أبكي علي حالي أمتي.. وطني العزيز مصر.. أبكي وأنا اري هذا الوطن الذي حاربنا من أجله وقد تعرض للانهيار.. بسبب من يتمسكون بكراسي الحكم وهم قلة رغم انهم يدعون أنهم أصحاب الأغلبية.. حتي صار الامر مجرد مصالح البعض في ان يجلسوا يحكمون ويتحكمون.. حتي ولو تم ذلك بعد ان تصبح الديار أطلالاً والشعب أشباحاً.. أبكي علي مصر وقد صار هذا هو حالها.. ولا أعرف هل أواصل الكتابة.. أم اعلن اعتزالي.. فلم يعد أحد يحتكم إلي العقل.. أو يعود إلي جادة الصواب.. أبكي علي مصر ولسان حالي هو نفس لسان حال شاعرنا - شاعر النيل - حافظ إبراهيم في قصيدته التي نظمها عام 1920 والتي يقول فيها: إلام الخلف بينكموا إلاماً.. وهذه الضجة الكبري علاما ولم استطع أن اكمل البيت الثاني الذي يقول مطلعه: «ويكيد بعضكم لبعض».. حقاً لماذا هذا الخلاف.. حتي وان كان هناك اختلاف في الآراء.. وفي اختيار الطريق الذي يراه هو الأفضل.. ولكن في النهاية لا يجب أن يدفعنا هذا الخلاف في الآراء أن نلجأ إلي السلاح.. وهو الذي بدأ بالاحذية.. وكلنا يجب أن نعيد الشيء إلي أصله.. فمن الذي بدأ.. أليس من بدأ هو الذي ركب الثورة وان لم يشارك فيها من بدايتها.. ركبها عندما تيقن ان النظام السابق يتهاوي ويسقط فأسرع إلي الميدان ليركب الموجة ليتلقف التفاحة وهي تسقط، فقد كان يخشي الصعود إلي المسرح من البداية خشية ان ينتصر النظام.. فتدور الدوائر علي هذا الفصيل من المواطنين.. ولأنه الأكثر تنظيماً وقدرة علي الحركة بينما «الآخرون» منقسمون وتفرقوا شيعاً وأحزاباً حتي وصل عددهم الآن إلي 60 حزباً معلناً و20 غيرها في الطريق.. لأنه كذلك.. ولأن الثورة الحقيقية لم يكن لها رئيس أو قائد يقودها.. اصبح هذا الفصيل هو المؤهل .. فاستولي علي الثورة!! أليست هذه هي الحقيقة؟ ولأنهم الأكثر تنظيماً وتوحداً تحقق لهم ما حلموا به 84 عاماً منذ خرجت دعوتهم إلي النور - في البحيرة ثم في الاسماعيلية - وها هم الآن يصنعون دولتهم واذا كانوا قد حققوا ذلك بعد 84 عاماً.. فكم من الاعوام نحتاج لزحزحتهم عن الكراسي؟.. أغلب الظن ان هذا يحتاج إلي عشرات عديدة من السنين، أكثر كثيراً من سنوات الانتظار.. وحتي يتحقق لهم البقاء علي كراسي الحكم صنعوا مشروع دستورهم الذي يدعونا اليوم رئيسهم إلي الاستفتاء عليه.. وهو دستور يجمع «كل الفاهمين» يعطي الرئيس من السلطات ما لم يكن ممنوحاً للرئيس السابق سواء في دستور 71 أو علي أرض الواقع.. ولا تنخدعوا بما يقال لكم من أساطين الكلام من أفواه هذا الفصيل بأن هذا الدستور قد قلل من سلطات الرئيس.. بينما المواد كلها تحت عيونكم وبين ايديكم .. هنا نتساءل: علي أي دستور نذهب - بعد أيام - لكي نقول رأينا.. نقول ذلك لأننا كنا نحلم بدستور يقودنا إلي