لم يحصد الشباب عنب ثورة يناير ولا بلح الرئيس الحالي محمد مرسي، فأحوالهم تسير من سيئ إلي أسوأ ومعدلات البطالة ترتفع والأوضاع الاجتماعية تنحدر، ورغم الوعود التي أطلقها الرئيس محمد مرسي لهم، إلا إنه لم يتحقق منها أي شيء. الأموال المنهوبة من رموز النظام السابق والمهربة إلي الخارج من الممكن أن تمثل شعاع الأمل للشباب، خاصة أن الدولة نجحت حتي الآن في استرداد ما يقرب من 11 مليار جنيه - حسب بيان رسمي صادر من مكتب النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود - في حين أن أحد المصادر القضائية قدرت الرقم ب 9 مليارات و700 مليون جنيه وجار استرداد 50 ملياراً أخري من رجال النظام المخلوع، وهو رقم من الممكن أن يوجه لصالح الشباب ويسهم في عمل مشروعات إنتاجية لهم تخلصهم من البطالة وفي الوقت نفسه يدر دخلاً علي الدولة. لولا شباب الثورة ما تم تحصيل تلك الأموال، فثورتهم التي قاموا بها هي التي مكنت الحكومة الحالية من الوصول إلي السلطة، وفي الوقت نفسه تتخذ إجراءات ضد رموز النظام السابق وتحصل منهم علي مليارات الجنيهات، ومن الأولي أن تذهب تلك المبالغ إلي الشباب في صورة مشروعات قومية أو قروض ميسرة أو بناء مساكن للعشوائيات حتي يكون هناك نتائج إيجابية وملموسة للثورة. أيضاً لو اهتمت الحكومة بملف الأموال المهربة إلي الخارج، التي قدرها البعض ب 225 مليار دولار ستسهم بشكل كبير في دفع عجلة الإنتاج لو تم توجيه تلك الأموال إلي الشباب، التي من المنتظر رد ما بين 60 إلي 80 مليار دولار، وهو رقم ضخم من الممكن أن يغير من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعاني منها الدولة الآن. الخبراء أكدوا أن الحكومة عليها أن تنشئ صندوقاً خاصاً للأموال التي تم استردادها، وأن يصدر للصندوق قانون يحدد أوجه الصرف الخاصة به، بحيث يوجه لصالح المشروعات القومية وتطوير العشوائيات ومحاربة الفقر، وساعتها سوف تتعاون الدول التي تم تهريب الأموال إليها لأنها تهتم كثيراً بقضية التنمية، ومن الممكن أن ترد جزءاً أكبر من المبالغ، خاصة لو تم استخدامها لصالح الشباب. أما لو دخلت تلك الأموال في حساب موازنة الدولة وتغطية زيادات رواتب الموظفين وأوجه الإنفاق العامة، فاحتمالات تعاون الدول التي هربت الأموال إليها تبدو ضعيفة جداً، خاصة أن معظمها لا يتحمس الآن لإعادة الأموال إلي مصر وتماطل في ردودها علي طلبات اللجنة المشكلة لاسترداد الأموال المنهوبة. معركة استرداد الأموال المنهوبة لا تحتاج إلي جهود قضائية فقط، وإنما تحتاج معركة سياسية وشعبية وضغوطاً دبلوماسية حتي تجبر الدول علي إعادة الأموال التي هربها مبارك ورجاله إليها، خاصة أنه منذ اندلاع الثورة تقاعست حكومتا الدكتور عصام شرف والدكتور كمال الجنزوري عن السير في هذا الاتجاه، ولكن حكومة هشام قنديل بدأت تفكر في الملف ولكنها لا تسير في الطريق الصحيح حتي الآن. فعلي أرض الواقع أعلنت اللجنة القضائية المشكلة لاستعادة الأموال المنهوبة هزيمتها أمام الدول التي هربت إليها الأموال، خاصة أنها حتي الآن تخوض المعركة دون أي أسلحة قوية، واختارت السير في الطريق القضائي فقط، وهو غير كاف، خاصة أن الأموال المهربة من الممكن أن تنقذ البلاد من تحكمات صندوق النقد الدولي والدول المانحة للقروض إلي مصر. أمريكا وبريطانيا وسويسرا وإسبانيا والإمارات والكويت هي أكثر الدول التي هرب إليها الأموال الخاصة برموز النظام السابق، ولكن واشنطن هي الأسوأ في التعامل مع هذا الملف، خاصة أن مصر أرسلت إليها عشرات الطلبات الرسمية لتجميد أموال 103 مسئولين سابقين ينتمون إلي النظام السابق، ولكن الإدارة الأمريكية رفضت حتي الآن وتقدم ادعاءات غير صحيحة للتهرب من عملية التجميد. وعلي عكس أمريكا تتعاون سويسرا وإسبانيا ورغم أنها من الدول سيئة السمعة في التعامل مع ملفات تهريب الأموال إلا أن إسبانيا تتعاون