لا يولد الطغاة طغاة ، لكنهم يصنعون. بكلمات الموالسة، وقصائد المدح، ومهرجانات التأييد، وتلامس الكفين تصفيقا، وتبريرات المتسلقين. هذا ما جرى مع الفرعون الأخير. محمد مرسى العياط الأستاذ الجامعى الذى استبدلوا به قائدهم الحقيقى ليسكن مقعد القيادة. مدحوه، عظموه، أمروه، ثم فرعنوه. فى مصانعهم يتم إنتاج فراعنة مشابهين للفراعنة السابقين لأن الماكينات متماثلة، فلا فرق بين ديمقراطية الحزب الوطنى، وديمقراطية الاخوان. كما انه لا اختلاف بين فاشية الاتحاد الاشتراكى المقبور وفاشية المتأسلمين. فى بضعة شهور تغيّر محمد مرسى من أستاذ جامعى يؤمن بالعلم إلى حاكم يمارس التسلّط ويحتمى بالقوة، ومن رجل طيب إلى فرعون، ومن مُطالب بالحرية والعدل إلى مستبد لا يرى آخر أو يسمع آخر أو يؤمن أساسا بوجود آخر. فرعون جديد رأيه صواب لا يحتمل الخطأ، ورأى غيره خطأ لا يحتمل الصواب. يُقلد الفرعون السابق بنفس الخطاب، وذات الأسلوب. معارضوه أصحاب أجندات، والمتظاهرون ضد سياساته عملاء، ومخالفوه فى الرأى سوس ينخر فى جسد الوطن. مَن يقول له «لا» فلول، ومن يدعوه إلى مراجعة قراراته متآمر على الشهداء ومَن يطالب برحيله خائن للثورة. بإعلانه الدستورى الأخير أعلن الرجل تتويجه فرعونا لمصر بعد ثورة كدنا ننخدع بنتائجها وطموحات أبطالها. صار محمد مرسى العياط مقدسا لا يمس ولا ينتقد، ولا يراجع . معصوما لا يزل كأنه إله لا تأخذه سنة ولا نوم. هو الأول، والآخر كما يريدنا المتأسلمون أن نسلّم، وهو الظاهر، والباطن كما تبشّر الجماعة الانتهازية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فرعون جديد تحت لافتة دينية. يعتبره مؤلهوه مبعوث السماء ولا يخجل مناصره فى الجماعة الدكتور عصام العريان أن يخرج على الناس معلقا على الاعلان المشئوم بأنه رسالة من الله لإنقاذ الثورة. لا نريدها ثورة تدوس على القانون، ولا نتمناها بلداً تحرق قوانينها وتشطب قضاتها، ولا نقبله حاكما لا يرينى إلا ما يرى. وكأنى بمنافقيه وطباليه وزماريه أرى الشاعر ابن هانئ يخطو على الأرض مادحا الخليفة بقوله «ماشئت.. لا ماشاءت الأقدارُ/ فاحكم فأنت الواحد القهار / وكأنما أنت النبى محمدٌ / وكأنما أنصارك الأنصار ُ». للأديب الجزائرى الشهير الطاهر وطار رواية بعنوان «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» يتصور فيها لو علم شهداء الجزائر أحوال بلدهم بعد الاستقلال من فساد وقهر وظلم لطغمة مستبدة حاكمة لعادوا مرة أخرى ليستشهدوا وهم يقاتلون حكامها. وفى ظنى فإن شهداء الثورة المصرية لا يرضيهم أن تجرى دماؤهم ثمنا للتخلص من الفرعون ليأتى آخر. يقول نابليون بونابرت: «أصعب الغزوات التى يدخلها الإنسان فى حياته هى تلك الغزوات التى يستطيع فيها أن يقهر نفسه». والله أعلم.