاً مهماً في قضية ملف مياه النيل، أي »ملف حياة المصريين«، أذكر هنا الأستاذ مصطفي الجندي نائب الشعب والقيادي في حزب الوفد الذي قام بدور وطني أفريقي عظيم ومعه النائب المحترم علاء عبدالمنعم، دور الأستاذ الجندي منسقاً للحملة الشعبية الوحدوية بكل شخصياتها الوطنية السياسية الشريفة، تلك الحملة التي مثلت روح ومصداقية الشعب المصري، استطاع الأستاذ مصطفي الجندي الممثل لحزب الوفد العريق، أن ينجح في التعبير عن مكانة مصر التي تدهورت في ظل حكومة النظام البائد، النظام الذي جرد شعب مصر من قوميته وعروبته وثرواته وعمل لصالح الكيان الصهيوني، الكيان الذي تخصص في المذابح الوحشية ضد أهلنا في غزة كما حدث منذ أيام، كان نظام »مبارك« حليفاً للصهاينة وعدواً للشعب المصري والعربي، صدر الغاز المصري للعدو الصهيوني، بينما لاتزال ملايين المصريين في القري يستخدمون »لمبة الجاز«! في القرن الحادي والعشرين!! ومع ذلك لم يستسلم صديقي المناضل السفير إبراهيم يسري الذي أصبح صديق كل الشرفاء الوطنيين الواقفين معه في معركته القضائية ضد لصوص ثروات مصر، جنباً إلي جنب مع القضايا الأخري ضد النهب غير المسبوق في التاريخ إلا أيام المماليك. ------- اعترف أن القلق قد زحف إلي معظم الصدور والعقول نتيجة لاستمرار أعمال البلطجة المأجورة، يري كثيرون أن عدم التخلص من رجال الرئيس المخلوع واستمرار غياب الأمن، يجعل الناس تشك في المؤسسة العسكرية فيما هو خطر بالغ، ذلك لأن الفساد الذي لحق بمصر فوق مستوي التصديق، وقد قمت بزيارات لعديد من الدول التي يحكمها رؤساء فاسدون لم أسمع مثل هذا الفساد، من الأمثلة مثلاً نظام ماركوس وزوجته في ماليزيا التي تهوي جمع الأحذية، أو في رومانيا والسفاح شاوشيسكو الذي قتله الثوار وزوجته الصهيونية اليهودية، أو في كونغفو كينشاسا، أمثالهم جميعاً متشابهون في حكمهم الدموي ولصوصيتهم الفاضحة. لذا أندهش من أولئك الذين ينادون بالمصالحة مع لصوص الشعب قاتلي شهدائنا، أولئك الذين يتحدثون عن حوار وطني يقوده رجل قانوني دستوري هو د. يحيي الجمل، أليس هذا مطلباً غريباً مريباً؟! لا يمكن أن يدعو إليه سوي شخصية ساذجة أو بعيدة عن ثورية ثورتنا الملهمة ومن الدهشة أيضاً أن يظل د. يحيي الجمل في موقع تنفيذي مهم نائباً لرئيس الوزراء ينتقل من حكومة د. أحمد شفيق التي اسقطتها الثورة، إلي حكومة د. عصام شرف الذي صعد من ميدان التحرير ثائراً مع الشعب إلي موقعه رئيساً لمجلس الوزراء، كيف يحقق »د. يحيي الجمل أي نجاح فيما ينوط به من ملفات؟!«. أما الهجمة الأخيرة للتيار السلفي المدمر للقيم الإسلامية والأخلاقية والحضارية، فهذا مثار رعب جديد لنشر تيار ظلامي يتصدر أبشع ثورة مضادة، فبينما نحتاج إلي ثورة علمية نهضوية نزيل بها عار الأمية والجهالة الفكرية، يهب علينا ذلك التيار الظلامي إلي جانب آليات الإعلام والفن والثقافة الهابطة موروث النظام. ألسنا بحاجة لأن نعطي فرصة كافية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة وللنائب العام الذي يتعامل بعد الثورة وحتي يومنا هذا مع »43 ألف بلاغ تستحق التحقيق؟«. لسنا بحاجة أن تظل الثورة في ميدان التحرير فقط، بل في روح وعقل ووجدان كل مصري.. حتي لا تنهمر دموع القلق علي جدران النفس، ولنظل نردد بداخلنا شعار »الجيش والشعب إيد واحدة«، وهي حقيقة تم بها حماية بلادنا وسنظل إلي أن تنتقل السلطة إلي حكومة ديمقراطية حقيقية ورئيس منتخب من الشعب.