الآن في ملف حسين سالم، ونفس الأمر لسويسرا التي أعلنت عن تجميد 900 مليون فرانك سويسري علي ثلاث دفعات تخص عدداً من رموز النظام السابق أيضاً. أما بريطانيا فهي تتعاون بعض الشيء وجمدت منذ عدة أشهر 44 مليون جنيه استرليني، عكس دول الخليج التي تتهرب من الحديث عن أي أموال مهربة إليها ولم تتعاون مطلقاً مع اللجان الشعبية أو الرسمية التي شكلت لاسترداد الأموال. معتز صلاح الدين - رئيس المبادرة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة - أيد بشدة فكرة تخصيص الأموال التي تمت استعادتها وستتم استعادتها من الخارج لصالح مشروعات قومية للشباب والعاطلين، خاصة أن ذلك في صالح الاقتصاد ودفع عجلة التنمية. وأشار إلي أن حجم الأموال المنهوبة تقدر ب 225 مليار دولار عبارة عن أموال وعقارات وأراض وممتلكات لرموز النظام السابق تم تهريبها إلي الخارج، ومن المتوقع لو تمت ممارسة ضغوط شعبية وسياسية وقضائية استرداد 25% من تلك الأموال - أي ما بين 50 و60 مليار دولار - خاصة أن أكبر دولة لم تحصل سوي علي 10% من حجم الأموال التي هربت منها، لكن الجهود المصرية ستحقق نسبة أفضل مع وجود تعاون من بعض الدول. وقال الدكتور حسام عيسي، رئيس اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة: إن الأصل في إعادة الأموال المنهوبة أن توجه إلي حل مشاكل المناطق الأكثر فقراً وعمل مشروعات قومية للشباب وتوجه إلي المناطق الأكثر احتياجاً، كما أنه من الأولي أن توجه جزءاً من الأموال لعلاج شباب الثورة المصابين حتي الآن، وذلك عن طريق تخصيص صندوق خاص توضع فيه تلك الأموال وأن تبتعد عن حساب البنوك وأن يصدر قانون يحدد أوجه الصرف والإنفاق، علي أن يتم تحديد أوجه الإنفاق لصالح المشروعات القومية. وأضاف أن الدول التي تم تهريب الأموال إليها سوف تتعاون مع مصر لو تم عمل هذا الصندوق، خاصة أنها تشجع مشروعات التنمية ولا تفضل أن تدخل حسابات الأموال المهربة في موازنة الدولة ولتغطية زيادات الرواتب والأفضل لمصر أن توجه في مشروعات طويلة الأجل ومشروعات إنتاجية تسهم في زيادة الدخل القومي. وأيد الدكتور سعد الدين إبراهيم - رئيس مركز ابن خلدون للدرسات الإنمائية - فكرة تخصيص الأموال التي تتم استعادتها من رموز النظام السابق لصالح المشروعات القومية للشباب وأي مشاريع تسهم في الحد من بطالة الشباب، خاصة أنهم الأصل في الثورة، وكان من المفترض أن تُعالج مشاكلهم ولكن تغيرت الأوضاع ووجدوا أنفسهم يخرجون من مولد المعركة الثورية بلا «حمص» ويجب أن ينالوا الحد الأدني من مطالبهم بتخصيص الأموال التي تتم استعادتها لصالح مشاريع قومية لهم. وقال الدكتور محمد أمين المهدي «أمين عام لجنة استرداد الأموال المنهوبة»: إنني لا أفضل أن توجه الأموال لصالح المشروعات الخاصة بالشباب، لأن القائمين علي أمور الاقتصاد والسياسة والتخطيط والعشوائيات هم الذين يعرفون حجم الموارد ولابد أولاً من معرفة حقيقة الوضع الاقتصادي للتفكير في هذا الاتجاه ولا يمكن لأي إنسان أن يقول كلاماً نظرياً وغير واقعي، ومن الصعب التفكير في ذلك إلا بعد معرفة حقيقة الأرقام. وقال الدكتور مصطفي جمعة «عضو اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة»: إن ملف استرداد الأموال لو أردنا توجيهه لصالح الشباب سيكون ذلك أكبر مشروع قومي لهم ولكنه يحتاج إلي جهود جبارة سواء سياسية أو دبلوماسية أو حتي شعبية لأن ال 11 ملياراً التي تم استعادتها غير كافية، وعلينا التفكير في مبلغ ال 225 مليار دولار المهربة إلي الخارج حتي نحقق أقصي استفادة من هذا الملف.. وأشار إلي أن اللجنة القضائية المشكلة تمارس عملاً قضائياً، ولكنه ليس كافياً ولابد للحكومة الجديدة أن تشكل لجنة سياسية وقضائية ودبلوماسية من المجتمع المدني وتتعاون من أجل استرداد الأموال، خاصة أن هناك بعض الشخصيات العامة لها تأثير في الدول الأخري.