الأجور في مصر مجنونة.. ومختلة، فهناك موظف يتقاضي مليون جنيه شهرياً وآخر يتقاضي 100 جنيه فقط، وكلاهما يتقاضي أجره من المال العام ولكن أين الاختلاف؟ الحكاية أن محاسيب الحكومة وضعوا لوائح مشبوهة في بعض الهيئات والمؤسسات ليغرفوا من المال العام ما شاءوا.. وكله بالقانون وساعدهم علي ذلك أنهم كانوا أصحاب حصانة خاصة من النظام المخلوع الذي سهل لهم الطريق لينفذوا خطتهم الجهنمية في نهب ميزانية الدولة. والآن وبعد خلع النظام لم يعد هناك مبرر لاستمرار تلك اللوائح المشبوهة، كما أنه مطلوب من الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء أن يدرس بعناية ملف الأجور، وأن يضع حداً أدني وحداً أقصي للأجور حتي يحدث التوازن المطلوب في ميزان الأجور. أكد البدري فرغلي نائب مجلس الشعب السابق عضو في الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ورئيس اتحاد أصحاب المعاشات أن هذا الوقت الوحيد المناسب لاتخاذ إجراء سريع وفوري لأن مصر هي البلد الوحيد في العالم التي لا يوجد فيها حد أعلي للأجور. وأضاف فرغلي أن فاتورة التوريث دفعها الشعب المصري من جيبه والتي وصلت إلي 50 مليار جنيه سنوياً وكانت عبارة علي لوائح مجهولة وبعيدة عن الجهاز المركزي للمحاسبات فمصر كانت منهوبة حتي وصل الأمر إلي أن الموظف العام يتقاضي من 3 إلي 6 ملايين جنيه تحت مسميات مجهولة ونسب مئوية. وأكد فرغلي أن كل هذه الأموال التي يحصل عليها كبار الموظفين تساوي ما يتقاضاه الشعب المصري سنوياً. وكان النظام السابق يري في المحظوظين أنهم أهل الثقة مثل المحافظين ومديري الأمن ورؤساء الشركات. وقال فرغلي إن الأجور المشبوهة التي يتقاضاها المحظوظون تساوي دعم السلع الأساسية خمس مرات، كما أن أموال البنوك جانب كبير منها يذهب للجنرالات وكذلك الشركات العامة والخاصة والقابضة. وأشار إلي أنه تقدم ببلاغ إلي وزير المالية الحالي د. سمير رضوان وأبلغته بأن الأجور المشبوهة التي تستقطع من اللوائح المجهولة تستقطع جانباً كبيراً من دخل الشعب المصري. وحذر فرغلي وزير المالية أنه في حالة عدم وقف هذه المهزلة فوراً سوف يدفع الشعب المصري الثمن غالياً. وقال فرغلي إنه من المؤسف أن يتقاضي وزير للإعلام 15 مليوناً شهرياً ورئيس مصلحة الضرائب 250 ألف جنيه شهرياً.. وسكرتارية المكاتب 100 ألف شهرياً.. والمحافظون من نصف مليون إلي مليون شهرياً، في الوقت الذي يتقاضي فيه ملايين الموظفين رواتب لا تتعدي 200 جنيه شهرياً. طالب فرغلي الحكومة بسرعة إيجاد رد وموقف حازم للحد الأقصي للأجور. وعلي الرغم من أن فرغلي يري أنه لابد من وضع حد أقصي وأدني للأجور هو المطلب العاجل الآن إلا أن الدكتورة ابتهال رشاد خبيرة التنمية البشرية تري أنه لابد من استعادة الأموال المنهوبة إلي خزانة الدولة ومحاسبة الفاسدين لردع الفساد وخطوة أولي واستشهدت بالمادة 118 مكرر ب من قانون الأموال العامة.. والذي ينص علي أن المال العام ملك للدولة وأي شخص يقوم بالاستيلاء علي هذا المال ويعرض رده كاملاً عداً ونقداً عند التحقيق معه.. فمن الممكن حفظ التحقيق بشرط ألا تكون جريمة الاستيلاء علي المال العام مقترنة بجرائم أخري. وأضافت رشاد أنه في ظل التغيرات الجديدة لابد من تعديل لوائح الأجور، فالتفاوت الكبير فيها ساهم في ظهور العنف وبعض الاحتجاجات الفئوية في كل مكان بعد الثورة، وهو ما أدي بالطبع إلي التخوف من ظهور ثورة مضادة يستغلها