العملة المصرية تمر بأزمة حقيقية فبرغم أن الجنيه معوم أمام سلة العملات الأجنبية،إلا أنه يشرف على الغرق، وهو يودع 2012 ويستقبل العام الجديد، وقد لا يجد القشة التي يتعلق بها ليصل إلا بر الأمان، لأنه يستمد قوته وضعفه من جدارة الاقتصاد ومتانته، وقد حذرنا في كثير من المقالات على صفحات جريدة الشرق منذ بدايات الأزمة السياسية في مصر من تداعياتها على العمل والإنتاج، ومن ثم على قيمة العملة والتدهور السريع لقيمتها الشرائية. ولم تحرك الحكومة ساكنا وكأن ذلك لا يعنيها، ولكن والأمر يبدو طبيعيا ومنطقيا مع تصاعد الاحتجاجات والاضطرابات المتكررة، وعجز الحكومة عن وضع حد لها بعد أن فقد الأمن سيطرته على الشارع، وأصبح الشغل الشاغل للجميع هو التحدث في السياسة عن علم أو من دون علم، وازدادت حدة الاستقطاب والاحتقان ما بين مؤيد ومعارض أو مترقب، من دون أن يلتفت أحد للكارثة التي تلحق بالاقتصاد المتوقف عن الدوران، والذي تسبب في زيادة النزيف من الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تدنى إلى أرقام قياسية تتراوح بين 3 إلى 15 مليار دولار، وفق تقديرات متباينة،لا يعلم حقيقتها حتى الآن سوي محافظ البنك المركزي ورئيس الوزراء المصري الذي تحدث مؤخرا بعد صمت طويل ومريب حول أزمة الاقتصاد المصري منتبها إلى النتيجة التي آل إليها الوضع الاقتصادي، ومتباكيا على اللبن المسكوب، وبدون أن يتعامل مع الأسباب والمقدمات، أو أن يطرح حلا عاجلا وخطة سريعة للإنقاذ، تقيل الاقتصاد من عثرته، لأن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن معقدة ومركبة، نتيجة لطول الفترة الانتقالية وسوء إدارتها اقتصادياً، ونتيجة للسياسات الاقتصادية التي تكرس الاعتماد على الخارج، وأدت إلى تراجع المانحين الغربيين مثل صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية عن وعودهم في منح القرض المقترح بمبلغ 4.8 مليار دولار، وهي أمور متوقعة في ظل الفوضى الأمنية والتشريعية وغياب السلطة القضائية، وعدم الاستقرار السياسي أو وضوح خطه العام، وانتشار الشائعات المؤثرة سلبا على البورصة والاقتصاد بشكل عام، بخلاف تأثيرها على مدى تأمين الحصول على مساعدات أو قروض أجنبية. ولعل الضعف أو الوهن الشديد الذي يعاني منه سعر صرف الجنيه الآن يزيد المخاوف من صعود قيمة الدولار بدعم من تزايد الطلب الذي يساعد من انفجار التضخم في 2013، بعد أن فشل الجنيه في مقاومة الضغوط مما أدى إلى تراجع قيمته الشرائية في مقابل الدولار ودخوله إلى غرفة الإنعاش، وارتفاع أسعار الواردات في ظل خلل الميزان التجاري، مما يفاقم من ارتفاع الأسعار في الفترة القادمة من دون ضوابط،إذا لم تتمكن السياسات المالية من كبح جماح الأسعار وتدعيم الجنيه مقابل الدولار والحد من معدلات التضخم المتزايدة، وعد م الاعتماد المطلق على قرض صندوق النقد، إذا نجحت مصر في الحصول عليه، لأن ذلك لن يكون كافياً، بعد أن فقد الجنيه المصري نحو 6% من قيمته منذ اندلاع ثورة 25 يناير ليسجل أعلى مستوياته في سوق الصرف الرسمية عند 6.10 جنيه مقابل الدولار الأمريكي، مقارنة ب 5.75 جنيه،ويمكن للحكومة أن تستفيد جزئيا في حال استمرار الضغوط على الجنيه وتراجعه، في دعم القدرة التنافسية للصادرات وزيادة الإقبال على المنتج المحلي، حتى تتمكن من توفير العملات الأجنبية لزيادة قدرتها على سداد القروض،و خفض قيمة الدين الداخلي، لأن هذا ينعكس إيجاباً على التصنيفات الائتمانية التي تصدر من المؤسسات الدولية تجاه العملة المحلية. وقد يعوض ذلك جزءا من الخسائر التي سيتعرض لها المستثمر الأجنبي الذي يريد تحويل محفظته الدولارية إلى العملة المحلية للتعامل في البورصة مما قد يجبر البعض للخروج من السوق. كما أن تدهور سعر الجنيه المصري سيكون له العديد من التداعيات السلبية على الاقتصاد في 2013 تتمثل في ارتفاعات غير محدودة في أسعار السلع والمنتجات في السوق سواء المستوردة أو المحلية، خصوصاً في ظل ضعف الرقابة على الأسواق، وانعدام السيطرة عليها إلى جانب الأثر السلبي على ميزان المدفوعات، وزيادة تكاليف الاقتراض من الخارج عن معدلات الفائدة السائدة في البنوك. وكذلك سيكون له انعكاسات سلبية شديدة على محدودي الخل ومن ثم زيادة معدلات الفقر لانخفاض الدخول وارتفاع الأسعار المتوقع والذي لن يصاحبه زيادة في المرتبات نظراً للعجز الذي تعاني منه الموازنة العامة، في ضوء تراجع معدلات تدفقات الاستثمار الأجنبية عائدات السياحة. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية