حينما أعلن الرئيس المصري محمد مرسي إعلانه الدستوري “الحامي للثورة”، لم تمر 24 ساعة حتى كشف “إخوانه” في تونس عن مشروع قانون مماثل باسم “تحصين الثورة”. وتثير الخطوتان من التساؤلات أكثر مما تقدمان من إجابات عن الوضع الحرج في البلدين المهدد بدفعهما إلى المجهول بما قد يقود إلى “الكفر” بهذه “الثورات” . وفي حين يؤشر إعلان مرسي إلى جمع كل السلطات بيديه ومن ورائه تنظيم “الإخوان” بما لا يترك لشركاء الوطن والثورة موضع قدم أو رأي، ينسج زعماء “النهضة” في تونس على نفس النسق ويكابدون من أجل السيطرة على مفاصل الدولة وتهميش القوى السياسية الحليفة والمناوئة على السواء، حتى لا يبقى في المسرح “أبطال وثوريون” سواهم . من هذا المنطلق لا يمكن أن يكون “الإعلان الدستوري” في مصر و”قانون تحصين الثورة” في تونس مصادفة طريفة جادت بها أقدار الثورة، بل الأقرب إلى الواقع والمنطق أنها خطة ضمن مشروع مراوغ للسيطرة على السلطة والاستئثار بها . أما شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة التي يلهجون بها، فهي لا تعدو أن تكون “عكاكيز” مساعدة على القفز إلى أعلى، بينما أثبت التاريخ السياسي أن أكثر النخب تفنناً في توظيفها وذوباناً في أوصافها، هم أبعد الأقوام عنها، واستخفافاً بروحها، طالما لم تنسجم مع رؤاهم وتزكّي رغبتهم الجامحة في الاستفراد بالقرار وتكريس الديكتاتورية في أبشع صورها . لا يتهم أحد الإسلاميين من “إخوان” مصر وتونس بأنهم أخذوا السلطة غصباً، بل وصلوا إليها بانتخابات مشهود لها بالشفافية والنزاهة لفترة زمنية مؤقتة مثلما تقتضي سُنّةُ الديمقراطية، ولكن أن يتحول الوضع المؤقت إلى عملية اغتصاب دائمة للحكم فهذه هي الكارثة . وعندما يكون الوضع ملتبساً فإن بعض الأفعال الملغومة التي تصدر بين الفينة والأخرى من زعماء الجماعتين، تؤكد أن ما في الصدور ليس هو ما تفصح عنه الألسن . وجاء إعلان مرسي الأخير متساوقاً مع نزعة إلى السيطرة تجلت قبل ذلك في الترويج لاحتمال تعيين الرجل الثاني في “الإخوان” خيرت الشاطر في منصب رئيس الوزراء، وهي خطوة ليست مستبعدة إذا رضخت مصر للإعلان الدستوري لتستوي في الأخير السلطة كلها بيد الجماعة وقوى سياسية متوافقة على برنامج وطني . وفي تونس لم تعد حركة “النهضة” بحاجة إلى إخفاء نواياها في الاستبداد بالجميع . وهذه التهمة لا تصدر عن خصومها فقط، وإنما عن شركاء في الحكم، من الرئيس المنصف المرزوقي ومن وزراء حلفاء لها في “الترويكا” . لم يكن مشروع “قانون تحصين الثورة” بحجة قطع الطريق أمام “أزلام النظام السابق”، إلا نتيجة لجهد بدأته “النهضة” منذ وصولها إلى السلطة، وهو مشروع يتناغم مع ما يجري في مصر ويتناسق معه . وبينما تبدو النوايا في ظاهرها غيرة على الثورة وخشية من أعدائها، يتضح أن الغاية براغماتية بامتياز، تتمثل في تقزيم كل القوى السياسية الأخرى وحرمانها من الاستفادة من إرث النظامين السابقين حتى لا يفرز الواقع قوة سياسية يمكن أن تسحب من تحتهم البساط وترفع عنهم مظلة الثورة . في خطاباتهم السياسية، يؤكد “الإخوان” أنهم أكثر من عانى الإقصاء والتهميش واكتوى بلظى الاستبداد، وهذا أمر نسبي لأن قوى قومية ويسارية وليبرالية وحتى أطرافاً كانت في صلب النظامين في مصر وتونس عانت المعاناة ذاتها، ولكن الرد على الإقصاء بالإقصاء والاستبداد بالاستبداد لن يحل المشكلة بل سيخلق عقدة، على الأرجح، لن يكون فكّها نزهة في “ربيع”، بل فتنة أسوأ . نقلا عن صحيفة الخليج