فلول النظام السابق. وأكدت خبيرة التنمية البشرية أن الفساد موجود في كل مكان الآن وفي معظم الوزارات والهيئات الحكومية وأدي إلي ظهور طبقة جديدة متسلقة تعيش علي مجهودات الآخرين وفي مقابل ذلك يوجد موظفون لا يملكون المقومات الأساسية للحياة الإنسانية ونتج عن كل هذا صراع طبقي.. والذي أدي بالطبع إلي قيام الثورة. وتضيف: المؤسف انتشار المظاهرات والمطالب الفئوية وإذا لم تنظر الحكومة بعين الاعتبار ومحاولة استيعابها والنظر في تعديل الأوضاع وتعديل الرواتب سيتحول الأمر إلي كارثة. وطالبت بضرورة وضع حد أعلي للأجور في مصر الآن والوقت مناسب جداً لذلك لكي نحقق مكسباً من مكاسب الثورة البيضاء لابد من العمل علي الأخذ بمبدأ »الكفاءة« دون الوساطة والمحسوبية وظهور فروق طبقية. وقالت ابتهال إنه لو تم استعادة الأموال المنهوبة من المصالح الحكومية والوزارات فسوف تساعد علي تعديل الأوضاع الاقتصادية للفئات المحرومة والفئات المهمشة، كذلك عودة الأموال المسروقة سوف يؤدي إلي تعديل الوضع الاقتصادي وتعديل الموازنة العامة للدولة. وأشارت ابتهال إلي أنه لابد من عقاب المتهمين من الوزراء السابقين بإهدار المال العام لأن موظفي الدولة مسئولون أمام الشعب عن حماية أموال وثروات الدولة وممتلكاتها، مؤكدة أن تجاهل عقاب المسئولين لن يردع الفساد والمفسدين. وفي سياق متصل تقدم خالد علي رئيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بطلب إلي المجلس العسكري لإصدار مرسوم بقانون لوضع حد أقصي للأجور بشكل مؤقت لحين إعادة هيكلة الأجور في مصر وأقترح ألا يزيد الحد الأقصي علي 20٪ مثل الحد الأدني للأجور. وأكد خالد علي أن عدم وضع حد أقصي للأجور يعد إهداراً للعدالة الاجتماعية، والتفافاً علي نصوص الدستور المصري وعدواناً علي المال العام. فلا يعقل أن يكون هناك أجور تصرف من المال العام تصل إلي مليون جنيه شهرياً، وأجور أخري لا تتجاوز مائة جنيه شهرياً. وقال رئيس المركز إن مصر عرفت قواعد الحد الأعلي للأجور منذ عام 1961، حيث تم تحديدها بخمسة آلاف جنيه سنوياً وفي عام 1986 زاد الحد الأعلي إلي عشرين ألف جنيه سنوياً وفي عام 2000 زاد إلي أربعة وخمسين ألف جنيه سنوياً. وبالطبع كان يتم الالتفاف علي هذه النصوص خاصة في الخمس عشرة سنة حتي صدر حكم الدستورية رقم 202 لسنة 28 قضائية دستورية في 6 ديسمبر 2009 الذي قضي بعدم دستورية المواد المنظمة لطريقة وضع الحد الأعلي للأجور. وكان من اللازم أن يضع مجلس الشعب قانوناً جديداً للحد الأعلي للأجور يراعي فيه ما ذكرته المحكمة الدستورية.. ولكن مجلس الشعب تقاعس عن عمد عن إصدار مثل هذا التشريع رغم أهميته في الحفاظ علي المال العام وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية. واستند خالد علي إلي المادة 23 من الدستور التي تنص علي ضرورة وضع حد أدني للأجور بما يكفل ويقرب الفارق بين الدخول ويضمن حياة كريمة للعمال. وقال خالد إنه بعد نجاحه في الحصول علي حكم قضائي يلزم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير التنمية الاقتصادية بصفته رئيس المجلس القومي للأجور بما يضمن حياة كريمة للعمال والموظفين. ودارت العديد من المناقشات المجتمعية حول الخلل في هياكل الأجور في مصر وما أصابها من تشوهات تستدعي ضرورة الربط بين الحدين الأدني والأقصي للأجور بهدف تقريب الفروق بين الدخول طبقاً لما جاء بنص المادة 23 من الدستور المصري.