الفنان شأنه شأن أي فرد في المجتمع له حقوق وعليه واجبات، وله دور اجتماعي تجاه وطنه ومجتمعه الذي يعيش فيه، ونظرا لامتلاكه مالا وشهرة اكتسبها من موهبته وإبداعه، فإن مسئولياته الاجتماعية في وطن فقير كبيرة وضخمة بالمقارنة بالمواطن البسيط. ويعتبرالعمل الخيري في المجتمع سواء كان من خلال المشاركة في حملات أو التبرع النقدي أحد أبرز الحلول السحرية لعلاج العديد من المشكلات التي تواجه المجتمع، ولاسيما إذا شارك فيه رموز الفن والمجتمع باعتبارهم قدوة مثل الفقر والبطالة والصحة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ودور الأيتام. ويحرص العديد من نجوم الفن في مختلف دول العالم على المشاركة في الأعمال الخيرية من منطلق شعورهم بالمسئولية تجاه الوطن الذي يعيشون فيه، وبنظرة دقيقة للفنانين على مدار التاريخ نجد أن الفنانين المصريين كان لهم دورا كبيرا في الأعمال الخيرية. ولعل أبرز النماذج "قطار الرحمة" الفكرة التي تبناها عدد من كبار الفنانين في بدايات القرن الماضي من كبار الفنانين أمثال زوزو ماضي، أنور وجدي، تحية كاريوكا، ليلى مراد، حيث كانوا يسافرون عبر ربوع الوطن ليجمعوا التبرعات الخيرية للمساهمة في مشروعات اجتماعية وإنسانية، كما اقترح العديد من الفنانين على زملائهم فكرة بيع أغراضهم الثمينة في مزاد خيري يعود نفعه إلى الجمعيات الخيرية. كما أحيت كوكب الشرق أم كلثوم، العديد من الحفلات في مصر والدول العربية والأجنبية لدعم المجهود الحربي المصري بعد نكسة 1967. ومن أبرز مشاركات النجوم على المستوى العالمي إعلان النجم السينمائي الشهير ليوناردو ديكابريو اعتزامه التبرع بجزء من المبلغ الذي اشترى به زجاجات الشامبانيا في الحفل الذي يقام لأصدقائه احتفالا بعيد ميلاده والتي بلغت قيمتها المالية 2 مليون و300 ألف يورو إلى الصليب الأحمر من أجل ضحايا الاعصار ساندي الذي راح ضحيته العديد من المواطنين الأمريكيين. كما تبرعت المطربة الأمريكية تايلور سويفت، بمبلغ 4 ملايين دولار لحساب مستشفى سرطان الأطفال، كما تحرص الفنانة العالمية أنجلينا جولي على القيام بالعديد من الزيارات للبلدان التي يوجد بها حروب أهلية ومجاعات. كما تبرع النجم تامر حسني بعدد من رحلات العمرة لعدد من أهالي شهداء ثورة 25 يناير بالتنسيق مع اللجنة الشعبية لأهالي الشهداء واتفق مع إحدى الشركات السياحة للقيام بهذا الأمر. وأكد عدد كبير من نجوم الفن أهمية المشاركة في الأعمال الخيرية في المجتمع للمساهمة في حلول العديد من المشكلات، ولاسيما في ظل الأزمات التي يواجهها المجتمع. وتقول الفنانة آثار الحكيم إن المشاركة في العمل الخيري فرض على جميع المواطنين في المجتمع بلا استثناء، مشيرة إلا أنه على الرغم من تقصير الكثيرين من أفراد المجتمع في هذا الشأن إلا أنها رأت أن أضعف الإيمان أن يشارك أي فرد في الأعمال الخيرية النبيلة بالجهد والوقت إن لم يستطع المشاركة بالمال، مشددة على ضرورة الحرص على التواصل الإنساني وخاصة مع الحالات الإنسانية. وترى آثار الحكيم أنه يصعب عقد مقارنة أو الحكم بشأن تراجع دور الفنانين المصريين مقارنة بنجوم الفن في مختلف دول العالم فيما يتعلق بتأثيرهم وإسهامتهم المختلفة في الأعمال الإنسانية أو الخيرية المختلفة من منطلق حرص البعض على إخفاء ذلك من منطلق ضرورة أن يتصدق المرء بصدقة فيخفيها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. وقالت إن تاريخ الفن المصري حافل بالنجوم الذين كان لهم