استمرارا لمسلسل المعارك التي بدأها الرئيس مرسي قبل أسبوع مع كافة القوي السياسية والقضاة، من المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة معركة أخري أشد عنفا.. هذه المعركة لن تستخدم فيها الأسلحة المطاطية ولا الحية، ولكن سلاحها الوحيد هو القانون والدستور الذي «سحقه» الرئيس مرسي بفرمانه الأخير، الذي أدي الي اشتعال مصر كلها. هذه المعركة سيكون طرفها الرئيس مرسي طبعا، والطرف الآخر هو المحكمة الدستورية العليا التي تعد أعلي محكمة في مصر وقد لاحت بدايات هذه المعركة في الأفق منذ شهر يونيو الماضي بعد إصدار المحكمة قرارها الشهير بحل مجلس الشعب، ومن المتوقع أن تحتدم المعركة أكثر يوم الأحد القادم موعد الحكم في دعاوي حل مجلس الشوري واللجنة التأسيسية للدستور وهما اللذان حصنهما الرئيس في فرمانه الدستوري الأخير. نص الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم الخميس الماضي في مادته الخامسة علي أنه لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشوري أو اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وهما الجهتان المطعون علي شرعيتهما أمام المحكمة الدستورية العليا، ومن المفترض أن تصدر حكمها يوم الأحد القادم.. هذا الإجراء الاحترازي الذي قام به الرئيس أكد أن المواجهة قادمة لا محالة، فماذا لو حكمت المحكمة الدستورية العليا بالبطلان؟! يؤكد وقوع المواجهة هتافات مؤيدي الرئيس أثناء خطابه فيهم يوم الجمعة الماضي حيث تعالت أصواتهم «الشعب يريد إسقاط الدستورية»، وفي نفس اليوم خرج الدكتور محمد محسوب وزير الشئون البرلمانية والقانوني قائلا في تصريحاته إن راتب رئيس الجمهورية 40 ألف جنيه، وراتب رئيس الوزراء 30 ألف جنيه بينما 19 قاضيا في المحكمة الدستورية العليا يتقاضون 70 مليون جنيه!! هذا التصعيد من جانب الرئيس وجماعته تجاه المحكمة الدستورية العليا لم يأت من فراغ، فقد حاول الأعضاء المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين بمجلس الشعب المنحل مرارا تغيير قانون المحكمة الدستورية حتي يتمكنوا من السيطرة عليها إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وتصدي لهم القضاة ثم صدر قرار المحكمة بحل مجلس الشعب في شهر يونيو الماضي، وهو ما زاد من اشتعال الموقف وأدي الي حنق الرئيس وجماعته تجاه المحكمة التي هدمت المعبد علي رأس جماعة الإخوان المسلمين، ولما فشلت محاولات الرئيس وجماعته في تحجيم المحكمة الدستورية أو تقليم أظافرها أو رضوخها للسلطان، خرج علينا الرئيس بإعلانه الأخير الذي يحصن مجلس الشوري والجمعية التأسيسية للدستور ضد أي قرارات قد تصدرها أي جهة قضائية حتي لو كانت المحكمة الدستورية العليا أعلي المحاكم في مصر. ورغم نصوص الإعلان الجديد التي تؤكد تحصين قرارات الرئيس ضد الطعن عليها أمام أي جهة بدأت الملاحقات القانونية لإسقاط الإعلان الجديد، وأقام عدد كبير من المحامين دعاوي قضائية لإلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مؤخرا وهو ما ينذر بمزيد من المواجهات بين الرئيس والمؤسسات القضائية بشكل عام. ولكن كل المؤشرات تؤكد أن يوم الأحد القادم قد يشهد مواجهة أشد وأشرس من كل المواجهات السابقة في حالة صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشوري أو اللجنة التأسيسية، وهو ما أكده عصام شيحة المحامي عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، مشيرا الي أن الصدام قادم لا محالة وأن جماعة الإخوان المسلمين تدفع الرئيس للصدام مع مؤسسات الدولة لتحقيق مطامع الجماعة علي حساب المصالح الوطنية العليا، فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث يجمع حاكم بين السلطة التأسيسية والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فالرئيس حاول الجمع بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية، وكلما حققت له الشرعية الدستورية أهدافه استخدمها، وكلما عجزت عن ذلك لجأ الي الشرعية الثورية، متجنيا علي مؤسسات الدولة، ومخالفا ما تم الاتفاق عليه بانتخاب رئيس مدني انتقلنا معه من الشرعية الثورية الي الشرعية الدستورية. وأضاف «شيحة» أن الرئيس لم يكتف بهذه السلطات بإلغائه الإعلان الدستوري الذي كان يمنح السلطة التشريعية للمجلس العسكري، وإنما سعي الي تعطيل أهم مؤسسات الدولة وهي القضاء بتحصين قراراته ضد أحكام القضاء المتوقع صدورها، وأكد «شيحة» أن الصدام قادم بسبب