يعرف الرجل بكلمته ودائما ما تعبر مواقفه عن مبادئه, ولكن جماعة الإخوان المسلمين لم تلتزم بهذا النص، وخرجت علي إطاره لتصيب متابعيها بالحيرة , فما أباحته لنفسها سابقا أثناء حكم النظام السابق يخالف تماما ما تسير على نهجه بعد صعودها للحكم, واتضح هذا الموقف بشكل خاص مع القضاة، فالمواقف تبدلت والمبادئ أصابها التشويش. ففى عام 2006 ساهموا بقوة فى نصرة الجماعة لقضيتهم الأبدية «استقلالية القضاة» واليوم ينكرون عليهم الحق فى الدفاع عن نفس الموقف لينطبق عليهم مثل «سبحان مغير الأحوال». يرى أعضاء الجماعة قرارات الرئيس محمد مرسى الصادرة فى نوفمبر الماضى, والمغلفة تحت بند اعلان دستورى، أنه لا يمس هيبة القضاء, وإنما جاء لرأب بعض المخططات التى تحاك ضد الرئيس من قبل بعض القضاة, وهو ما لا يتفق مع وجهات نظر القضاة, كما يدعى قيادات الجماعة الإخوانية أنه جاء كمحاولة لابعاد القضاة عن السياسة، حتى أكد الرئيس أنه لا يمكن أن يصف القضاة بالمتمردين كما ردد البعض، لافتاً إلى أن الهيئات القضائية لها احترامها، وأن الإعلان الدستورى هدفه إبعادهم عن التشريع، لأنهم مستقلون ولهم قدسيتهم، وإذا أصدروا حكماً فإنه واجب النفاذ. وقال الرئيس فى حواره للتليفزيون المصرى، عندما تحدث عن قول القضاة رأيهم في القضايا السياسية، أنا فى عام 2006 كنت أقول فى الشارع «لا للعدوان على القضاة» واعتقلت بسبب ذلك، وأنا لا أقول ذلك لكى أظهر أنني أمن عليهم، ولكننى لا أريد أن يكونوا طرفاً فى خصومة سياسية. وأضاف مرسى: عندما أرى جمعية عمومية للقضاة ويكون بينهم من ليس منهم، فإن ذلك يحزننى، مؤكداً أن القضاة سيكونون أعزة فى سلطانهم دون المساس باستقلالهم. ويرى بعض القضاة أن حديث الرئيس عنهم وعن قضيتهم ورؤيته لها وتعمده ذكر وقوفه بجانبهم، في حين أنه يقف ضد مطلبهم وحفاظهم على استقلاليتهم, هو ازدواجية فى التعامل، وهو موقف مشابه لما فعله الرئيس السابق مبارك الذى أنكر على القضاة الدفاع عن استقلاليتهم أو اعتراضهم على تزوير الانتخابات، معتبرا أن هذا أمر سياسى لا دخل لهم به، كما أن جماعة الإخوان نفسها وقفت ضد النظام السابق لتدافع عن القضاة والآن ترى وقفة القضاء ضدها أمر محزن وتمرد. وبالرصد التاريخى لمواقف الإخوان مع القضاة نجد أن تدخل جماعة الاخوان المسلمين كشريك مساند للقضاة نهاية عام 2005 أثناء دعمهم لتيار الاستقلال مع تيارات وحركات وطنية في مظاهرات حاشدة، عندما طالب أعضاء التيار بتعديل قانون السلطة القضائية للحد من تدخل السلطة التنفيذية فى العدالة. وكشف عدد من رموزه عن قيام جهاز مباحث أمن الدولة بعمليات تزوير واسعة فى انتخابات مجلس الشعب آنذاك خلال المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات. كما ارتكزت الجماعة في برامجها ورؤاها الإصلاحية المختلفة علي ضرورة استقلال السلطة القضائية وعدم تغول السلطة التنفيذية عليها، وكان هناك العديد من المواقف والرؤى التي طرحتها لتفعيل استقلال السلطة القضائية, وقدم الإخوان الكثير من التبعات والتضحيات تجاه هذه الموقف المبنى على ضرورة الفصل بين السلطات, لضمان استقامة أسس الدولة المصرية وهذا بحسب الجماعة ورؤية قياداتها. وتبنت كتلة الإخوان بالبرلمان 2005 مشروعاً جديداً للسلطة