إسهامات بارزة في هذا الصدد ومن بينهم كوكب الشرق أم كلثوم والفنانة نادية لطفي، مشيرة في الوقت ذاته إلى ارتفاع الجمعيات الخيرية في الآونة الأخيرة وهو الأمر الذي نعده مؤشرا طيبا. كما أبدت إعجابها بالنجمة العالمية أنجلينا جولي في هذا الصدد، مشيرة إلى تنوع نشاطها الخيري المتواصل ومن بينها تبني الأطفال رغم أنها لم تحرم من الأمومة. وأكدت أنه ينبغي على الفنان من الحين للآخر أن يبرز إسهاماته كي يكون قدوة لزملائه يحتذى بها، مشيرة إلى أنها شاركت مؤخرا في إحياء ذكرى العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود، لافتة إلى أنها ناقشت مع ابنته كيفية تفعيل فكرة الاستفادة من مؤلفاته ورحلته الثرية من الشك إلى اليقين واقتراح تنظيم ندوة شهرية لمناقشة مؤلفاته ليستفيد الجمهور من خلاصة أفكاره. وأكد الفنان محمود ياسين أن الفنان المصري يتميز عن الفنان الأجنبي بالكثير، بل ويتفوق عليه في ناحية الدور الاجتماعي، لأن الفنان الأجنبي عنما يقدم أي عمل اجتماعي يقوم بتسليط الضوء على ما يقدمه لكي يتعرف عليه العالم، أما الفنان المصري فيقوم بعمل الخير وينتظر الثواب من الله فقط. وقال إن هناك عدد كبير من الفنانين المصريين قدموا خدمات اجتماعية لبلادهم دون أن ينتظروا أي مقابل مادي، وأكبر مثال على ذلك عندما قدم عدد من الفنانين أمثال فاروق الفيشاوي وممدوح عبد العليم ويسرا وحسين فهمي وشهيرة بالإضافة إلى مشاركتي لهم "مسرحية بداية ونهاية" للكاتب الكبير نجيب محفوظ " التي تم عرضها على المسرح العائم لمدة 40 يوما بدون أجر وبدون أي مقابل وقبل بدء العرض قمنا بأداء بروفات استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر من أجل إخراج عمل متميز وقوي يرضي الجمهور ويحقق متعته، فهل ما قمنا به في هذه الفترة لا يعتبر عملا اجتماعيا، واتحدى أن يقوم به أي ممثل في العالم سواء كان أمريكيا أو انجليزيا، فالفنان الأجنبي يقوم بعمل الخير من أجل الفانتازيا فقط ومن أجل أن يكسب حب الأخرين، ولكي يظهر بشكل مشرف وكأنه الوحيد الذي يقوم بعمل الخير. وأوضح أن فكرة الدور الاجتماعي للفنان تختلف من الفنان المصري للفنان الأمريكي، فهم في الخارج يحصلون على أجور بالمليارات وهي أجور كبيرة جدا بالمقارنة بالأجور التي نحصل عليها، ومن هنا اعتدق أن فكرة المقارنة تظلم الفنان المصري الذي يسعى جاهدا لخدمة مجتمعه في أي قوت وأي مكان. وأكدت الفنانة الشابة حنان مطاوع أهمية المشاركة في العمل الخيري التطوعي، واصفة إياها بأنها واجب على كل مواطن في المجتمع للشعور بالآخر ابتغاء لمرضاة الله عز وجل. وقالت إن الفنان يقع على عاتقه مسئولية كبيرة في هذا الصدد باعتباره قدوة للآخرين في المجتمع ومن ثم ينبغي أن تكون له إسهاماته في هذا الصدد لحل العديد من المشكلات التي يعانيها أفراد المجتمع. أما الفنان سامح الصريطي وكيل نقابة المهن التمثيلية، فأكد أن فكرة الدور الاجتماعي للفنان تختلف من شخص إلى آخر، فهناك فنان لا يستطيع أن يعبر عن رأيه في مجتمعه إلا من خلال موهبته ومن خلال أعماله التي يقدمها وهو دور اجتماعي مهم ومفيد للغاية، وهناك فنان آخر يمتلك الملكة الخاصة بالعمل الاجتماعي ويستطيع أن يعمل فيه وبشكل واضح وملحوظ، كما أن الموضوع يختلف طبقا لشخصية الفنان وهل هو قادر على العمل العام أم لا. وأكد الفنان سامح الصريطي وكيل نقابة المهن التمثيلية، أن الفنانين المصريين لا يتأخرون عن تلبية أي نداء لخدمة المجتمع والدليل