إنّ الأصل في الإيمان والعقيدة الصّحيحة قيامها على أركان الإيمان السّتة، والتي بيّنها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث المطوّل الذي رُواه أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: "فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ". ولا يصحّ إيمان المرء ما لم يكتمل إيمانه بالأركان السّتة إيمانًا مطلقًا، مع كامل التصديق بالقول والعمل، والمقال يسلّط الضوء على إحدى أركان الإيمان ألّا وهو الإيمان بالقضاء والقدر ويبيّن ثمراته وفوائده. الإيمان بالقضاء والقدر إنّ الإيمان بالقضاء والقدر يقتضي في البداية التعريف بهما، فالقضاء في اللغة هو ما يكون في معناه إتمام الأمر وإحكامه، وقد جاء في القرآن الكريم بمعنى الحكم والموت والأداء وغيرها من المعاني التي حملتها الآيات الكريمة، فيما القدر في اللغة هو الحكم والقضاء، أمّا في الاصطلاح فإنّ القضاء والقدر هو التقدير الإلهيّ للأشياء في القدوم وعلمه بوقوعها ضمن ميقاتٍ معلومٍ عنده، والإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان السّتة، ويكون من خلال اليقين بما يحصل من الأمور خيرها وشرّها بقضاء الله وقدره، حيث قال -تعالى- في سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ /p لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وفي سورة القمر حيث قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}. ويمرّ الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرّه بأربع مراتب أوّلها الإيمان والتصديق بأنّ الله -عزّ وجلّ- يعلم الغيب في الجملة والتفصيل، حيث قال -تعالى- في سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}. وثانيها الإيمان بوجود الكتاب الذي كتب فيه الله -سبحانه- مقادير الخلق، حيث قال -تعالى- في سورة الحج: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. وثالثها الإيمان بمشيئة الله التي شملت كلّ شيء، حيث قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وآخرها اليقين بخلق الله للنّاس جميعًا وباقي المخلوقات بالصّفات التي تحملها، حيث قال تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.