بكيت.. بكيت بحرقة. شعرت بأنني الذي ضرب.. وتعذب وأشبع جلداً.. بالسوط تارة، وبلوح الخشب تارة، شعرت بأنني أنا العريان الذي خضبت الضربات جسده الواهن العاري بالدماء، شعرت بأن الصرخات العميقة الموجودة المسترحمة.. المستغيثة.. كانت صرخاتي.. واسترحاماتي.. واستغاثاتي.. لكن دون جدوي.. لم نجد قلباً يرق أو يرحم أو يحس، قلباً يمكن أن يحصل بعضاً من بقايا الإنسانية أو شعوراً بالإنسانية ولو قليلاً منه يمكن أن يخزي الكلاب المسعورة.. النابحة، فتتوقف عن الاسترسال في ضرب الناس بجميع الوسائل بلا رحمة وبلا هوادة، تتوقف عن نهش الجسد العاري الذي تحول إلي خارطة طريق مخضبة باللون الأحمر! هذا الرجل المضروب بالسوط واللوح الخشبي وبالركل بالحذاء والنعال في سجن الرئيس الذي شعرت بأنه أنا والذي شعر غيري وهو يشاهد عملية الضرب المبرح أنه هو هو مجرد سجين »حقير« في السجن.. في سجن الرئيس.. أي رئيس يمتلئ باللإحساس.. رئيس يسحل ويضرب ويجلد شعبه ثم بكل فخر يظهر أمام الكاميرات فتلألأ نجومه اللامعة.. وتبرق حلته المصنوعة من أفخر أنواع الصوف المطعم بخطوط من حروف اسمه النورانية (كمبارك) ثم يقول: أنا ربكم الأعلي أنا الذي علمتكم العزة.. أنا الكرامة أنا المجد أنا الشرف (كما يدعي الأخ العجيد) أنا الذي أحمي وحدة الوطن وأحول دون سقوطه أو غرقه في بحار من الدماء (كما يزعم الشاويش علي صالح في اليمن). الرئيس الممتلئ بعدم الإحساس يسجن شعبه ويسفك دمه ضرباً أو جلداً أو إهانة في سجن الرئيس هناك كل أنواع التعذيب وكل الوسائل متاحة وما شاهدناه من صور مؤلمة عبر الهاتف من عملية تعذيب وضرب مبرح لأحد السجناء في سجون الرئيس.. لا فرق هنا في اسم الرئيس فكلهم »أمة واحدة« علي حد وصف زميلنا الكبير عادل صبري الذي لم يكف عن ترديد هذا الوصف طوال رؤيتنا لهذا المشهد الدامي لهذا الفيديو الذي نقلته »الجزيرة« بل صدمتنا به فجأة.. هذا المشهد تضمن مشاهد مفزعة لعملية تعذيب لمعتقلين في سجن الرئيس علي عبدالله صالح ونقلته الجزيرة التي أوضحت أن عملية التعذيب والترويع هذه كانت من ضمن أحداث السادس من مارس في اليمن. هذا هو سجن الرئيس.. سجن الرئيس في اليمن صنو لسجن الرئيس في مصر وتونس وسوريا وليبيا وفي الدول العربية التي حوله الهتلريون الجدد إلي دويلات من الظلم والعربدة والترويع والتوحش.. دويلات قائمة فوق وتحت الأرض بعلم وبأوامر من الرئيس.. أي رئيس.. والذي مع ذلك يدعي ويزعم كذباً وزوراً وبهتاناً أنه رئيس يحس بآلام وهموم شعبه، وأنه - كما يصوره لنا إعلامه - جاءت به العناية الإلهية كي ينقذنا.. نحن الشعب من الضلال. فرئاسته له تهدي الشعب إلي الطريق القويم. فالرئيس يحكمهم بحبه وبحكمته وبعد نظره، وبتوجهاته النيرة يجنبهم الشرور والحروب.. فالتخاذل والاستسلام والتبعية أفضل طريق نحو الرخاء والتنمية والتوريث.. ولا عزاء للكبرياء والوطنية.. إن رئاسته لهم تجعلهم يكتفون بهذه الهبة الإلهية فلا يحتاجون إلي أي شيء، فالقائد يقوم بكل شيء من أجلهم حتي الضرب الوحشي والتعذيب القاسي لا يحرمهم منه! سجن الرئيس هو اسم الدولة التي يرأسها.. سواء كانت مصر أو سوريا أو غيرهما.. سجن كبير مليء بكل خصومه أو من يتوهم أنهم خصومه، بل إن سجنه يمتلئ بكل أبناء شعبه.. ومع هذا الشعب الرئيس شعب وفي في نظر سجانه.. ولأنه كذلك فلابد أن يقبع في سجونه دليلاً علي ولائه للرئيس. هذا الشعب الوفي يجوع ويأكل من صفائح القمامة.. من أجل الرئيس هذا الشعب الوفي طبق فمه لكي يتكلم الرئيس وحده.. ويأكل الكافيار والسوشي اللذيذ.. وحده هذا الشعب يضرب ويسحل ويعذب لكي يشعر الرئيس منفرداً بالحرية ويحلق منفرداً في ربوع وأنحاء بلاده كافة! الرئيس عندما يحس حقاً بشعبه يضربه بالسياط والألواح الخشبية ويسحله في الشوارع ويفقأ عيونه ويضربه بالرصاص الحي والمطاطي.. ويفكر في التخلص من ثواره بقصفهم بالطائرات أو بدك وتلغيم ميادين الثورة بالألغام والمتفجرات. هذا الرئيس يفيض إنسانية ويفيض خيراً ويفيض محبة، هذا الذي لا يحرم شعبه من أي شيء، لا يحرمه من الجوع ولا من الضرب ولا من السحل ولا من التعذيب ولا من أي شيء! يا لهؤلاء الرؤساء العظام لعلهم شعروا بأن الشعوب في مصر وتونس واليمن وليبيا بحاجة إلي كل هذا الجوع وهذا القهر وهذا الترويع، فمنحوا الشعوب كل ما تحتاج إليه حتي من دون أن تطلب. الرئيس يحس بنا وسجون الرئيس.. فيها كل ما تشتهيه وكل ما نحلم به.. يتحقق في سجن الرئيس الكبير. نعم.. كل ما نحلم به في سجون الرئيس فنعم إحساس الرئيس!! شكراً سيادة الرئيس!! شكراً لأنك رأستنا.. ولأنك جوعتنا ولأنك أكلت نيابة عنا.. ولأنك ضربتنا.. وأذللتنا فانتهكنا في سجونك.. وسرقت أموالنا.. وهربتها إلي الخارج.. جعلتنا مغانم ومطايا لك ولعائلتك ولأتباعك.. وأفقرتنا لأنك تحبنا بشدة فقد فعلت ذلك لإيماننا بأن الفقراء يدخلون الجنة فقربتنا منها.. ثم ختمت كل هذا بقتلنا وتمويتنا من الضرب والسحل بوحشية!! لكي تخلصنا من هذه الدنيا القذرة!