على ذلك تواجدهم في الاحتفال بيوم اليتيم كل عام، وزياراتهم المتكررة لمستشفى سرطان الأطفال، وهناك نوع أخر من الفنانين يقوم بعمل الخدمات الاجتماعية في الخفاء، لأن الثواب والأجر لكي تحصل عليه من الله ينبغي أن يكون عملك واجتهادك في السر، لذلك فنحن لا نستطيع أن نقول أن الفنان المصري لا يقوم بأي دور اجتماعي يفيد به من حوله، أنا مثلا عملت كنائب رئيس لأحد الأندية من قبل، وكنت رئيسا لنادي روتاري الجزيرة لفترة من الوقت وقدمت العديد من الخدمات الاجتماعية ولكنني لم أكن أحب الحديث عنها في وسائل الإعلام لأن الأجر في النهاية يكون من الله وحده. وقال إن المجتمع عليه دور كبير للغاية وهو أن يستثمر الفنانين ويستغل موهبتهم من أجل العمل على إفادة المجتمع بأكبر قدر ممكن، واعتقد أن النظم التي كانت تحكم مصر والتي تحكمها الآن للأسف لم تستطع أن توظف الفنان في المكان الاجتماعي المناسب له، والمجتمع المدني يجب أن يستخدم الفنانين بفاعلية أكثر. وأكد أن الفنان يستطيع القيام بالدور الاجتماعي والسياسي والسياحي أيضا وإذا كان الجمهور يشعر أن الفنان المصري مقصر في حقه، فإنني أرى أن هذا التقصير هو تقصير من المجتمع نفسه الذي لم يقدم النجوم بالشكل والوضعية المناسبة لهم والتي لا تفقدهم بريقهم أيضا في نفس الوقت. ورفض الصريطي إتهام الفنان المصري بالتقصير تجاه وطنه أو إتهامه بالتخاذل وعدم خدمة مجتمعه بالمقارنه بالفنان الأجنبي، وقال: "الفنان المصري يتشرف بخدمة وطنه وخدمة العالم العربي ولن يمتنع في أي يوم من الأيام عن عمل الخير، ولكن يجب أن نقدم له الظروف المناسبة التي تمكنه من ذلك". وقال نقيب الموسيقيين الفنان إيمان البحر درويش:"منذ فترة طويلة والفنان المصري يحاول أن يكون له دور اجتماعي يخدم به بلده، وأنا مثلا بعد قيام ثورة 25 يناير تحدثت مع الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية ود.وهشام قنديل رئيس مجلس الوزراء من أحل تنظيم حفلات أطلقت عليها حفلات "رد الجميل" ودعيت لها عدد كبير من الفنانين والهدف من هذه الحفلات هو تخصيص إيرادها من أجل خدمة المجتمع بأي شئ ممكن، فالفنان المصري لن يتأخر عن خدمة بلده مصر التي أعطته النجومية. ولفت درويش إلى أنه قام من قبل بتقديم عدد كبير من الحفلات في الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل جمع تبرعات لغزة ووصلت قيمة الأموال التي حصلت عليها غزة من هذه الحفلات إلى مليون و200 ألف دولار، وأكد درويش أن الفنان المصري معروف بشخصيته المتميزة التي تفرض عليه أن يشارك في أي عمل خيري، فنحن كفانين كنا نعمل على تقديم العون للبلدان العربية في أزماتها فهل سنتأخر عن خدمة بلدنا في الوقت الحالي، ويشير إلى أن هناك عدد كبير من الفنانين يقوم بالعديد من الأعمال الخيرية ولكن في الخفاء لأن هذا الموضوع يكون بينه وبين الله فقط، ولا يسمح لأي شخص مهما كان أن يتدخل فيه، وهناك أيضا نوع أخر من الفنانين يقوم بعمل الخير ولكنه في نفس الوقت يسلط الضوء على ما يقوم به لاكتساب نوع من التعاطف من جانب الجماهير. ويري الناقد طارق الشناوي أن هناك فرق كبير بين الفنان المصري والفنان الأجنبي وهو الإلتزام والإحساس بالمسئولية، فالفنان المصري دائرته صغيره لاتتجاوز حدود مكاسبه الشخصية وتعتمد دائما على المصلحة الشخصية، وحتى لوقدم الفنان أي نوع من العمل الاجتماعي فيقدمه فقط من أجل المصلحة الذاتية وتكون هي الهدف الأساسى من هذا العمل. وأشار إلى أن الدليل