القضائية أعده نادى القضاة الذي كان يسيطر عليه في ذلك الوقت تيار الاستقلال برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز والمستشار أحمد مكي، وكان مشروع القانون يتعارض مع مشروع القانون المقدم من الحكومة والذي اعترض عليه نادى القضاة، وكذلك اعترضت عليه الجماعة. وفى وقائع مناصرة المستشارين محمود مكي وزير العدل الحالى وهشام البسطاويسي أثناء التحقيق معهما، جرى اعتقال العديد من قيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتقلت قوات الأمن حوالي 500 من الإخوان المسلمين، وفي منطقة العباسية اعتُقل حوالي 80 إخوانيا منهم الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد، و130 من منطقة محاكم الجلاء والتي اعتُقل فيها الدكتور عصام العريان القيادي البارز وأمين صندوق نقابة الأطباء، التي تقع بالقرب من منطقة القضاء العالي وسط القاهرة، والتي تجري فيها وقائع المحاكمة لاثنين من المستشارِين؛ بسبب تصريحاتٍ صحفية للإعلام حول تزوير النظام للانتخابات البرلمانية الأخيرة. وحشدت السلطاتُ الآلاف من قوات الأمن المركزي، بالإضافة إلى قوات مباحث أمن الدولة؛ للتصدي للمظاهرات التي نظَّمها الإخوان المسلمون يوم الخميس 18 مايو 2006 أمام دار القضاء العالي ومجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة ومحكمة شمال القاهرة بالعباسية؛ للتضامن مع المستشارَين محمود مكي وهشام البسطاويسي المحالَيْن للتحقيق. كما داهمت قواتُ الأمن المتظاهرين في أغلب المناطق المحيطة بمنطقة وسط القاهرة والتي مُنع فيها التظاهر، واعتقلت عددًا كبيرًا من الإخوان واعتَدَت بالضرب المبرّح بالعصيِّ الكهربائية والهراوات والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، كما قامت بسَحْل عددٍ كبيرٍ منهم على الأرض، في محاولةٍ لمنع المظاهرات المؤيِّدة للقضاة. وفي وسط القاهرة وأمام دار القضاء العالي تجمَّع نواب الإخوان المسلمين ومعهم نواب المعارضة والمستقلين، مرتدين أوشحةً مكتوبًا عليها «نواب الشعب مع القضاة» مردِّدين الهتافاتِ المؤيِّدة للقضاة ومعهم مئات الإخوان المسلمين، ومنها «بدأ العد التنازلي لاستعادة الوطن». كانت هذه هى مواقف الجماعة سابقا من قضية دفاع القضاة عن استقلاليته، والآن يرى بعض قيادات الجماعة أن القول باحترام النادي للقانون كان السبب في هذه الوقفة الصاخبة قول باهت، لأسباب متعددة، منها أنَّ القضاء مهمته فقط هي الفصل في الخصومات القضائية التي تعرض أمامه بين الأفراد والهيئات والإدارة، وعندما يفصل في تلك القضايا فإنه يطبق القانون فقط. أما الكلام عن مدى منطقية ووجاهة النص الدستوري من عدمه فهذا عمل سياسي صرف لا يجوز بحال للقضاة أنْ يفصلوا فيه. كما أنَّ القانون يجرم تعطيل العمل، والقضاة هم الذين يطبقون ذلك ويصدرون أحكامًا وفق القانون على من يعطل العمل. وهذه مبررات رفض احتجاجات القضاة . كما يرون أن المستقر والعرف والقانون المصري لا يسمح للقاضي بأنْ يتعدي النقاش بالرأي والحجة البريئة إلى عراك سياسي. ولا يجوز له أنْ يضغط على المجتمع كله من أجل الضغط على الدولة للأخذ برأيه في النقاش حول نص دستوري مقترح.. وأشاروا إلي أن تعدي التعبير عن الرأي بالامتناع عن نظر الدعاوى القضائية