تابعنا جميعاً ردة الفعل الغاضبة سواء عقب صدور الاحكام في قضية القرن التي حوكم فيها مبارك أو عقب تبرئة رجال مبارك في قضية موقعة الجمل ومطالبة الكثيرين بتطهير وتطوير القضاء! دعونا نتفق بداية علي حتمية احترام القانون وأحكام القضاء اذا أردنا أن نكون بحق في دولة القانون. ولكن علينا أن نتعامل مع هذه المشكلة معاملة الطبيب مع مريضه علينا أن نشخص الاسباب تشخيصاً علمياً وموضوعياً هذا إذا أردنا حقاً استعادة هيبة القانون والقضاء في مصر. بوصفي أستاذاً في كلية الحقوق تخرج علي يديه أجيال متعاقبة منهم القضاة والمستشارون ومنهم نوابغ المحامين وأعضاء هيئات التدريس...الخ، كما شرفت بالتعيين في هيئة قضائية مرموقة قبل أن أتركها وألتحق بالجامعة أجد من واجبي التطرق لهذا الامر لضمان الوصول الي حل قاطع يعيد للقضاء هيبته ومكانته، ومن ثم فإن ما أعرض له أدناه أبغي به وجه الله وصلاح جهاز القضاء الذي نعتز به ونفاخر به الامم لما له من تاريخ عريق ومشرف. نعود الي السؤال حول تطاول الناس علي القضاء وحول مطالبة الكثيرين بتطهيره ولما اتسعت الفجوة والهوة وحدث هذا التصعيد؟ في اعتقادي المتواضع هناك عدة أسباب قادت الي هذا الوضع المؤسف والتي اذا ما عولجت ستضمن عودة القضاء لتبوأ مكانته في نفس كل مصري وعربي وهي كالتالي: أولاً: أننا بصدد ثورة وفي مجتمع يغط في الجهل والفقر ولهذا وفي هذا المناخ الثوري لا تتوقع إلا النقد والاتهام بالتقصير من الجميع فالشعب ناقم علي كل الاجهزة بما فيها جهاز القضاء. فهو لا يستطيع أن يميز بين القضاء وبين غيره من المؤسسات وعلينا أن ندفع فاتورة الجهل التي تركها لنا مبارك!. ثانياً: الحكم الذي صدر أو سمح بسفر الامريكان في قضية التمويل الاجنبي علي يد المستشار عبدالمعز ابراهيم والذي نال ما نله من نقد كل هذا رسخ مفهوماً لدي المواطن بأن القضاء غير مستقل أو غير نزيه ومن ثم فما الذي يمنع أن يكون هناك تدخل في قضية القرن وقضية موقعة الجمل شأن التدخل في قضية التمويل الاجنبي؟! علينا أن نتذكر أيضاً دور المستشار ممدوح مرعي خلال انتخابات العهد البائد كل هذا غرس شعوراً بعدم نزاهة القضاة شئنا أم أبينا. ثالثاً: وهذا هو أخطر سبب في اعتقادي أن القضاة أنفسهم أو لنقل شريحة كبيرة منهم لا تزال تفكر بمنطق ما قبل الثورة فلا يزال الكثير من القضاة والمستشارين يعتبرون أن القضاء تركة ورثوها عن الآباء ومن ثم من حقهم أن يورثوه للابناء، فالتصريحات العلنية لمستشار كبير (وكي ما يحصل علي أصوات القضاة في الانتخابات) بما أسماه «الزحف المقدس لابناء المستشارين للتعيين في القضاء وانه سيوقف أي تعيينات اذا لم تضم أبناء المستشارين...الخ» كل تلك التصريحات المخجلة يتابعها العامة وهي تعني بوضوح أن هناك فساداً ممنهجاً بالقضاء وإلا فبماذا نفسر تعيين ابن مستشار فاشل علي حساب ابن فلاح متفوق؟! انه الفساد بعينه وللاسف يعتبره بعض القضاة حقاً مكتسباً وهذا يفقد الناس ثقتهم في القضاء والقضاة وأرجو أن يصححني أحد اذا كنت مخطئاً!. رابعاً: أن هناك عشرات الآلاف ممن تخرجوا من كليات الحقوق والقانون المصرية وكانوا من المتفوقين ووجدوا أن مصيرهم هو الشارع أو الوقوف علي باب محكمة في حين اقتنص ابن المستشار أو صاحب الحظوة منصب وكيل النيابة انه قانون الغابة وعلينا أن نتحمل تبعات قانون الغابة لعقود. ماذا ننتظر من هؤلاء الذين تجرعوا مرارة الظلم هل نتوقع منهم احترام وتقدير القضاء والقضاة؟!. خامساً: ان أحكام القضاء يضرب بها عرض الحائط علي مدي عقود وعندما يكون الحكم القضائي مجرد ورقة لا تضر ولا تنفع يفقد الناس احترامهم لمصدر هذه الورقة وهو القاضي ولهذا يلزم علاج مشكلة تعطيل تنفيذ الاحكام سواء من قبل مؤسسات الدولة أو الافراد. سادساً: أن القضاة ارتضوا لانفسهم الخضوع للسلطة التنفيذية بدليل سعيهم للعمل كمستشارين للمحافظين والوزراء وكبار المسئولين! كيف يكون القاضي حكماً بين الوزارة والمدعي عليها وهو في نفس الوقت مستشاراً لتلك الوزارة؟! ماذا نتوقع من ردة فعل من قبل المجتمع الذي لا زلنا نفترض فيه الجهل والغباء؟. سابعاً: أن الكثير من القضاة تعالوا علي الناس ومثالهم ذلك المستشار ذو الطلعة البهية الذي يطل علينا مع كل مصيبة ليشبع فيها لطم لقد استغل هؤلاء نفوذهم وانتفعوا من وراء وظيفتهم خلال العهد البائد وليس أدل علي ذلك من الثروات العقارية لآلاف القضاة في مختلف مدن وسواحل مصر، وأتمني أن يتحرك جهاز الكسب غير المشروع ويفتش في هذا الملف المظلم فمن أين أتوا بتلك الثروات والعقارات وكيف حصلوا عليها؟! هل من مراجعة للذمة المالية للقاضي؟!. من مجمل ما سبق أستطيع القول إن القضاء في مصر يزخر بآلاف القضاة الشوامخ ولكنه بحاجة الي عملية تطوير شامل وجذري ليكون قضاء عصرياً يأخذ بأسباب العلم والعصر الحديث وليحظي باحترام المواطن التواق الي الحرية والعدالة. أما أن نغمض أعيننا ونتجاهل أمهات المشاكل فلا يمكننا حل شيء وستتفاقم المشكلات وسيبدو القضاء أكثر انكشافاً أمام الرأي العام الذي لم يعد هناك سقف محدد لحريته. وأكرر هنا بأن ما أكتبه هنا ليس ردة فعل للاحداث الجارية وانما هو وليد دراسات بحثية موسعة عرضت لها منذ ما يقرب من عشر سنوات والله علي ما أقول شهيد.