الاستقرار سنوات عديدة.. لا إلي دستور تعبث به الأيدي، مثل دستور البرازيل الذي تعرض للتعديل والحذف والاضافة أكثر من 60 مرة!! هنا يجب ألا تنخدعوا.. ولكن الكارثة الكبري أن أكثر من نصف الأمة لا تعرف الحقيقة المرة.. فالجهل يظل سائداً وما أسهل أن ينخدع هؤلاء ليس لمجرد «زجاجة» زيت وكيس مكرونة.. ولكن بالمعسول من الكلام وهم يملكون هذا المعسول، الذي هو السم في العسل.. ولأن المصري البسيط يؤمن بالله والقدر فإن الكارثة أنهم سرعان ما يجذبهم للتصويت، كما يريد هذا الفصيل.. فالمصري يقبل الكلام ممن يغلفه بكلام الله سبحانه وتعالي، خصوصاً أنه تتعالي هذه الايام عبارات ابو لهب وأبو جهل.. والكفار اتباع الشيطان.. وكم نخشي علي مستقبل هذه الامة ممن تجذبهم هذه الكلمات بل ومن قدرة هذا الفصيل - برجاله وأطفاله وحريمه - علي الوصول إلي بيوت البسطاء لاقناعهم بالتصويت بنعم علي هذا المشروع الذي هو بالفعل سم في العسل.. والسؤال الآن: هل نقول للناس اذهبوا وصوتوا رفضاً لهذا المشروع ام نطالبهم بقول الحق.. وهو كلمة واحدة: لا.. لهذا الدستور! والكارثة ان المدة غير كافية بين طرح هذا المشروع للاستفتاء علي شعب منقسم نجح هذا الفصيل في تقسيمه، وهو ما لم ينجح فيه الاستعمار الذي ابتدع سياسة فرق تسد.. وكنا نتوقع من الرئيس - بعد أن يتسلم مشروع الدستور - أن يحيله إلي رجاله وإلي مستشاريه ومساعديه ليقولوا رأيهم فيه، كما وعد سيادته بذلك، ولكنه فاجأ الأمة - بعد أن تسلم المشروع بيد بأن سلمه لمن يجري الاستفتاء.. نقول ذلك، وقد كانت حشود مؤيديه التي غطت تمثال نهضة مصر أمام أكبر جامعات مصر تهتف مؤيدة له.. وتهتف دون ان تقرأ، ودون ان تفهم.. فقد تربوا كلهم علي مبدأ «السمع والطاعة» واذا كان هذا الفصيل قد ظهر وكأنه كتلة واحدة في ميدان نهضة مصر.. وفوق منصة واحدة.. فإن الطرف الشعبي الآخر وهو الأكبر عدداً كان متعدد الاطراف.. متعدد القيادات.. تتعدد منصاته حتي وان تكلموا جميعاً لغة واحدة. وكارثة مصر الان هي «حزب الكنبة» وهو حزب لا يستهان به عدداً ولا انقساماً.. لأن عدم خروجه للتصويت هو فرصة العمر للفصيل الجاثم علي كراسي الحكم.. لكي يواصل الجلوس علي المقاعد.. عشرات وربما المئات من السنين.. هم.. هذا الفصيل سوف يجندون كل مؤيديهم للخروج ليقولوا نعم يوم الاستفتاء.. بينما نحن - ونحن الاغلبية الحقيقية - سوف نترك لجان التصويت لينفردوا هم ببطاقات التصويت ليضمنوا استمرارهم.. وتلك هي كارثة مصر الحقيقية.. ولكن هل نستسلم.. هل نقبل ما خططوا له طوال 84 عاماً ونقبل ان يحكموا فينا ويتحكموا في حياتنا ومستقبل اولادنا.. هذا هو التحدي الاكبر.. واذا قال البعض: علي البلد السلام.. فإنني اهتف من اعماقي: اسلمي يا مصر.. وسلاماً يا بلادي..