تغول مؤسسة الرئاسة علي باقي مؤسسات الدولة. وأشار الي أنه في ضوء السوابق القضائية وأن المحكمة قد تصدر حكما سواء كان ذلك يوم الأحد القادم أوفي جلسة تالية ببطلان القانون الذي أجريت عليه انتخابات البرلمان بغرفتيه، وبالتالي فمن المتوقع أن تصدر المحكمة حكما ببطلان مجلس الشوري مثلما حدث في برلمانات 1987 و1990 و2000 و2011 لأن قانون الانتخابات خالف القاعدة الدستورية العامة بالمساواة بين الأحزاب والمستقلين. كما أنه من المتوقع أن تصدر المحكمة أيضا حكما بحل التأسيسية، حيث إن محكمة القضاء الإداري سبق لها الحكم ببطلان الجمعية التأسيسية الأولي، وال42 دعوي المنظورة الآن أمام المحكمة الدستورية تضمنت نفس العوار الذي أصاب الجمعية الأولي، وأضيف اليها سببان آخران هما أن «التأسيسية» تجاوزت اختصاصها وسلطاتها المنصوص عليها في المادة 60 من الإعلان الدستوري بانتخاب 150 شخصا بدلا من 100. كما أن رئيس الجمهورية تدخل في أعمالها بإصدار قرارات بتعيين 22 عضوا من أعضائها في وظائف عليا بما يخل بقاعدة الحياد داخل الجمعية. وفي حالة صدور هذه الأحكام يتوقع «شيحة» وقوع صدام شديد بين مؤسسة الرئاسة والمحكمة وستزداد حالة الارتباك في الشارع السياسي، لأن الإعلان الدستوري المتنازع عليه الآن احتفظ فيه الرئيس بحقه في إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية، ولكن هل يقدم الرئيس علي خطوة حل المحكمة الدستورية العليا؟ أجاب شيحة قائلا: اذا حاول الرئيس اتخاذ هذه الخطوة ستقوم ثورة جديدة، ليست ضد الرئيس فقط بل ضد جماعته وحزبه وعشيرته، ومن ثم يجب أن يستمع الرئيس لصوت العقل والمنطق وأن يعرف أنه رئيس لكل المصريين وعليه احترام كلمة القضاء. كما يجب أن يعلم أن المحكمة الدستورية العليا المصرية احتلت المركز الثالث علي مستوي العالم، وأن مصر وقعت 4 اتفاقيات دولية تنص علي حصانة القضاء ومن ثم يجب عليه احترام كل هذا، خاصة أنه منوط به كأول رئيس بعد الثورة إحداث توازن في المجتمع وإن لم يقبل بذلك ستدخل مصر في حرب أهلية تأتي علي الأخضر واليابس. ويطلب شيحة من الرئيس أن يحترم الأحكام في حالة صدورها وأن يصدر قرارا بتوافق وطني بتشكيل لجنة من 30 من الخبراء تبدأ عملها مما انتهت اليه الجمعية التأسيسية للنظر في المواد محل الخلاف. ويري الدكتور الشافعي بشير أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة المنصورة أن المواجهة لن تكون مقصورة علي الرئيس والمحكمة الدستورية العليا فقط، ولكنها ستكون مع كل قضاة مصر الذين سبق لهم أن أعلنوا تعليق العمل في المحاكم حتي يسحب الرئيس إعلانه الدستوري المشئوم. وأضاف: لقد أعلن أضاء المحكمة الدستورية العليا أنهم سينظرون القضايا المعروضة أمامهم والخاصة بالشوري والتأسيسية يوم الأحد القادم، أي أن هناك تصميما علي تجاهل الإعلان الدستوري غير المقبول الذي يشل عمل المحكمة الدستورية ومجلس الدولة والقضاء كله، والذي يحصن قرارات رئيس الجمهورية ضد الطعن عليها ويناقض الإعلان الذي نص في مادته الأولي علي أنه لا يجوز تحصين أي عمل أو قانون أو قرار إداري من رقابة القضاء ومن ثم فالمواجهة ستكون شديدة بسبب هذا الإعلان الباطل وغير الشرعي، والذي سيتم الطعن عليه أمام نفس المحكمة، ولكن هل يمتلك الرئيس سلطة حل المحكمة الدستورية العليا؟ يجيب عن هذا التساؤل المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، مشيرا الي أن الرئيس لا يمتلك هذه السلطة وفقا للنص الوارد في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 الذي يحكم البلاد الآن والذي نص علي أن المحكمة الدستورية العليا هي أعلي محكمة في البلاد، وحدد اختصاصاتها وتشكيلها وبالتالي لا يملك الرئيس إلغاءها أو تعديل أوضاعها إلا بتعديل الدستور نفسه، وتعديل قانون المحكمة، إلا أن هناك احتمالا بأن يتعمد الرئيس مرسي إصدار إعلان دستوري آخر بتعديل المحكمة الدستورية العليا، ثم يقوم بتغيير قانونها ويفعل بها ما يشاء، ولكن هذا الإجراء سيؤدي الي احتدام الموقف أكثر، ومن ثم فيجب علي الرئيس احترام القضاء ومؤسسات الدولة والشرعية الدستورية والقانونية وتعديل إعلانه الدستوري واحترام أحكام المحكمة الدستورية فيما يخص مجلس الشوري والتأسيسية أيا كانت خاصة أن المحكمة الدستورية لم تعتد بإعلان الرئيس وأقرت أنها ستمارس اختصاصها بنظر هذه الدعاوي في موعدها المحدد من قبل يوم 2 ديسمبر وإذا لم يحدث هذا فالوضع ينذر بكارثة.