ابتزاز فاضح لا يليق بالقاضي ولا غيره. وأضافوا أنه بعد صدور النص الدستوري لا يجوز للقاضي، أن يستدرك على النص. وأن من الغريب أنَّ يستدرك رجال قضاء على الإعلان الدستوري، مع أنهم لم يستدركوا من قبل على جمال عبد الناصر أو المجلس العسكري. يرى المستشار وحيد محمود «من شيوخ القضاة» أنهم وقفوا كثيرا بجانب جماعة الاخوان المسلمين أثناء تعرضهم للاعتقالات، وكنا نسعى لانقاذهم من الحبس والاعتقال وأنصفناهم كثيرا، وكان يتم الافراج عنهم فى عهد الرئيس السابق الذى كان يتهمهم زوراً فى بعض القضايا, ورداً على هذا وقفوا بجانب تيار الاستقلال فى 2006 وشاركوا فى مظاهراتهم ومؤتمرات القضاة وأيدوا الدفاع عن قضيتهم , ولكن بعد تولى الاخوان الحكم بدأ الصراع مع القضاة خاصة مع حل البرلمان، وبدأ الأمر يأخذ منحى آخر تبناه أعضاء البرلمان. وأضاف «محمود» أن الغريب فى الامر هو اختلاف الوضع لمجرد أن الجماعة إعتلت الحكم، رغم أن القضاة يدافعون عن استقلالهم وحرياتهم،، ويجب اتساع صدر السلطة الحالية للموقف, كما يجب عليها أن تسلك موقفاً موحداً بين الماضى والحاضر، لأن الازدواجية ليست مطلوبة. ويؤكد الدكتور حمدى عبد الرحمن عميد كلية الحقوق «سابقا» ان موقف الإخوان مع القضاة ينطلق من منطلق اللعب السياسى، وهى لعبة ليس فيها التزام بمواقف مستقيمة لان اللعب السياسى لا يلتزم بالموضوعية او المعايير الاخلاقية، وهذا وارد حسب المصلحة السياسية فى وقت معين، وفى زمان معين وهذا اتضح فى موقف الاخوان من القضاة سابقا وحاليا فهم يتحركون بحسب مصالحهم وليس مبادئهم. وإذا استمرت الجماعة فى اخطائها ستكون هناك فوضى عارمة وآفاق كارثية، لأن هذا يشق صف الوطن الى فريقين ويجب تداركه لأن له أثاراً سيئة خاصة مع القضاء، ويجب ألا يتم الهجوم على القضاء لانه الضمانة الوحيدة لكل الجبهات والأحزاب وهو الفاصل, ولو سقط ستسقط الدولة وهيبتها، ولا يجوز لأى إنسان عاقل اهانة القضاء. ويوضح المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة السابق أن جماعة الإخوان عندما كانت محظورة حاولوا مساندة القضاة لكسب ودهم سياسيا حتى يتجنبوا صدور الأحكام عليهم فى الجرائم السياسية ودافعوا عن مصالحهم من خلال استقلالية القضاة حتى أنهم رفعوا شعار عدم جواز محاكمة المدنيين عسكريا وكانوا فى طريقهم نحو الضغط السياسى الإعلامى ضد النظام السابق بأعضاء مستترين من القضاة, والآن هم فى مرحلة التمكين من الدولة وهم يسعون الى السيطرة على مفاصلها وتركيز الدولة فى سلطة الرئيس فقط , وهذا موقف مناقض لما سبق. وسيناريو الإخوان ثابت ويسيرون فيه بقوة، فالإخوان سعوا الى تدمير الشرطة بحرقهم للسجون والقضاء علي رجال الشرطة معنويا حتى توفى الجهاز إكلينيكا, واستطاع الرئيس السيطرة على الجيش بعد عزل قيادات المجلس العسكرى، ومن خلال هذة الخطوة منح لنفسه حق التشريع ومن هنا استغل التشريع ليقضى على مؤسسة القضاء وصناعة معاداة معها حتى يستمر فى السيطرة على كافة مفاصل الدولة، وهو مايراه «الجمل». والأنكى فيما يحدث هو لجوء الرئيس وقيادات الجماعة الى اللوم على القضاة فى ضم بعض السياسيين إلي جمعيتهم العمومية وانهم يحاولون تسييس القضية، فى حين أنهم حضروا مؤتمرات ومظاهرات القضاة عام 2006.