هل كان الرئيس مرسي يقصد باسم يوسف صاحب برنامج «البرنامج» في خطابه خلال افتتاح دورة مجلس الشورى السبت الماضي حين أكد أن الدولة العصرية لا يمكن أن تقوم بدون إعلام حر بعيد عن سطوة السلطة وسطوة جماعات المصالح والتمويل الفاسد، أم أن الرئيس لم يدر بخلده شىء من هذا؟ أيا كانت الإجابة، فمن الواضح أن ما يمكن اعتباره معركة إعلامية حول شخص الرئيس ودور باسم فيها يطرح العديد من التساؤلات بشأن وضع الإعلام في مرحلة ما بعد الثورة تتطلب إجابات يمكن من خلالها وضع النقاط فوق الحروف. بداية، أعترف بأنني ضحكت كما لم أضحك من قبل منذ فترة طويلة عندما شاهدت لأول مرة على شاشة التليفزيون حلقة «البرنامج» الأخيرة التي تناولت مواقف طريفة ولقطات ساخرة تعرض لجوانب خاصة بالرئيس مرسي غير أن الضحك رغم تحليقه في أجواء المكان بحكم وجود عدد كبير من الأولاد والأطفال كان ضحكاً يختلط بالمرارة. بدت لي صالة المعيشة التي جلسنا فيها نتابع حلقة «البرنامج» مسرحا من مسارح محمد صبحي أو عادل إمام أو غيرهما من نجوم الكوميديا وأدركت وقتها سر تعلق أبنائي بظاهرة باسم يوسف إلى الحد الذي طالبوا معه قبل الحلقة الأخيرة بأيام بالذهاب الى مسرحه الأربعاء الماضي للمشاركة في «البرنامج». بدا لي الأمر مع هذا الطلب، مع ما فيه من مشقة حال تحقيقه مثيرا ودافعا للاستغراب خاصة حين وجدت ابني الأصغر – 8 سنوات – في ذات اليوم يتابع الحلقة قبل الأخيرة من «البرنامج» من على موقع يوتيوب وهو ما دفعني للدخول على الموقع وتحميل حلقة كاملة تصادف أنها كانت الحلقة الممنوعة من على قناة «سي بي سي» وشاهدتها بالكامل. كان من الأمور المدهشة في الحلقة، التي تناثر بعض ما فيها إلى مسامعي، حجم الانتقادات التي وجهها باسم للقناة التي تبث برنامجه وتنال من موضوعيتها ودورها الوطني حيث راح يغمز ويلمز من موقفها من الثورة متهما إياها بصراحة بأنها من «الفلول» من خلال تناول موقف كبار مذيعيها وعلى رأسهم عماد الدين أديب ولميس الحديدي وغيرهما فيما قد يكون تصريحا أو تلميحا، صدقا أو زورا وبهتانا لما يشير إليه البعض بوصف التمويل الفاسد. سرحت بخيالي في حجم من يقف ضد الثورة وتأكيد البعض أن من بينهم الفريق أحمد شفيق وأنه يحاربها كما لو كانت معركة مع الأعداء. سألت نفسي: هل حاول مرسي استخدام السلاح الذي أشهره باسم يوسف ضده؟ وليرد بذلك الصاع صاعين.. في الحدود التي لا يسمح له منصب الرئيس بتجاوزها؟ حاولت استجماع حالة الجدل التي أثارتها ظاهرة باسم وموضعها من حرية الإعلام، فكان الحصاد بالغ السلبية.. شعرت بصعوبة في تقبل الحالة المزرية التي صور لنا باسم من خلالها منصب الرئاسة والتحامل الشديد على مرسي لدرجة التصيد والمبالغة أو «الأفورة» في بعض المواقف والأقوال بتعبير البعض. قلت لنفسي ولكنها ضريبة حرية الإعلام. وجاءني الرد من داخلي على الفور: وأليس لهذه الحرية من حدود؟ وفي حالة حوار ذاتي كان السؤال: ومن يحدد هذه الحدود؟ وما المساحة الواجبة للمكتوب ضمن هذه الحدود؟ وما المساحة الواجبة للشفوى.. أو ما يصفه البعض ويسميه ميثاق الشرف الإعلامي؟ وإذا كانت فوضى ما بعد الثورة التي انتشرت كالنار في الهشيم في مختلف مظاهر حياتنا قد امتدت إلى الإعلام.. أليس من «فرملة» لا تمس جوهر الحرية؟ بدأت تتراءي لي صورة الأموال التي كان يبرزها باسم في الحلقة الأخيرة في محاولة منه للإشارة إلى أنها تحكم موقفه ورحت أتساءل: هل هذا هو التمويل الفاسد الذي يقصده الرئيس.. وتساءلت: هل هو نوع من السخرية الخالصة من باسم كما هي عادته، أم هي السخرية الممزوجة بالجدية ولو باللاشعور؟ وماذا نفعل في تأثير المال إذا أدى بنا لتجاوز حدود الحرية الواجبة؟ توارد على ذهني وقف حلقة برنامج «البرنامج» الخاصة بانتقاد «سي بي سي» فكان السؤال إذا كانت وسيلة الإعلام تملك وضع سقف للحرية فيما يتعلق بالنيل منها.. فمن يضع هذا السقف إذا تعلق الامر بالغير؟ خاصة إذا كان هذا الغير هو الرئيس.. هل يلجأ مع كل إهانة أو إساءة للقضاء.. لو ساد هذا المنطلق لأصبح ذلك طريق الشهرة للكثير من الإعلاميين المغمورين باعتبار ان الإساءة للرئيس ستكون جواز المرور إلى هذا الهدف. حاولت الخروج من أسر باسم يوسف وقلت لنفسي إنه بغض النظر عن العديد من الجوانب التي يمكن أن تقال بشأن مناخ البزوغ المفاجئ له كظاهرة والتي تشبه إلى حد كبير ظاهرة على حميدة صاحب شريط «لولاكي» الذي انفجر في الثمانينات ثم اختفى وظاهرة لاعب الكرة رضا عبد العال الذي أصبح حديث المصريين جميعا بين عشية وضحاها ثم تلاشى وغيرهما من الظواهر المماثلة، يبقى السؤال: هل من حدود لحرية الإعلام؟ تزداد أهمية هذا السؤال في حالتنا في ضوء حقيقة أن باسم يوسف لعب دورا محرضا على حالة من الانفلات في مناخ الحرية الإعلامية؟ وإذا لم تصدق.. فعد إلى الاستماع لفيديو منسوب لشيخ يسمى أبو خالد يذكر أنه كاتب صحفي يرد فيه على باسم وسخريته بشكل تجاوز من خلاله كافة قواعد العمل الأخلاقي الإعلامي. بعد حالة من الشعور بالغثيان على وقع مواقف أبو خالد.. رحت أمنى نفسي بحالة من الإعلام المسئول يتجاوز وضع المراهقة التي قد تكون طبيعية في مجتمع يتنفس الحرية للمرة الأولى.. ولكنها حالة نتمنى ألا تطول.