على صحة كلامه أن عدد كبير من الفنانين كانوا مع النظام السابق وكانوا يؤيدونه من أجل مصلحتهم الشخصية ومن أجل استمرار نجاحهم والحفاظ على مكاسبهم، والبعض الآخر من الفنانين بعد الثورة أصبحوا يؤيدون الثورة ولكنهم أيضا يؤيدونها من أجل مصلحتهم الشخصية للحصول على قاعدة جماهيرية تضيف لهم ولرصيدهم الفني. وقال الناقد طارق الشناوي إن الفنان المصري للأسف يعمل للمصلحة الشخصية ولا يعمل وفقا لقناعاته، فالنجوم في مصر ينقصهم شئ مهم للغاية وهو الخروج من دائرة المصالح الشخصية إلى دائرة الدور الاجتماعي الكوني، على حد تعبيره. ولفت الشناوي إلى أن معظم الفنانين في مصر وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي نعيش فيها رفضوا تخفيض أجورهم ولو بنسبة بسيطة، وأتجهوا للتليفزيون لأنه أفيد لهم من الناحية المادية، وفي النهاية وبكل أسف فإن المصلحة الشخصية هي العامل الأساسي عند الفنان المصري وليست مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه، على عكس ما يحدث في الخارج، حيث نري أن كل فنان يبحث عن دور اجتماعي بفيد به الناس، حتى ولو كانوا من غير أبناء وطنه، مثلما تفعل إنجلينا جولي مثلا. ولخص الشناوي موقف الفنان المصري من خدمة مجتمعه أنه خارج نطاق الخدمة. من جانبها تقول سميحة نصر استاذ علم الاجتماع، إن الفنانين المصريين قدموا العديد من الأدوار الاجتماعية المتميزة من خلال الأعمال التي قدموها سواء كانت في الدراما أو التليفزيون، لأن هذه الأعمال تناقش العديد من المشكلات والقضايا التي يتعرض لها المجتمع كما تناقش سبل حلها، وبالتالي فإن المجتمع هو المستفيد الأول من تلك الأعمال التي يقدمها الفنان. وأضافت:"لا نستطيع أن نقول أن كل الفنانين الآن لا يؤدوا دورهم الاجتماعي لأن مصر تعيش فترة عصيبة تسببت تقريبا في توقف كل الأنشطة التي انعكست بالسلب على دور الفنان الاجتماعي وأصبح لايسير على نفس الوتيرة التي كان يسير عليها من قبل وهي تقديم العديد من الحلول للمشاكل التي يعانيها المجتمع. وترى الفنانة رانيا محمود ياسين أن مقارنة الإسهامات التي يقوم بها الفنانون المصريون في العمل الخيري مع الأجانب غير منصفة، وخاصة في ظل الفارق الشاسع في الأجور التي يتقاضاهاالفنانون المصريون بالأجور التي يتقاضاها الأجانب وفي ظل حال الركود التي يعانيها قطاع الفن حاليا. وقالت إنها ترى أن أعمال الخير كلها يتقرب من خلالها الإنسان إلى خالقه ومن ثم فإنها ترفض أن يتم الإفصاح عن تلك الأعمال عبر وسائل الإعلام المختلفة، باستثناء أعمال الخير الضخمة التي تتطلب تنفيذها تكاليف باهظة مثل إنشاء مستشفيات أو إقامة صرح كبير يستفيد منه قطاع كبير من المواطنين مثل مستشفى سرطان الأطفال وغيرها من المشروعات. وأعربت عن اعتقادها بتراجع كل ما هو جميل وليس فقط أعمال الخير في مصر، وخاصة في الآونة الأخيرة في ظل حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع حاليا الذي زاد حالة الكآبة في المجتمع، وقالت:"نأمل ألا يتوارى كل ما هو جميل في المجتمع". وأكدت الفنانة فردوس عبد الحميد أن أعمال الخير التي يشارك فيها الإنسان بصفة عامة والفنانين ورموز المجتمع بصفة خاصة أمر ضروري للمساهمة في حل العديد من المشكلات التي يعانيها المجتمع، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك الأساس في إنهاء أزمات المجتمع، مشيرة إلى أنه لكل مواطن الحق في أن يتمتع بثروات وخيرات بلاده وبحياة كريمة تكفلها له الدولة.